سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لبنان : وثيقة "قرنة شهوان" خضعت لتخفيف في اللهجة ... وتعليقات لجمت التعاطي الإيجابي معها . عبدالله الأمين : غير صالحة للحوار الا إذا عدلت لكنها تختلف عن بيان المطارنة
حين صدرت وثيقة "قرنة شهوان" عن عدد من الشخصيات السياسية وقادة معظم الأحزاب، المسيحية، بتأييد من البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، كانت ردة الفعل الأولى لدى الوسط السياسي اللبناني، بما فيه أوساط حلفاء سورية المقربين، ان في البيان ايجابيات تتيح تنفيس الاحتقان السياسي في لبنان بعد أشهر من التأزم، على رغم الخلاف في شأن نقاط عدة مع موقعي هذه الوثيقة التي حملت عنوان "من اجل حوار وطني". ولم تمض أيام قليلة على اعلان الوثيقة، حتى صدرت بيانات ومواقف عنيفة من بعض القوى الوثيقة الصلة بدمشق، وخصوصاً حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حمل على الوثيقة وموقعيها، مكرراً في انتقاداته تعابير استخدمت في أوج الصراع السياسي إبان الحرب، متهماً هؤلاء بالانعزالية وبأن حديثهم عن السيادة يثير الغثيان... كما صدرت مواقف عن حليف آخر لدمشق هو الحزب السوري القومي الاجتماعي فند بنودها، واعتبر أن ما تضمنته من مواقف جديدة ازاء الصراع العربي - الإسرائيلي وتحرير الجولان ودعم الانتفاضة في فلسطين، كان هدفه التغطية على المطالبة بالانسحاب السوري لا غير. ورد بعض اركان لقاء "قرنة شهوان" داعين الى قراءة متأنية للوثيقة والى محاورة موقعيها بعيداً من التشنج والمواقف المسبقة. وفي تفسير هذا النوع من ردود الفعل المتشددة على الوثيقة، مقابل ردود فعل مرحبة من قيادات اخرى اسلامية قال سياسيون شاركوا في لقاء قرنة شهوان، أن الهدف منها الحد من ردود الفعل الايجابية على الوثيقة، ولجمها، بحيث لا تنشأ حالة سياسية تتجاوز ما هو مرسوم لامكانات الانفتاح السياسي على المطالبين باعادة النظر في العلاقات اللبنانية - السورية. أما المقربون من دمشق فسروا ردود الفعل المتشددة بالتأكيد على نقطتين: الأولى انه كي يصبح الحوار ممكناً، يجب سحب موضوع اعادة انتشار القوات السورية في لبنان من التداول، بحيث لا يبدو كأن البحث فيه يتم تحت الضغط، والثانية ان على جماعة قرنة شهوان التسليم برغبة سورية أن يتم الحوار عبر الدولة وتحديداً رئيس الجمهورية اميل لحود... وفي المقابل يعتبر معدو وثيقة قرنة شهوان، انهم حققوا انجازاً لأنهم تمكنوا "عبر الخطاب السياسي المعتدل" من تحقيق توافق بين المستقلين والأحزاب المسيحية. ويرى هؤلاء في ذلك تطوراً مهماً. فمن عادة التجمعات السياسية المسيحية التي كانت تنشأ خلال الحرب أن تتم بتحلّق المستقلين حول لغة الأحزاب، بينما الذي حصل هذه المرة ان الأحزاب المتشددة جاءت الى لغة المستقلين... وتقول احدى الشخصيات المعتدلة التي تلعب دوراً في التواصل بين الدولة والبطريركية المارونية وبين سورية واللبنانيين المنتقدين للوجود السوري، أن فكرة لقاء "قرنة شهوان" بدأت قبل أشهر عدة وأن الوثيقة التي كان يجري الاعداد لها، بعد فترة قليلة على البيان المتشدد لمجلس المطارنة الموارنة في 20 أيلول سبتمبر الماضي، كانت أكثر تطرفاً، وقسوة في ما يتعلق بالعلاقات مع سورية. وتعتبر هذه الشخصية أن عوامل عدة لعبت دوراً في تخفيف لهجتها منها ان المعتدلين في اللقاء دعوا الى الأخذ في الاعتبار ردود الفعل الاسلامية الرافضة لطرح صفير مسألة الوجود السوري في شكل يستفز سورية، ويقلق هذه القيادات من رغبة الانقلاب على اتفاق الطائف أي ان هؤلاء المعتدلين تخوفوا من الاستقطاب الطائفي حول ما يطرحون، والعامل الثاني هو ان وزير الخارجية السابق فؤاد بطرس، الذي كان استقبله الرئيس السوري بشار الأسد مرتين، سعى، بعيداً من الأضواء الى دفع معدي الوثيقة الى تعديل الكثير مما فيها في اتجاه الاعتدال.... وهو عقد لهذه الغاية لقاءات عدة مع البطريرك صفير، ومع المطران يوسف بشارة الذي رعى اجتماعات القيادات المسيحية، ومع قيادات اخرى. ومع ذلك، ففي مقابل ردود الفعل المتشددة ظهر موقفان جديدان متشددان من فريقين هما في عداد لقاء قرنة شهوان: الرئيس أمين الجميل الذي وقع على الوثيقة لكنه عاد يشن هجوماً على الوجود السوري. والعماد ميشال عون الذي رفض ممثلو التيار الذي يتزعمه في بيروت التوقيع على الوثيقة لتحفظهم على اتفاق الطائف مع استمرار تضامنهم مع الشخصيات الموقعة عليها، فهاجم عون اتفاق الطائف ورأى أن الوثيقة جاءت متأخرة. "الحياة" طرحت أسئلة على أحد موقعي الوثيقة السفير السابق سيمون كرم، وعلى الوزير السابق، عضو حزب البعث، عبدالله الأمين الذي كانت له لقاءات بعيدة من الأضواء مع بعض المشاركين في لقاء قرنة شهوان. اعتبر الوزير السابق عبدالله الأمين عضو حزب البعث العربي الاشتراكي الموالي لسورية ان وثيقة قرنة شهوان التي أيدها البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير ليست أرضية صالحة للحوار إلا إذا أدخلت عليها تعديلات. لكنه اعتبر أن في الوثيقة ايجابيات وهناك فارق لا بأس به عن بيان مجلس المطارنة الموارنة الذي صدر في أيلول سبتمبر من العام الماضي وعن لهجة التيار العوني مثلاً. يجمع حلفاء سورية على عبارة واحدة هي إخراج موضوع الوجود العسكري السوري من التداول، ألا يقفل هذا الموقف الباب على الحوار في شكل مسبق؟ - هناك إشكال واضح في قضية التعامل مع وجود القوات العربية السورية في لبنان، وهناك التباس واضح أيضاً بالنسبة الى ما ينسب الى حلفاء سورية. وأعتقد أنه تعبير غير دقيق ليس في لبنان أعداء لسورية كي نقول أن هناك حلفاء، وفي كل الأحوال الالتباس قائم بسبب أن البعض يريد من طرح قضية الوجود العسكري السوري مدخلاً لحل قضايا داخلية يعتقد أن لسورية دوراً فيها في حين أن الذين يريدون إخراج هذا الموضوع من التدال يرتركزون على أن مسألة الوجود العسكري السوري هي مسألة علاقة بين لبنان وسورية أي بين دولتين تربط بينهما علاقات شبيهة بعلاقات أية دولتين في العالم مع إضافة ان بين لبنان وسورية اتفاقات ومعاهدات أقرتها المؤسسات الدستورية في البلدين وهي التي تحدد أشكال وأنماط هذه العلاقة بما فيها الوجود العسكري السوري في لبنان من حيث مهماته وأهدافه والحاجة إليه أو الاستغناء عنه. قرار الحكومة هذا تقرره الدولتان وخصوصاً الحكومة اللبنانية التي هي وحدها القادرة على تقدير هذه الحاجة أو انتفائها. وأن بحث هذا الموضوع في غير مكانه الطبيعي والقانوني والدستوري يعتبر نوعاً من التحريض والانقسام والخروج على الشرعية اللبنانية وسيؤدي ذلك الى ما لا يريده أحد من اللبنانيين. وهو في شكل أو بآخر محاولة لتشويه هذا الوجود الذي كان وما زال عاملاً مساعداً للدولة اللبنانية ولحفظ الأمن والاستقرار وليس من حق أحد غير الحكومة اللبنانية التعاطي في هذا الشأن. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الوجود العسكري السوري إضافة الى مهمته في مساعدة الدولة اللبنانية في حفظ الأمن والنظام له وظيفة أخرى تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي وبالتهديدات التي دأبت إسرائيل على توجيهها لكل من لبنان وسورية، وأن كلاً منهما في حاجة ماسة وحقيقية لهذا الوجود من أجل أمن البلدين وسيادة كل منهما إزاء مخاطر العدوان الإسرائيلي وتهديداته المستمرة. لكل هذه الأسباب فإن الذين يطالبون بسحب هذا الموضوع من التداول لا يريدون اطلاقاً قفل باب الحوار، بل العكس هو الصحيح فإن سحبه من التداول سيجعل الحوار بناء ويحقق الأهداف المرجوة منه، وهنا أريد ان أذكر بأن الرئيس بشار الأسد منذ تسلمه السلطة وهو يشجع اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية على الحوار فيما بينها وهو من أجل ذلك استقبل العشرات من القادة السياسيين وقادة الرأي في لبنان لحثهم وتشجيعهم على الحوار الإيجابي في ما بينهم. أما الحوار مع سورية فهو شأن من شؤون الدولة اللبنانية حصراً من خلال مؤسساتها الدستورية من خلال التقاليد والعلاقات القائمة بين دول العالم كافة. صدرت ردود فعل عنيفة من حلفاء سورية ضد وثيقة قرنة شهوان ما يوحي ان الحوار مع الشخصيات الموقعة عليها لن يحصل. كيف يمكن تنفيس الاحتقان إذاً بعد أن هدأت الحملات السياسية نسبياً؟ - وثيقة قرنة شهوان وثيقة سياسية تحمل أفكاراً ووجهات نظر في الكثير من المسائل والقضايا المطروحة وهي ليست مسلمة يجب على الجميع تأييدها واعتبارها حلاً سحرياً للمشكلات السياسية والاقتصادية التي تتناولها هذه الوثيقة، وبالتالي من حق كل القوى السياسية إبداء رأيها سلباً أو إيجاباً حولها، ولا أعتقد أن واضعيها كان في تقديرهم أن جميع القوى السياسية ستؤيد الوثيقة التي تعبر عن رؤيتهم للمشكلات والحلول لها. وفي هذا السياق صدرت ردود مختلفة وهذا امر طبيعي وبديهي إلا إذا كان أقطاب "قرنة شهوان" يريدون البصم والموافقة على ما يقولون ويكتبون. ومن خلال معرفتنا ببعضهم أعتقد أنهم يتفهمون الردود التي صدرت ويتفهمون ان ما كتبوه وأعلنوه هو رأي لمجموعة من الذين يتعاطون الشأن العام وهو بالتالي ليس رأي جميع اللبنانيين وليس من واجب القوى السياسية الأخرى الموافقة على آرائهم لأنهم هم أنفسهم لا يوافقون الآخرين على آرائهم. وإذا كان المقصود من هذه الوثيقة هو الحوار فالحوار ليس مصادقة على رأي الآخرين، وإلا أصبح الأمر إملاء ولا أعتقد أن بعضهم يقبل بمبدأ الإملاء. أقول هذا كي أجيب على ما ورد في السؤال أن إبداء رأي مخالف لا يعني إطلاقاً أن الحوار لن يحصل بل العكس صحيح. ما دام هناك رأي آخر يعني ان هناك حوار قائم. أما إذا كان المقصود بالحوار حول كل ما ورد في الوثيقة فإن هناك قسماً كبيراً ولا أقول أكثرية، ترفض مبدأ الحوار حول موضوع الوجود العسكري السوري وإعادة الانتشار ليس لسبب إلا لأنه من اختصاص المؤسسات الدستورية في لبنان وسورية حصراً. أما القضايا الأخرى فيمكن الحوار في شأنها بعد التفاهم على المسائل المطروحة في إطار جدول أعمال واضح ويتناول عدداً آخر من القضايا العالقة والتي حولها وجهات نظر متباينة لم تلحظها الوثيقة مثل موضوع إلغاء الطائفية السياسية وغيرها، على أن يكون هذا الحوار حواراً وطنياً مسؤولاً تشارك فيه كل الأطراف والقوى الساسية اللبنانية التي تعلن أو أعلنت اعترافها بالسلطة الشرعية القائمة وباتفاق الطائف بجميع بنوده وتوجهاته، وأن يكون الحوار في إطار الشرعية اللبنانية وبرعاية رئيس الجمهورية والمؤسسات الدستورية القائمة. وهذا المسار يؤدي وحده الى تنفيس الاحتقان السياسي ويوقف الحملات السياسية. بعض الانتقادات رأى أن الوجوه نفسها من القيادات المسيحية التي كانت إبان الحرب موجودة في لقاء قرنة شهوان. ما رأيك؟ - لا أعتقد أن الانتقادات التي وجهت كانت تستهدف اشخاصاً بأسمائهم، إنما كانت تستهدف مشاركين لهم مواقف سياسية هي نفسها المواقف التي خاضوا الحرب على أساسها. وهؤلاء هم الذين شاركوا في الاجتماعات وأعتقد ان مشاركتهم حجمت كثيراً من الإيجابيات التي كان من الممكن صدورها. ولمشاركتهم أدخلت في الوثيقة سلبيات ذكَّرت بتاريخهم الذين لم يتراجعوا عنه حتى الآن. وفي النهاية رفضوا التوقيع على الوثيقة بعد أن أوقعوا الآخرين والوثيقة بعدد من السلبيات. وأقول لأقطاب قرنة شهوان ان تغليب الإيجابيات على السلبيات أساس في فن الحوار والتقدم في اتجاه الأهداف المرجوة وأنه إذا ما أعيد البحث مرة اخرى في هذه الوثيقة من قبلهم على ضوء الردود التي صدرت وبعيداً من المتشنجين والرافضين للشرعية وللطائف يمكن ان تخطو هذه المجموعة خطوات نحو حوار وطني لمصلحة لبنان وشعبه. زيارة سورية هل أن امتناع البطريرك نصر الله صفير عن الذهاب الى سورية اثناء زيارة البابا سيعيق امكانات الانفتاح عليه أو محاورته؟ - ليست هناك أي علاقة بين امتناع البطريرك نصر الله صفير عن الذهاب الى سورية اثناء زيارة البابا وبين الانفتاح عليه ومحاورته. فامتناعه عن الذهاب قرار يعنيه وحده ولا يشكل تحدياً لأحد وهو أخذ قراره بمحض إرادته. أما عن الحوار معه أو الانفتاح عليه فالبطريرك رئيس للكنيسة المارونية التي نحترم ونقدر. وهو كما غيره من رؤساء الطوائف الأخرى المسيحية والإسلامية الذين يجب التعاطي معهما بإيجابية في ما يتعلق بمهماتهما الأساسية ودورهما في طوائفهما. وأعتقد أن رئيس الجمهورية يقوم بدور مهم في هذا المجال تجاه البطريرك نصر الله صفير وتجاه جميع رؤساء الطوائف الأخرى. ألا تعتبر وثيقة قرنة شهوان تراجعاً عن البيانات التصعيدية السابقة مثل بيان المطارنة والمطالبة بقرار 520 ولهجة التيار العوني.... - لا أعتبر أنها تشكل تراجعاً عن البيانات التصعيدية السابقة. ذلك لأن واضعي هذه الوثيقة لم يصدروا أية بيانات سابقة وهذه الوثيقة هي باكورة إنتاجهم الأول. ولكن في مقارنة للخطاب السياسي لهذه الوثيقة مع الخطاب السياسي لبيان المطارنة ولهجة التيار العوني هناك فارق لا بأس به. ولا شك في أن في الوثيقة إيجابيات تجاه الموقف من إسرائيل واعتبارها عدواً للبنان كما هي عدو للعرب. وفيها أيضاً رد على ما ورد في بيان المطارنة لجهة تحميل إسرائيل مسؤولية تدمير الاقتصاد اللبناني وبناه التحتية. إلا أن مشاركة التيار العوني في تلك الاجتماعات حد كثيراً من إمكان وصول هذه الوثيقة الى مزيد من الإيجابيات، وفي نفس الوقت فالوثيقة فيها من السلبيات التي ورد ذكرها في الأجوبة السابقة لجهة موضوع التواجد العسكري السوري وإعادة الانتشار ولتجاهلها موضوع إلغاء الطائفية السياسية. ولذلك لا يمكن اعتبار الوثيقة أرضية صالحة للحوار إلا إذا جرى تعديل على بعض البنود وأضيفت بنود أخرى.