أخطأ الرئيس العراقي صدام حسين مجدداً في حساباته عندما قرر ابتداء من الشهر الحالي وقف صادراته النفطية الى أن ترفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده، واحتجاجاً على تعديل القرار 986 الخاص ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" لتطبيق نظام العقوبات الذكية. ولا يعني وقف الصادرات النفطية سوى ان طرفاً آخر غير العراق، من الدول المنتجة للنفط، سيأخذ حصته من السوق. وإذا كان العراق يسعى للتأثير في السوق الأميركية حيث يبيع 40 في المئة من صادراته، فهذا أيضاً ينطوي على سوء تقدير، كون الولاياتالمتحدة تدرك ان دولاً منتجة صديقة في "اوبك" وخارجها، مثل السعودية والمكسيك، لديها ما يكفي من طاقة انتاجية للحؤول دون أي أزمة نفطية وضمان استقرار السوق النفطية العالمية. وبقراره هذا يحرم العراق نفسه من عائدات أكثر من مليوني برميل من النفط في اليوم، يعود جزء من قيمتها الى النظام العراقي كونه فرض على الوسطاء الذين يشترون نفطه 25 سنتاً اضافية عن كل برميل، خارج حساب الأممالمتحدة. وإذ نقل بعض زوار الرئيس العراقي عنه أنه مقتنع بأن نظام العقوبات سيتآكل ويسقط من تلقاء نفسه، فهذا أيضاً خطأ، لأن "العقوبات الذكية" التي تبلورها الدول الأعضاء في مجلس الأمن تهدف فعلاً الى رفع المعاناة عن الشعب العراقي والتضييق على تحركات النظام نفسه. والعالم بأسره، بما فيه كبار المسؤولين الأميركيين، مقتنع بأن نظام العقوبات، كما هو عليه الآن، يشكل عقاباً غير مبرر للشعب العراقي فيما النظام العراقي قادر على الالتفاف عليها. اما العقوبات الجديدة، إذا طبقت فعلاً باتجاه التخفيف من المعاناة، فإنها ستنعكس مباشرة على النظام وعائداته التي ستكون موضع مراقبة شديدة في اطار النظام الجديد. بات معروفاً ان الحلقة الضعيفة في اطار "العقوبات الذكية" تكمن في امكان اقناع الدول المجاورة للعراق بوقف تجارتها النفطية معه. فما هي التعويضات التي ستقدم للأردن، مثلاً، لاقناعه بوقف استيراد حوالى 80 ألف برميل في اليوم من النفط العراقي؟ صحيح ان الأردن هو البلد العربي الوحيد المرتبط باتفاقية تجارة حرة مع الولاياتالمتحدة، لكن هذا لا يعني ان من السهل أن يستغني عن تجارة حيوية وأساسية مع العراق. وبالنسبة الى سورية التي قد تصل عائداتها عبر استيراد حوالى 100 ألف برميل من النفط في اليوم عبر الخط العراقي - السوري، الى بليون دولار في نهاية السنة، فمن سيعوضها هذا الدخل الأساسي لاقتصادها؟ وكيف ستعوض لتركيا عما ستخسره في حال وقف تجارتها النفطية مع العراق؟ على رغم ان الولاياتالمتحدة تأخرت في الاقتناع بأن العقوبات السابقة عاقبت الشعب قبل النظام في العراق، وعلى رغم الانتقادات التي انهالت على النظام الجديد المقترح للعقوبات إلا أنه، رغم ثغراته، يمكن أن يكون "أذكى" إذا استطاع خصوصاً تخفيف معاناة الشعب. ولهذا السبب فإن الرئيس العراقي يرفضه بشدة.