اذا كانت الصورة النمطية التقليدية رسمت الرجل السعودي في شكل الزوج المتسلط، والمرأة السعودية في شكل الزوجة المستسلمة فان الابحاث الاجتماعية والعلمية ترى صورة مغايرة تماماً لهذه الصورة التقليدية. هذا ما تؤكده رئيسة الاختصاصيات الاجتماعيات في المركز الخيري للارشاد الاجتماعي والاستشارات الاسرية نورة الصويان في حديثها ل"الحياة" حول رسالتها التي حصلت بها على درجة الماجستير من كلية الآداب جامعة الملك سعود حول "اثر عمل الزوجة على المشاركة في القرارات الاسرية". وتقول نورة الصويان ان نتائج الرسالة انصفت الزوجة والزوج معاً وجاءت نتائجها لتغيّر الصورة النمطية عن الرجل السعودي والمرأة السعودية، اذ كشفت عن مدى التفاهم الكبير بين الزوج وزوجته وحرصه على استشارتها، بل اصرار الزوجة السعودية على ان يكون لها رأي في كل ما يخص اسرتها. وتعزو الصويان ذلك الى دخول المرأة السعودية سوق العمل والمشاركة في الانتاج ما اضاف آثاراً ايجابية على وضعها الاجتماعي، وتغيّر النظرة اليها جزئياً ما اضاف دوراً جديداً الى ادوارها السابقة، ونظراً الى اسهام المرأة على صعيد الجهد المبذول او المردود الاقتصادي لعملها فكان من المنطقي ان تسهم بقسط اكبر من المشاركة في القرارات الاسرية، باعتبارها اصبحت تتحمل اعباء كثيرة لمصلحة الأسرة، الامر الذي يبرر مشاركتها في القرارات الاسرية في المجالات المختلفة بما يتوازى مع الاعباء التي تتحملها الأسرة. وتقول الصويان ان هدف الرسالة كان معرفة مدى مشاركة الزوجة العاملة في اتخاذ القرارات الاسرية؟ وما هي المجالات التي تشارك الزوجة في اتخاذ قراراتها اكثر من المجالات الأخرى؟ وما هي المتغيرات التي تقف وراء مشاركة الزوجة في اتخاذ القرارات الاسرية؟ هل هي المستوى التعليمي للزوجة؟ ام قطاع العمل الذي تعمل فيه؟ ام الدرجة الوظيفية او المستوى الوظيفي؟ ام الدخل من العمل؟ اضافة الى هذه المتغيرات هناك متغيرات وسيطة، تدعم او تقلص فاعلية المتغيرات السابقة وهي المكانة العائلية للزوجة، قدرة الزوجة على الانجاب وبخاصة الذكور، وعدد الابناء، هناك ايضاً المتغيرات الثقافية التعرّض لوسائل الاتصال وانعكاس تأثيرها على شخصية الزوجة وقدرتها على المشاركة في اتخاذ القرارات الاسرية وتتدعم هذه المشاركة بدرجة أعلى اذا كانت المرأة عاملة؟ ام كل هذه المؤثرات مجتمعة؟ وعن نتائج الدراسة تقول الصويان ان 35.8 في المئة من الزوجات يتم اخذ موافقتهن عند شراء سلعة معينة، وكلما ارتفع سن الزوجة ازدادت نسبة اخذ الازواج موافقتهن، اذ يلاحظ ان الزوجات في سن 31-35 بلغت نسبة موافقتهن دائماً عند شراء سلعة نحو 38.1 في المئة، في حين يتم اخذ موافقة 41.9 في المئة من الزوجات في سن 36-40 سنة، ويرجع ذلك الى ان تقدم الزوجة في العمر دلالة على نضج شخصيتها وزيادة خبرتها. واشارت الدراسة الى ان اتخاذ قرار بعدد الابناء يؤخذ من قبل الزوج بنسبة 8.4 في المئة ، والزوجة بنسبة 6.8 في المئة فيما اكدت 81.8 في المئة ان القرار يعود للزوج والزوجة معاً، ما يشير الى تغيّر طبيعة العلاقة نتيجة التغيرات السريعة التي شهدها المجتمع السعودي الناتجة من الطفرة الاقتصادية التي ادت الى ظهور قيم واتجاهات جديدة مواكبة لهذه التغيرات، ما جعل العلاقة بين الزوجين مشاركة وسلطة مشتركة بعدما كانت سلطة الزوج مطلقة في اتخاذ القرارات الاسرية ومنها عدد الابناء. وفي ما يخص طاعة الزوجة لزوجها في القرارات الاسرية اكدت الدراسة ان 9.3 في المئة من الزوجات تطيع دائماً، و1.3 تصر على وجهة نظرها فيما اجابت نسبة 60.5 في المئة انها تتشاور معه وتحاول اقناعه بوجهة نظرها، و29.6 تطيعه في الامور التي تقتنع بها. وفيما تصر 28.6 من الزوجات على ضرورة المشاركة في اتخاذ القرارات الاسرية، تحاول 67 في المئة اقناع الزوج، وتستعين 1.3 في المئة من الزوجات بالاقرب للضغط عليه. وكشفت الدراسة انه كلما زاد عدد الاطفال كلما شكل ذلك نقطة ضعف عند الزوجة اذا تزوج زوجها باخرى اذ تضطر الى الرضى بالامر الواقع، فقد بلغت نسبة من ترضى بالامر الواقع ولديها خمسة اطفال 41.9 في المئة وارتفعت هذه النسبة الى 71 في المئة لمن لديها سبعة اطفال وإلى 26.1 في المئة لمن لديها طفلان. كما كشفت الدراسة ان نسبة من يطلبن الطلاق بسبب زواج الزوج باخرى ولديهن طفلان 55.9 في المئة فيما انخفضت النسبة الى 12.9 لمن لديهن سبعة اطفال ، و37.2 في المئة لمن لديهن خمسة اطفال. واوضحت الدراسة ان 69.6 في المئة من الازواج يوافقون على عمل زوجاتهم خارج المنزل فيما يرفض 2.1 في المئة ، ويوافق 27.9 في المئة بصعوبة، ويرتبط ذلك بمستوى تعليم الزوجة، فبارتفاع المستوى ترتفع نسبة الموافقة لانها تستطيع التعامل مع الزوج ومع مشكلات الابناء ومشكلات الحياة بطريقة تمكنها من التغلب على هذه المشكلات، فضلاً عن ان المستوى التعليمي للزوجة يحدد طبيعة العمل الذي تلتحق به، وبالتالي يتحدد الحصول على دخل اقتصادي ملائم لطبيعة العمل الذي تمارسه ما يزيد مساهمتها في دخل الاسرة، فبالنسبة الى الزوجات في مستوى التعليم الابتدائي بلغت موافقة الازواج على عملهن خارج المنزل بنسبة 60 في المئة، و14.9 في المئة للتعليم المتوسط ، و63.2 في المئة للتعليم الثانوي، فيما ارتفعت النسبة الى 77.8 في المئة للحاصلات على تعليم جامعي. واكدت الدراسة عدم وجود علاقة بين مستوى تعليم المرأة وموقف الزوج من مشاركتها في تنظيم النسل، وتعزو الباحثة ذلك الى وجود مؤثرات اخرى اقوى على مشاركة الزوجة في اتخاذ القرارات الاسرية، اضافة الى دور القيم والعادات والتقاليد في تشكيل نمط العلاقة عموماً بين الزوج والزوجة، وهذا الدور من الممكن ان يكون له تأثيره الاقوى من تأثير المؤسسات الحديثة كالتعليم، بخاصة ان السياسة التعليمية في السعودية تدعم بعض العادات والتقاليد المجتمعية حتى في ظل عدم مسايرتها احياناً للتغيرات الجديدة، وقد يكون لمتغيرات اخرى تأثيرها في شكل اقوى من تأثير المستوى التعليمي للزوجة كمكانة الزوجة العائلية، ومقدار دخلها، ومستوى تعليمها. ولاحظت الباحثة ان 33.8 في المئة من الازواج وافقوا على عمل زوجاتهم لزيادة دخل الاسرة، وان 24.2 في المئة بسبب انها تعلمت والمفروض ان تعمل، فيما وافق 22.6 في المئة من الازواج على عمل الزوجة بسبب وجود وقت فراغ لديها. تقول الصويان ان هذا يؤكد ان عمل الزوجة اصبح ضرورة ملحة لزيادة دخل الاسرة، لذلك فمن المتوقع ان يتغاضى الزوج عن المشكلات او التقصير الذي ينتج عن عمل الزوجة لقاء مساهمتها في دخل الاسرة، بخاصة اذا كان مستوى الاسرة الاقتصادي متوسطاً او متدنياً. وفي ما يخص اسباب عدم موافقة الزوج على عمل زوجته اشارت الدراسة ان 5 في المئة من الازواج يقولون لأن العمل يكون على حساب الاسرة، فيما رأى واحد في المئة ان المرأة مكانها المنزل، ومثلهم يرون ان العمل يؤدي الى الاختلاط. وترى 37.1 في المئة من الزوجات انهن يلجأن الى العمل لتحسين مستوى معيشة الاسرة، و 18.8 في المئة لتحقيق الذات، و16.1 في المئة لانهن تعلمن ويجب ان يعملن، و 3.1 لتأمين مستقبلهن. واثبتت الدراسة ان المشكلات بين الزوج والزوجة غير العاملة اكثر من المشكلات بين الزوج والزوجة العاملة، فتشير الاحصاءات ان 29.5 في المئة من العاملات لديهن خلافات مع الزوج فيما تتزايد النسبة بين غير العاملات الى 70.5 في المئة ما يؤكد حاجة الاسرة لدخل الزوجة ما يجعله يتغاضى عن تقصير زوجته العاملة في بعض شؤون الاسرة سواء بالنسبة الى المنزل او بالنسبة الى الاهتمام بالابناء والزوج في مقابل مساهمتها في دخل الاسرة، اذ تشير الاحصاءات. ولفتت الدراسة الى ان ازواج العاملات في القطاع الحكومي بيدهم اتخاذ القرار بعدد الابناء اكثر من ازواج العاملات في القطاع الخاص، ويرجع ذلك الى طبيعة ظروف العاملات في القطاعات الحكومية، اذ ان ظروف عملهن اسهل بكثير من ظروف العاملات في القطاع الخاص. وكشفت الدراسة ان الممرضة السعودية اعلى نسبة بين المهن الاخرى التي يحرص الزوج على استشارتها باستمرار بنسبة مئة في المئة يليها الطبيبة بنسبة 66.7 في المئة ثم الادارية بنسبة 42.6 في المئة، والمعلمة بنسبة 38.6 في المئة، ما يؤكد على تغير مكانة المرأة في المجتمع وتغير النظرة اليها. فالعلاقات الزوجية سابقاً كانت تتميز بنمط معين يتضح فيه اختلاف ادوار وواجبات الزوجين، ونتيجة للتغيرات الجديدة تأثر دور كل من الزوج والزوجة وضعفت اهمية تقسيم العمل بينهما، فاندثرت العلاقة القائمة على التسلط والتفرد بالرأي من قبل الزوج كما كان سائداً من قبل. واكدت 50.6 في المئة من الزوجات على ان عمل المرأة يؤدي الى زيادة التفاهم بين الزوجين ما يؤكد ان العمل بالنسبة الى المرأة ادى الى ظهور قيم جديدة يتعلق بعضها بعلاقة المرأة بالرجل في المنزل او خارج المنزل. وعن انفاق الزوجة لدخلها تقول الصويان ان الدراسة اثبتت ان 70.4 في المئة من الزوجات ينفقن دخلهن بالمساهمة في الانفاق على الاسرة، و66.8 على احتياجاتهن الشخصية و3.4 في المئة يسلمن الدخل للزوج و23.9 في المئة يدخرن الدخل و47.5 في المئة للانفاق على الابناء. وهذه الارقام كما تقول الصويان تشير الى ان عمل المرأة يشكل مطلباً واحتياجاً لها بالدرجة الاولى، ويساعد على استقرار الحياة الزوجية والاسرية باعتبار ان دخل الزوجة يساهم في رفع المستوى المعيشي للاسرة، اذ يشعر الزوج ان الزوجة تشاركة اعباء الاسرة. وتخلص الصويان الى ان عمل الزوجة لم يكن على حساب اهتمامها بادوارها الرئيسة كزوجة وأم، وبالتالي ليس هناك علاقة بين عمل الزوجة وحدوث مشكلات في الاسرة اذ اشارت نسبة 42.1 في المئة من الزوجات بذلك. وتقول ايضاً ان الدراسة اكدت ان الزوج يساعد زوجته في بعض المسؤوليات الاسرية بنسبة 77.4 في المئة ما يشير الى تغير طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما ان الزوجة السعودية نتيجة لارتفاع مستواها التعليمي ودخولها ميدان العمل اصبحت ترفض فكرة تعدد الزوجات وازداد احساسها بقدراتها وذاتها وشخصيتها وقالت 14 في المئة من الزوجات انهن يطلبن الطلاق اذا تزوج الزوج بأخرى.