اعتبر بعض الأوساط السياسية والرسمية ان العلاقات اللبنانية - السورية بدأت مرحلة جديدة تفترض قراءتها جيداً من خلال التوقف امام المحصلة الإيجابية لإعادة انتشار الجيش السوري في لبنان. ورأت هذه الأوساط ان الخطوة ستحدث فرزاً سياسياً وأن بعض القوى قد يواجه موقفاً حرجاً إذا لم ينظر اليها بإيجابية خصوصاً أن الكرة السياسية ارتدت الى مرماها. يأتي بدء إعادة انتشار الجيش السوري في بيروت وجبل لبنان، استكمالاً لما كان بدأه هذا الجيش في نيسان ابريل 2000 وتوقف قبيل اجراء الانتخابات النيابية في الصيف من العام نفسه، وتردد في حينها ان توقفه يعود الى سوء الفهم السياسي لمثل هذه الخطوة الكبيرة وتعاطي البعض معها من زاوية استضعاف سورية في لبنان. ففي العام الماضي اتفق بين القيادتين السياسيتين اللبنانية والسورية على إعادة الانتشار وبوشر تنفيذه من خلال خطة وضعت من جانب القيادتين العسكريتين لكنها توقفت ليس بسبب اقترابها من موعد اجراء الانتخابات النيابية، لمنع استغلالها، وإنما لقراءة البعض الآخر الخطوة، مع رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد بأنها تنم عن ضعف في الموقف السوري لا بد من توظيفه على طريق المطالبة بخروج الجيش السوري تنفيذاً للقرار الدولي الرقم 520. وتزامن قرار تجميد إعادة الانتشار مع انسحاب إسرائيل من لبنان، مع اعتقاد المعارضين للوجود السوري ان في مقدورهم تحقيق انتصار سياسي على سورية في موازاة الانتصار الذي تحقق بتراجع الخيار الإسرائيلي في لبنان. ولاستكمال الخطوة بقرار من قبل القيادة السورية، والتي نسِّق في شأنها بين الرئيسين السوري الدكتور بشار الأسد واللبناني اميل لحود، فإن لها مدلولاً سياسياً هو أن دمشق لا تقدم على أي خطوة إلا من خلال التعاطي المباشر بين الدولتين، ولا تحبذ ان تعطي لهذا الطرف أو ذاك، إضافة الى أن استكمالها يأتي عن قناعة سياسية ويتم في سياق التقويم المشترك للوضع الأمني في لبنان، على قاعدة الارتياح السوري لقدرة القوى الأمنية اللبنانية على حفظ الأمن وتثبيت الاستقرار. ويسود الاعتقاد في الأوساط اللبنانية ان لتوقيت الخطوة اهدافها المنظورة، ونتائجها المحسوبة، إضافة الى أنها جاءت في غياب الحديث عن إعادة الانتشار، وكرد ايجابي على أهمية الزيارة التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني في ايار الماضي الى سورية. وتتعاطى الأوساط السياسية مع إعادة الانتشار على أنها مبادرة جيدة ومهمة يجب التعامل معها بكثير من الهدوء والجدية، بعيداً من الاستقواء لضمان تثميرها في تحقيق مزيد من الانفراج في العلاقات اللبنانية - السورية. كما انها تشكل اختباراً للقوى المعارضة لسورية، او للتجمعات التي نشأت أخيراً وتحديداً قرنة شهوان والمنبر الديموقراطي التي توافقت على المطالبة بإعادة الانتشار، إذ ان القوى المذكورة ستجد نفسها امام خيارات سياسية جديدة لا سيما في حال اعتبار البعض أنها ناقصة أو جاءت تحت شدة الضغط السياسي. وقالت مصادر رسمية رفيعة ل"الحياة" ان "من يعتقد بأن الخطوة جاءت نتيجة لعقد صفقة، يكون طرفها الآخر بعض القوى السياسية فهو خاطئ فدمشق أرادت ان تُعلم من يهمه الأمر أنها لا تعطي إلا الدولة، وتحرص على توفير كل اشكال الدعم لها". وتعتبر الأوساط السياسية أن إعادة الانتشار ستسهم في تنفيس الاحتقان السياسي وخلق المناخ الذي يعزز الحوار بين الدولة والأطراف الداخلية، لصوغ تصور للعلاقات اللبنانية - السورية يزيل الخلل منها، بعد ان كان الرئيس الأسد اول من أشار اليه صراحة في خطاب القسم عند تسلمه مهماته الدستورية. وتؤكد الأوساط نفسها أيضاً أن الخطوة تأتي قبل فترة وجيزة من مجموعة من المحطات السياسية أكانت لبنانية أو سورية وفي مقدمها: - استعداد الرئيس السوري لزيارة فرنسا وألمانيا في الأسبوع الأخير من هذا الشهر وما ستتركه الخطوة من آثار ايجابية على المحادثات التي سيجريها. - استعداد لبنان الرسمي لاستضافة القمة الفرنكوفونية في تشرين الأول اكتوبر المقبل ومن ثم القمة العربية الدورية في آذار مارس من العام المقبل. - توقيتها مع بدء فصل الصيف والتحضيرات الجارية لعقد مؤتمر باريس -2- المخصص لمساعدة لبنان للنهوض من مشكلاته الاقتصادية والمالية، فضلاً عن انها تسهم في خلق المزيد من المناخ الذي يشجع على الاستثمارات. - سحب مسألة الوجود السوري من التداول على المستويين المحلي والخارجي، وتوجيه اشارة جدية تتعلق باستعداد سورية الالتزام بالاتفاقات المعقودة مع لبنان وعدم رغبتها في البقاء، خلافاً لما يشيعه البعض من الذين يشككون بتنفيذها.