أطلق المؤرخون تسميات مختلفة على المسلمين في إسبانيا، سواء الذين فتحوها أو الذين عاشوا فيها أو الذين اعتنقوا الإسلام من الإسبان أو الذين تبنوا بعض العادات والتقاليد الإسلامية. وكانت التسميات منسجمة مع الأدوار التي لعبوها أو التغيرات التي طرأت على أحوالهم. الفاتحون "المسلمون الفاتحون" كانت أولى التسميات التي أُطلقت على المسلمين في إسبانيا، وشملت هذه التسمية كل المسلمين الذين فتحوا شبه الجزيرة الايبيرية إسبانيا والبرتغال حالياً سنة 92ه 711م سواء كانوا من البربر Los Bereberes الذين حضروا من المغرب مع القائد العسكري طارق بن زياد، وكان عددهم سبعة آلاف جندي، أو من العرب الذين حضروا من المشرق العربي ودخلوا شبه الجزيرة الإيبيرية سنة 712م بقيادة موسى بن نصير لمساعدة الفاتحين الأوائل ومتابعة تقدمهم في الأراضي الإيبيرية. وهؤلاء سقطت على أيديهم مدن إسبانيا، باستثناء بعض المناطق الواقعة شمال إسبانيا، إضافة الى بعض الأراضي الفرنسية حتى بواتييه حيث أوقف تقدمهم تشارل مارتل سنة 732م في وقعة بلاط الشهداء التي خسرها المسلمون واستشهد فيها المجاهد الكبير عبدالرحمن الغافقي. وبعد مرور خمسين عاماً على الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية، تبعت تلك البلاد الى الأمويين وكانت عاصمتهم دمشق، ومن ثم الى العباسيين وكانت عاصمتهم بغداد، وبعد ذلك تحقق الاستقلال الكامل للحكم الإسلامي في الأندلس في عهد الأموي عبدالرحمن الأول الداخل الذي أنقذ حياته من الحكم العباسي وسافر الى الأندلس ورسخ حكماً وطيداً في مدينة قرطبة التي اصبحت عاصمة إمارته في الأندلس قاطبة وكان أول مشاريعه المعمارية هو بناء جامع قرطبة الذي استوحى فكرته من جامع بني أمية في دمشق. وبعد انتهاء فترة الإمارة سنة 929م تولى الحكم عبدالرحمن الثالث الناصر وبدأت معه فترة الخلافة التي دامت حتى وفاة عبدالملك ابن المنصور سنة 1031م وأدت وفاته الى تشتت الخلافة وظهور ممالك الطوائف الذين حكموا مناطق متفرقة من الأندلس. المرابطون شجع هذا التفرق في السلطة الإسلامية على لمّ شمل الجيوش الإسبانية في شمال إسبانيا حتى استطاع ملكهم ألفونسو السادس استرداد مدينة طليطلة من المسلمين سنة 1085م، وكان سقوطها ضربة قوية للمسلمين فاضطروا لطلب مساعدة من إخوانهم المرابطين Almoravides في المغرب. أُطلق اسم "المرابطين" على الأشخاص الذين التفوا حول العالم القيرواني الفقيه في الدين عبدالله بن ياسين الجذولي الذي أُرسل معهم لتعليمهم شريعة ربهم إذ أقام رباطاً وانقادوا له وكانت نقطة البداية في الدولة المرابطية - وقد لبوا الدعوة وهاجموا الإسبان في منطقة قرب بداخوس غرب إسبانيا وانتصروا عليهم سنة 1086م في معركة الزلاقة. وتشجع قائد المرابطين واستولى على الحكم الإسلامي في الأندلس بشكل كامل وبقي مسيطراً عليه حتى عام 1148م. الموحِّدون وبعد المرابطين، حكم الموحِّدون Almohades الأندلس، وأطلقت هذه الجماعة على نفسها هذا الاسم ودعت لتصحيح الفهم الإسلامي والعودة بالمسلمين الى القرآن الكريم والسنة النبوية بعد انصراف عدد من علماء المغرب بدراساتهم الى المبالغة بالفقه المذهبي وفروعه واستمروا في حكم الأندلس حتى سنة 1232م. وشيدوا في عاصمتهم إشبيلية الكثير من المعالم الحضارية أهمها الخيرالدا أو المئذنة التي بدأ ببنائها أبو يعقوب يوسف سنة 1172م، وتابع ابنه أبو يوسف يعقوب المنصور من بعده. وتُعتبر الآن من أعظم الآثار الإسلامية في الأندلس ورمز مدينة اشبيلية. وكان آخر صرح حضاري خلّفه الموحِّدون في إشبيلية هو برج الذهب الذي أُقيم لحراسة المدينة ومراقبة حركة الملاحة وللدفاع عنها من القشتاليين الذين سيطروا اخيراً على كثير من المواقع الأندلسية المهمة، وبدا تفوق قواتهم واضحاً نتيجة لاتحادهم المتين واتفاقهم على توجيه ضربة للحكم العربي في الأندلس. وأدى هذا الى بروز شخصيات إسلامية مهمة مثل ابن الأحمر الذي أُتيحت له الفرصة المناسبة، بعد وفاة منافسه ابن هود، لتشكيل مملكة غرناطة التي كانت تضمُّ غرناطة ومالقة وبعض المناطق الجنوبية في الأندلس. وأهم المعالم العمرانية التي بدأ ببنائها، هو قصر الحمراء العظيم الذي يُعتبر اهم أثر تركه العرب في إسبانيا والذي ما زال باقياً حتى الآن كتحفة تمجد دور العرب المسلمين وإبداعهم المعماري الباهر. الأسالمة والمُولَّدون أطلق المؤرخون اسم الأسالمة، أو المسالِمَة في بعض الأحيان، على أهالي سكان البلاد الأصليين الذين دخلوا الإسلام بعد ان وجدوا في المسلمين كرم الأخلاق وحسن المعاملة على عكس القوطيين الذين حكموا شبه الجزيرة الإيبيرية قرنين وبعض القرن قبل ان يفتحها العرب. كما كان يُطلق على أولاد الأسالمة اسم "المُولَّدون"، Los Muladies وقد عاش المسلمون والأسالمة إخواناً من دون اي تمييز. ومن بين هؤلاء المسالمة مهدي بن مسلم الذي تولى قضاء قرطبة أيام والي الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي، كما يقال إن أبا محمد علي بن أحمد بن سعيد بن سعيد حزم، العالم الموسوعي والكاتب المشهور هو من أصل مسيحي أو فارسي. الصقالبة أما الصقالبة Los Eslavos فقد برزت آراء مختلفة عن أصلهم، اكثرها رواجاً، تشير الى أنهم أشخاص ذوو بشرة بيضاء إذ كان يؤتى بهم من الدول الأوروبية، وخصوصاً من بلاد السلاف شرق أوروبا، سواء الذكور أو الإناث، وتكون نشأتهم مع عامة الشعب مع الاهتمام بالبارزين منهم لتربيتهم تربية توافق ميولهم، وتحسنت أحوالهم شيئاً فشيئاً. ففي البداية كانوا يعملون خدماً ثم ازداد عددهم في عهد عبدالرحمن الناصر وقاموا بوظائف حربية وإدارية في عهد المنصور بن ابي عامر كما برز منهم بعض المفكرين والأدباء ووصلوا الى درجة عالية من القيادة، فحكموا مملكة بلنسية في فترة الطوائف وبقوا في الحكم فترة من الزمن دامت حتى سنة 411ه 1021م. المُدجَّنون وبعد استرداد المسيحيين لبعض المناطق الواقعة في شمال شرقي شبه الجزيرة الإيبيرية وبالضبط اقليمي كاتولونيا وأراغون، ظهرت بعض المجموعات من المسلمين الذين لم يهاجروا بعد خسارة المسلمين لهذين الإقليمي، بل رضوا البقاء تحت السيطرة المسيحية وسُمّوا بالمدجَّنين Los Mudejares. وازداد عددهم ازدياداً واضحاً بعد سقوط مدينة طليطلة سنة 1085م وبلنسية سنة 1094م ومورسيا سنة 1266م. وبما ان السلطات الإسبانية لم تعاملهم بالإنصاف في أحوالهم ومعاملاتهم الإدارية، لقوا الكثير من العنف وسوء المعاملة من القشتاليين المسيحيين المقيمين في إقليم قشتالة ومُنعوا من التكلم باللغة العربية، فاضطروا للبحث عن لغة خاصة بهم، وكانت الخميادو Aljamiado التي استخدموا فيها الكلمات العربية وكتبوها بحروف إسبانية. كما شيدوا العمران وأبدعوا في الفنون ولا يزال حتى الآن الأثر الإسلامي واضحاً في الكنائس التي بُنيت في عهدهم كما لا تزال بعض فنونهم التقليدية معروضة في متاحف الآثار في مدريد وطليطلة وغرناطة وقرطبة. الموريسكيون وبعد سقوط غرناطة وانتهاء حكم المسلمين لإسبانيا سنة 1492م بقي كثير من المسلمين في الأندلس تحت حكم السلطات الإسبانية التي أجبرتهم على التنصر بعد أعوام قليلة من حكمهم لهم. وتحول العرب المسلمون الى مسيحيين كاثوليك، وسُمّوا بالموريسكيين Los Moriscos أو المسلمين الصغار أو العرب المتنصرين، وتابعوا استعمال لغة الخميادو التي كان يتداولها المدجَّنون واستمرت هذه اللغة حتى مطلع القرن الثامن عشر. وظهر أدب خاص بهم دعي بالأدب الموريسكي. ولم يهدأ بال الموريسكيين تجاه وضعهم الصعب في ظل حكومة المسيحيين التي نقضت بنود معاهدة تسليم غرناطة لإسبانيا والتي كانت تشمل 67 شرطاً تضمن الحياة العادية للمسلمين. فقاموا بتمردات ضد المسيحيين ومن أهمها تمرد الموريسكيين سنة 1500م في بلدة غواديس التي كانت جزءاً من مملكة بني نصر في غرناطة منذ سنة 1238م. وبقي الموريسكيون يقاومون ما يزيد على القرن دفاعاً عن وجودهم وعن عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية وأدى هذا الوضع الى ظهور محاكم التفتيش ضد كل من تبدو عليه أية صلة بالإسلام أو يُضبط حاملاً أية شارة من شاراته أو مؤدياً لشعائره أو ممارساً لعاداته. وعندما لم تستطع السلطات الإسبانية فرض ما تريده عليهم قررت التخلص منهم بعد إلحاح شديد من الكنيسة على رغم أنهم كانوا، من أفضل سكان تلك البلاد نشاطاً وأمانة، وصدر المرسوم الذي نصّ على نفيهم من أراضيها سنة 1609م بحجة التآمر على الحكم والاتصال مع عناصر من خارج البلاد فرُحِّلوا الى تونس والجزائر والمغرب وأسسوا قرى ومدناً أهمها قرية تستور. وبرز عدد من الموريسكيين اللامعين منهم على سبيل المثال الكاتب أحمد بن القاسم الفقيه بن الشيخ الحجري وكان يُعرف بالشهاب الحجري وكانت له اليد الطولى في الترجمة من العربية الى الإسبانية وبالعكس وأهم كتاب له هو "رحلة الشهاب الى لقاء الأحباب". الموروس أما الموروس Los Moros فهي جمع لكلمة مورو التي تعني العربي أو المسلم الذي أتى من المغرب وجاء هذا الاسم من اسم مراكش في المغرب. ومن الجدير ذكره هنا، ما يخطئ به كثير من الإسبان في استعمال هذا اللقب أو ما يعشش في أذهانهم من اعتقاد خاطئ إذ يطلقون لفظ مورو على كل عربي موجود في إسبانيا أو خارجها سواء كان من المغرب أو من دول الشرق حتى لو كان مسيحياً، ويستخدمون هذه التسمية للدلالة على شخص يقوم بعمل غير محبب عندهم، ولا ينادون به العربي وجهاً لوجه من دون معرفة درجة تقبله له. الموروس كورتادوس وفي ما يتعلق بالمسلمين الذين كانوا يشتغلون بالزراعة ورعاية الماشية وكانوا عبيداً لأصحابهم ولم يُسمح بتطبيق قانون الإبعاد عليهم لأنهم كانوا مُلكاً لأصحابهم، فلقبوا بالموروس كورتادوس Los Moros Cortados أو العرب المبتورين إن صحت الترجمة. وتابعت محاكم التفتيش مهماتها حتى القرن الثامن عشر، والذي كان بداية العكوف بشكل جزئي عن ملاحقة التظاهر بالإسلام أو التأييد له. وقام الأديب خوفياندس في تلك الفترة بانتقاد شديد لمرسوم إبعاد الموريسكيين واعتبره عملية سخيفة، ثم انضم إليه الكثير من الكُتّاب وواجهوا المتحفظين حول موضوع الموريسكيين حتى صدر القرار النهائي بإلغاء محاكم التفتيش عام 1235ه 1820م. المستعربون ومهما يكن من أمر المسلمين في إسبانيا فلم ينته أثرهم وفضلهم على الإسبان بعد خروجهم منها بل ما زالت بصماتهم في مجالات الحياة كافة شواهد أبدية على عظمتهم. وبرز كثير من المستعربين Los Mozarabes أو النصارى المعاصرين أو الأندلسيين المسيحيين، وغالبيتهم من المسيحيين الذين اختلطوا بالمجتمع الأندلسي وتبنوا بعض العادات الإسلامية وتعلموا اللغة العربية وظلوا في المناطق التي كان يحكمها العرب، وعاشوا في بيوت لها مخطط البيوت العربية. وكانت حركة الاستعراب الإسبانية أقدم أنواع الاستشراق في الغرب كنتيجة طبيعية لحكم المسلمين الطويل لإسبانيا منذ بداية القرن الثامن الميلادي، وكانت دراسات المستعربين الإسبان للمواضيع العربية أكثر عمقاً وتأثراً من دراسات المستشرقين الغربيين للعالمين العربي والإسلامي. كما شهد قرننا الحالي ظهور كثير من المستعربين الإسبان الذين سخّروا كثيراً من وقتهم لتعلم اللغة العربية لكي يُتاح لهم التعرف جيداً على حضارة العرب في إسبانيا وعلى تاريخ الإسلام وليكون اتصالهم بهم أشد صلة ومعلوماتهم أكثر دقة ويأتي في مقدمة المستعربين اميليو غارثيا غوميز، شيخ المستعربين الإسبان الذي لعب دوراً كبيراً في التعريف بالحضارة العربية الإسلامية في الأندلس من خلال أبحاثه ومحاضراته المتنوعة. المسلمون الذين حنّوا الى مجد أجدادهم على رغم ظهور بعض الجاليات والعائلات التي أصلها إسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلا أن دورها وعددها كان ضئيلاً. وفي بداية النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت تبرز سمعة إسبانيا كواحدة من أجمل بلاد العالم، لما تتمتع به من طقس لطيف وطبيعة خلابة وشواطئ جميلة وآثار معمارية عريقة، إضافة لما يتميز به شعبها من حسن المعاشرة وكرم الضيافة وسهولة المخالطة... وهذا ما شجع السياح والطلاب في كثير من دول العالم على زيارتها للدراسة أو للإقامة فيها وخصوصاً العرب والمسلمين الذين حنّوا الى بلاد أجدادهم وإلى فترة من تاريخهم المشرق، فقسم منهم الآن يعيش في مدريد العاصمة الإسبانية التي يعود الفضل في بنائها الى الأمير الأندلسي محمد بن عبدالرحمن بن الحكم، وقسم آخر يقيم في برشلونة ثانية المدن الإسبانية وأهمها اقتصادياً. اما القسم الأكبر فاستقر في المدن الأندلسية قرطبة وإشبيلية وغرناطة وبلنسية وماربيَّا، وبنوا فيها القصور والفيلات الفخمة وشيدوا المساجد والمراكز الإسلامية وشجعوا جمعية الصداقة العربية الإسبانية، كما عملوا على تشكيل النوادي العربية الإسبانية وجمعية الصحافيين، كل ذلك لزيادة روابط الجاليات العربية بأوطانها والإكثار من نشاطاتها في المناسبات الدينية والعربية ووضع الحلول المناسبة لأولاد الجاليات العربية الذين يعيشون في بيئة غربية مغايرة للبيئة العربية التي عاش فيها آباؤهم. وعند التكلم عن المسلمين في إسبانيا، يجب عدم نسيان المسلمين المقيمين في مدينتي سبته ومليلة المحتلتين من قبل الإسبان، ويشكلون نسبة جيدة من عدد المسلمين في كامل إسبانيا الذي يُقدر بحوالى 600 ألف مسلم، منهم 200 ألف شخص وُلدوا وهم يحملون الجنسية الإسبانية، أو لأبوين مسلمين، أو اعتنقوا الإسلام خلال السنوات العشرين الأخيرة لأسباب مختلفة، مثل البحث عن أصولهم الأندلسية، أو التعب من الدين الكاثوليكي، أو لأسباب مالية. هذا وتختلف اعمال المسلمين في إسبانيا بحسب وضعهم العلمي والاقتصادي، فبعضهم يعمل كرجال أعمال أو أطباء أو أصحاب مطاعم، بينما يعمل البعض الآخر، خصوصاً المسلمين المغاربة، بأعمال ذات مجهود عضلي نادراً ما يقوم بها الإسبان. ويواجه المسلمون في إسبانيا، نتيجة الظروف التي تمرّ بها تلك البلاد، مشكلات متنوعة، سواء لسوء تعامل بعض الإسبان معهم، وخصوصاً المتطرفين الذين يرون فيهم منافسين لهم ولأولادهم عند البحث عن عمل، أو لإهمالهم من قبل المجتمع الإسباني، أو لطبيعة حياتهم، وخصوصاً في ما يتعلق بالحجاب، أو دفن الموتى أو الطعام أو في ما يتعلق بأسمائهم وصعوبة لفظها من قبل الإسبان.