بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر    ترمب يوقع على أمر تنفيذي يفرض رسوم جمركية متبادلة    النفط يستقر قرب أعلى مستوى مع تأثر السوق بالرسوم الجمركية والعقوبات    شملت (١٠٦) مكرماََ *بيت الحمد التراثي يكرم رواد الحركة الرياضية في مركز نعام*    مرات تحتفل بعيد الفطر    «خضيراء بريدة».. أجواء من الفرح والأكلات الشعبية والألعاب التراثية    سبع فعاليات احتفالية في سكاكا    ضبط إثيوبي في جازان لتهريبه (155,400) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    المملكة توزّع 467 سلة غذائية في مدينة بيروت بلبنان    والد الإعلامي زبن بن عمير في ذمة. الله    تيسير المفرِّج ل"الرياض": هيئة العقار ترصد ما يُطرح في وسائل الاعلام ومنصات التواصل    الرياض تحتضن منتدى الاستثمار الرياضي 2025 الاثنين المقبل    الشباب مستاء من «الظلم التحكيمي الصارخ» أمام الاتحاد في كأس الملك    جناح مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في بولونيا يحظى بإشادة الزوار الإيطاليين والمبتعثين    المملكة تدين بأشد العبارات اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى    صقر فقد في الأسياح وعثر عليه في العراق    السفير الرقابي يقيم حفل استقبال ويشارك رئيس الجمهورية بصلاة عيد الفطر المبارك    الصحة العالمية: كل فرد مصاب بالتوحد هو حالة فريدة بذاته    فاطمة الفهرية التي أسست أقدم جامعة في العالم؟    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    رياح مثيرة للأتربة على 5 مناطق    خالد عبدالرحمن يشعل أولى حفلات العيد بالقصيم    مجمع الملك سلمان للغة العربية يُطلق برنامج "شهر اللغة العربية" في إسبانيا    المملكة ترحب بتوقيع طاجيكستان وقرغيزستان وأوزباكستان معاهدة الحدود المشتركة    عقد قران المهندس أحمد حسن نجمي على ابنة محمد حمدي    الخواجية يحتفلون بزواج المهندس طه خواجي    القادسية والرائد للبحث عن بطاقة التأهل الثانية    نواف بن فيصل يُعزّي أسرة الدهمش في وفاة الحكم الدولي إبراهيم الدهمش    ساكا يهز الشباك فور عودته من إصابة طويلة ويقود أرسنال للفوز على فولهام    رجال أعمال صبيا يسطرون قصص نجاح ملهمة في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد المحلي    مدرب الشباب ينتقد التحكيم عقب الخسارة أمام الاتحاد    العيد يعزز الصحة النفسية    الاتحاد يقلب الطاولة على الشباب ويتأهل لنهائي أغلى الكؤوس    8 دول في أوبك+ تجتمع الخميس وتوقعات ببدء خطة رفع الإنتاج    تجربة سعودية لدراسة صحة العيون في الفضاء    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جوارديولا يُعلن مدة غياب هالاند    وادي الدواسر تحتفي بالعيد السعيد وسط حضور جماهيري غفير    إصابة الكتف تنهي موسم «إبراهيم سيهيتش»    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    التجارة: 5 شوال دخول نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية الجديدين حيز التنفيذ    أكسيوس: ترمب سيزور السعودية مايو المقبل    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    أقصى الضغوط... ما قبل «التطبيع الشامل»    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    "أمانة الطائف" تنهي استعداداتها لعيد الفطر المبارك    جمع مهيب في صلاة عيد الفطر في مسجد قباء بالمدينة المنورة    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة تُنهي استعداداتها .    مختص ل «الرياض»: 7% يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي خلال الأعياد    محافظ الجبيل يستقبل المهنئين بالعيد ويزور المرضى المنومين    ترامب: لا أمزح بشأن سعيي لفترة رئاسية ثالثة    إنجاز إيماني فريد    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    العيد انطلاقة لا ختام    الرئيس عون: لبنان دخل مرحلة جديدة بعد عقود من العنف والحروب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش زيارة البابا: الصحافة الغربية تنهل من الجعبة ذاتها . تشويه صورة سورية يفرض قيام حملة مضادة معززة بالأرقام والمعلومات
نشر في الحياة يوم 10 - 06 - 2001

اظهرت تغطية الصحف البريطانية والاميركية زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الى دمشق مطلع أيار مايو الماضي مدى عمق "التصورات المسبقة" عن سورية التي تحتاج الى حملة من العلاقات العامة تقوم بها الحكومة.
وفي ظل عدم توافر المعلومات من الجانب السوري في مقابل غزارة من الجانب الاسرائىلي، تميل التغطية في الغالب الى عكس وجهة النظر الاسرائيلية. لذلك فان "فتح الحدود" امام مئات الصحافيين لتغطية زيارة البابا كان اختراقاً كبيراً في كيفية تعاطي المؤسسة الحكومية مع "ثورة الاتصالات" عبر التكيف وليس القطيعة معها. ولا شك في ان المقالات المكتوبة تعكس مدى الحاجة الى جهد مكثف معزز بتقديم المعلومات المقابلة والقيام بحملات منظمة وعدم الاكتفاء بالصمت تجاه الحملات الاسرائىلية المستندة الى مقدار كبير من الخبرة العملية والمعرفة النظرية لاصول التعاطي الاعلامي-الاتصالي مع الرأي العام الغربي بآليات منظمة وليس ب"نظام النزوات".
ويبدو فارق التعاطي واضحاً بالحملة المنظمة التي شنت على سورية بعد تصريحات الرئيس بشار الاسد الاخيرة التي بدأت في القمة العربية في آذار مارس عندما قال ان "المجتمع الاسرائىلي اكثر عنصرية من النازية" او لدى حديثه عن "معاناة السيد المسيح ومحاولة الغدر بالنبي محمد" بالتزامن مع حديثه عن "العدوان الاسرائىلي على الشعب الفلسطيني" من دون ذكر كلمتي "اليهود" و"اسرائىل" في نص خطابه.
وهناك اعتقاد سوري ان الحملة كانت ستشن بعد فشل المساعي الاسرائىلية لعدم قيام الحبر الأعظم بزيارة سورية كما حصل مع العراق العام الماضي، ول"السعي الى الاساءة الى سمعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين"، إضافة الى "الود الكبير" او "الكيمياء" بين الاسد والبابا.
واستخدمت الدولة العبرية ثلاث وسائل في حملتها، هي: اولاً، القنوات الديبلوماسية بقيامها بارسال رسائل الى عدد من الدول الاوروبية والى الامم المتحدة تتضمن تصريحات المسؤولين السوريين "المعادية للسامية". ثانياً، نشر اعلانات تجارية مدفوعة ضد سورية وتشويه تصريحات الرئيس الاسد. ثالثاً، تسريبات الى صحف اميركية وبريطانية مع شن حملة من التصريحات الصحافية بلسان كبار المسؤولين الاسرائىليين ضد حكم الاسد وبلاده...مع توجيه انتقادات ضمنية الى البابا ل"صمته" على كلام الرئيس السوري.
وكان الاسد قال في استقباله الحبر الاعظم :"كلنا يعرف الكثير عن معاناة وعذاب السيد المسيح على ايدي الذين وقفوا ضد المبادئ الالهية والانسانية والقيم التي نادى بها، وفي مقدمها المحبة والتسامح والمساواة بين البشر"، وذهب في فقرة اخرى من خطابه الى ان "هناك من يسعى دائماً لتكرار رحلة الآلام والعذاب مع كل الناس فنرى اخوتنا في فلسطين يقتلون ويعذبون ... ونراهم يعتدون على الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية في فلسطين فينتهكون حرمة المسجد الاقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد في بيت لحم. وهم يحاولون قتل كل مبادئ الديانات السماوية بالعقلية نفسها التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه وبالطريقة ذاتها التي حاولوا بها ان يغدروا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم".
وعلى رغم توقعه بعض النقد فإن الاسد لم يكن ليتجاوز ما يحصل في الاراضي الفلسطينية اذ انه "ناطق باسم الشعب العربي وليس الغربي لذلك لا بد له ان يحترمه، كما ان كسبه شعبية في الوسط العربي تلزم محاوريه الغربيين على التعامل معه كزعيم عربي". لذلك فإن الصيغة وضعت بديبلوماسية دقيقة ولم يذكر الاسد "اليهود" ووضع الكلام في صيغة المبنى للمجهول ذلك ان "الوثنيين والرومان عذبوا المسيح ايضاً وليس اليهود فحسب". لأنه يستطيع قصد اليهود حيث يعيش جزء منهم في سورية، لكن مع ذلك فإن الحملة عليه شوهت خطابه للتأثير في الرأي العام وتضمنت جملاً لم يقلها فعلاً.
اذ حجزت "اللجنة الاميركية اليهودية" صفحة كاملة في صحيفة "هيرالد تربيون" الدولية لنشر اعلان في 14 ايار الماضي تحت عنوان "لا تزال الكذبة الكبيرة مستمرة" اقتبست فيه تصريحات وتعليقات صحافية عربية واسلامية، بينها ما نقلته عن صحيفة "الاخبار" المصرية في 18 نيسان ابريل الماضي: "شكراً لهتلر ذي الذاكرة المباركة لأنه انتقم باكراً للفلسطينيين الذين ارتكبت بحقهم افظع الجرائم على وجه الانسانية، مع اننا نشكو كون ذلك الانتقال لم يكن كافياً". ولم يذكر الاعلان الجهة المسؤولة عن "الجرائم" المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وعرف "الاخبار" كصحيفة تحظى ب"رعاية الحكومة المصرية".
ثم اقتبس الاعلان عن "مفتي السلطة الفلسطينية في القدس" الشيخ عكرمة صبري قوله في 25 آذار مارس الماضي :"ان الرقم كان اقل من ستة ملايين، لكن اسرائىل تستخدم هذه القضية للحصول على التعاطف حول العالم". كما نقل عن صحيفة "طهران تايمز" الحكومية الايرانية قولها في 19 شباط فبراير :"اذا كان فعلاً ايسشفيز معتقل ابادة لليهود، فإن هذا يعني افتراض عدم بقاء اي يهودي على قيد الحياة. وان نجاة شخص مثل ايليه ويسل ويهود آخرين كي يقدموا انفسهم كشهود على الهولوكوست دليل الى ان الابادة المزعومة لليهود لم تقع".
وبعدما نقلت عن صحيفة "تشرين" الحكومية السورية كتابتها في 31 كانون الثاني يناير :"ان الصهاينة اختلقوا اسطورة الهولوكسوت لابتزاز وارهاب مثقفي العالم وسياسييه"، قالت "لجنة اليهود الاميركيين" في نهاية الاعلان :"انكار، تقليل اهمية، او حتى الشك بابادة النازيين ستة ملايين يهودي بينهم 5،1مليون طفل قناعات لا تزال على قيد الحياة في الشرق الاوسط". وبعدما تساءلت: "هل التحريف المبتذل للتاريخ يساعد على التأسيس للاحترام المتبادل والسلام اللذين تحتاج اليهما شعوب المنطقة؟"، ختم الاعلان: "المأساة ان الاجابة واضحة" في تصريحات مسؤولين وصحف في الشرق الاوسط!
وتضمن عدد "هيرالد تربيون" في اليوم ذاته اعلاناً آخر نشره "اتحاد مناهضة التشويه" مشوهاً تصريحات الاسد، افاد: "هم اليهود والاسرائىليون يحاولون قتل جميع مبادئ الديانات السماوية بالعقلية نفسها التي تمت بها خيانة السيد المسيح وتعذيبه، وبالطريقة نفسها التي حاولوا اليهود والاسرائىليون ان يغدروا بالرسول محمد"، وكذلك نقلت تأكيد وزير الاوقاف السوري محمد زيادة: "يجب علينا ان نكون واعين تماماً أن اعداء الله والصهاينة يتآمرون ضد المسيحية والاسلام"، ثم نشرت بخط كبير: "يوحنا بولس الثاني، اننا فوجئنا بصمتك" على تصريحات الاسد وزيادة.
ولعل مراجعة ما نشر في معظم الصحف البريطانية والاميركية عن سورية لمناسبة هذه الزيارة، وهي الاولى في التاريخ لحبر اعظم، تدل على مدى ثبات الصورة المأخوذة عن سورية في العقل الغربي ك"بلد ارهابي" ومكان "يُضطهد فيه المسيحيون" و"يعاني جميع السوريين فيه الحكم العسكري". وان الدكتور الاسد "لا يختلف كثيراً عن والده الرئيس حافظ الاسد" مع استمرار عودة الصحافيين الى احداث حماه في العام 1982 بعد المواجهات بين السلطات و"الاخوان المسلمين" اثر عمليات الاغتيالات التي نفذت ضد مثقفين ومسؤولين في الحكومة.
هذه الصور هي بالضبط التي كان المسؤولون السوريون يحاولون تفنيدها من خلال ترتيب برنامج زيارة البابا التي استهدفت اظهار ثلاثة جوانب: اولاً، التسامح الديني بين المسيحيين والمسلمين وحرية المسيحيين الذين يشكلون 14 في المئة نحو 80 في المئة منهم ارثوذكس في ممارسة شعائرهم الدينية. ثانياً، تأكيد التمسك بخيار السلام على اساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن ومبدأ الارض في مقابل السلام مع تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني بسبب العدوان الاسرائىلي وربطه بوقائع تاريخية سابقة بينها قيام اسرائىل بتدمير مدينة القنيطرة عاصمة الجولان السوري قبل الانسحاب منها العام 1974. ثالثاً، تأكيد وجود انفتاح سوري في المجالين السياسي والاقتصادي بعد تسلم الدكتور بشار الحكم، وتمثل ذلك في اطلاق الاسد الصحافي نزار نيوف بعد لقائه البابا في 5 الشهر الماضي والقيام ب"فتح الحدود" امام الصحافيين الاميركيين والاوروبيين والعرب باستثناء عدد منهم بينهم مراسل "لوموند" الفرنسية جيل باريس.
لذلك شكلت وزارة الاعلام مركزاً اعلامياً لتقديم الخدمات لهؤلاء الصحافيين الذين بلغ عددهم نحو 500 صحافي. وكانت تلك ثاني اكبر مناسبة تقوم فيها علاقة تجريبية بين الحكومة السورية والصحافيين الاجانب، بعد العام السابق عندما دخل البلاد نحو الف صحافي من دون الحاجة الى تأشيرة مسبقة لتغطية حدث وفاة الاسد.
لكن عملياً، ان معظم ان لم يكن كل الصحافيين اخطأ في نقل كلام الاسد. وكان مراسل "ديلي تلغراف" آلاف فيلبس بين الاستثناءات القليلة عندما كتب ان "الاسد لم يذكر اسرائىل او اليهود بالاسم، لكنه قال ان الفلسطينيين يقتلون من جانب الذين قتلوا مبادئ المساواة عندما اعلنوا ان الله خلق شعباً مميزاً عن بقية شعوب العالم"، فيما كتب مراسل "واشنطن بوست" الاميركية هاوارد شنايدر في 6 ايار "ان الانشقاق العميق في الشرق الاوسط كان واضحاً في كلمات الاسد الحادة ضد اليهود، بقوله انهم مسؤولون عن ابادة الفلسطينيين، كما خانوا النبي محمد وحاولوا قتل السيد المسيح".
وتفيد المعلومات المؤكدة ان "سوء الفهم" حصل بسبب امرين: اولاً، عدم توزيع النص الرسمي باللغة الانكليزية لخطاب الاسد على الصحافيين. ثانياً، ربط معظم الصحافيين تلميحات الاسد بمواقف سابقة كان اعلنها في القمة العربية في عمان عندما اشار الى ان "المجتمع الاسرائىلي اكثر عنصرية من النازية" وتكراره ذلك في مؤتمر صحافي عقد في اسبانيا في مطلع ايار.
ولم يقتصر الردّ على الاسرائىليين عندما اعتبر الرئيس الاسرائيلي موشي كاتساف تصريحات الاسد "عنصرية ومعادية للسامية" وآفي بازنر المستشار الديبلوماسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون انها "مشينة" وتعكس "موقفاً معادياً للسامية"، بل شملت واشنطن عندما اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر ان "هذه التعليقات مؤسفة بمقدار ما هي غير مقبولة"، وباريس باعلان الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرانسوا ريفاسو ان البابا "دعا الى سلام حقيقي في الشرق الاوسط والى اتباع سلوك جديد يقوم على التفهم والاحترام بين الشعوب. وما قاله الرئيس الاسد لا يتفق ويا للاسف مع هذه الدعوة".
ومع ادراك مدى حساسية ذكر كلمة "النازية" او اي ربط بين ما يرتكبه الاسرائىليون من مجازر بحق الشعب الفلسطيني وبين التاريخ الاوروبي والهولوكوست الذي جاء على خلفية دينية بسبب وجود اعتقاد لدى الكنيسة الكاثوليكية بأن اليهود وراء قتل السيد المسيح قبل تبرئة هذه الكنيسة اليهود من ذلك في الستينات، فإن ما كتب عن سورية في النصف الاول للشهر الماضي، لم يكن سوى تكرار لما كان يقال في العقود السابقة، مع غياب الحديث عن التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين والحدث التاريخي بدخول البابا ومفتي سورية الى الجامع الاموي في اول خطوة من نوعها في التاريخ.
في هذا السياق، اشار شنايدر في 7 ايار الى ان سورية لا تزال تقدم الدعم ل"مجموعات ارهابية مثل حزب الله"، بعدما نقل في مقال نشر في اليوم السابق عن منير سمير 49 سنة قوله: "ان اي احد يستطيع مغادرة البلاد سيفعل ذلك فوراً" بسبب الوضع الاقتصادي الذي يضغط، إضافة الى عوامل اخرى، على الجيل الشاب للسفر الى الخارج. وكان مراسل "واشنطن بوست" يشير الى نوع من "الاضطهاد" و"المعاناة" التي تواجه السوريين وخصوصاً الشباب.
اما دونا بريسون مراسلة "اسوشييتد برس" فإنها "خلصت" في مقال كتبته في 7 ايار في ختام زيارتها الى "قناعة" مفادها ان الرئيس "الاكثر شباباً في العالم" كما وصفه الحبر الاعظم "يرتد يوماً بعد يوما الى نظام والده الاتوقراطي. وعندما يتعلق الموضوع باسرائىل فإنه يتحدث بقسوة اكثر من والده".
وبينما لاحظ شنايدر ان الاسد كان "الاكثر انتقاداً للدولة اليهودية بين الزعماء العرب، ما يعني ان الجيل الجديد بين الزعماء العرب لن يكون برأي مرن عندما يتعلق الامر بالقضية الاساسية في الشرق الاوسط"، ما شكل صدمة للصورة المرسومة عن الرئيس السوري كشاب منفتح تخصص في طب العيون في لندن ويهتم بالتكنولوجيا والمعلوماتية ويريد انفتاح سورية والاصلاح الاقتصادي وتنشيط العمل السياسي.
الامر الذي تجاهله شنايدر هو ان الاسد اوضح من خلال تسلمه الحكم ان سياسته هي "الاستمرارية في السياسة الخارجية والتغيير في السياسة الداخلية" لقناعته ان سياسة الرئيس الراحل تحظى بشعبية عالية سورياً وعربياً وان المبادئ التي وضعها الراحل لتحقيق السلام مع الدولة العبرية تحظى بتأييد معظم السوريين. ولاحظ مراسل "واشنطن بوست" ان ربط الاسرائىليين ب"النازية صار شائعاً في العالم العربي، ما سبب الاساءة لليهود عموماً" من دون اي ذكر للسبب الحقيقي لذلك، خصوصاً ان الحكومات العربية جهزت شعوبها في السنوات السابقة لاتفاقات سلام متوقعة ولادماج اسرائىل في محيطها العربي - الاقليمي.
واتفق مع شنايدر معلق "نيويورك تايمز" توماس فريدمان الذي ذهب في مقال انتقادي لسورية والاسد في 11 ايار الى القول : "ربما يمكن توقع الشرق الاوسط في هذه الايام منطقة تحترم فيها اصول الجوار والتسامح الديني، لكن عندما اطلق الرئيس الاسد تصريحاته المعادية لليهود في الاسبوع الماضي، فانه اذهل جميع المراقبين. اذ ان الاسد استغل زيارة البابا التي تستهدف تعزيز التسامح الديني كي يدعو المسلمين والمسيحيين للوقوف ضد اليهود".
اما افتتاحية "بوسطن كلوب" في 9 ايار، فإنها "أسفت" لأن نداءات البابا لم "تلق صدى لدى مضيفه" السوري حين اقترح الاسد "تعاضد المسيحيين والمسلمين ضد اليهود الذين قتلوا الديانات بالعقلية نفسها التي حاولوا قتل المسيح وقتل النبي محمد". ويتطابق ذلك مع افتتاحية "نيويورك تايمز" التي لاحظت: "للأسف ان الاسد رحب بضيفه بكلام يؤكد سمعته المتزايدة ... واتهم اليهود بخيانة المسيح وحض المسيحيين والمسلمين حول العالم على التعاضد ضد اليهود"، آخذة على الحبر الاعظم عدم الرد واكتفاءه بالقول في الجامع الاموي في 6 ايار ان "الشباب يجب عليهم تعلم احترام الاديان الاخرى".
اما بالنسبة الى زيارة القنيطرة عاصمة الجولان المحتل منذ العام 1967، فإن معظم الصحف ذهب للحديث عن حماه و"دمارها" بدلاً من الحديث عن "دمار القنيطرة" وذكر "البلدوزرات" في تدمير حماه وليس القنيطرة كما حصل تاريخياً موثقاً لدى الامم المتحدة. وكتبت "نيويورك تايمز" ان البابا زار القنيطرة "تلك المدينة التي تقع في هضبة الجولان اختارتها سورية لأسباب سياسية. بقيت المدينة مدمرة من اسرائىل قبل اعادتها الى سورية، الامر الذي تشكك به اسرائىل. وبادراج هذه الزيارة اعطت الفاتيكان الاسد فرصة اخرى للحصول على دعم سياسي ضد اسرائىل"، فيما ذكّرت "بوسطن كلوب" بأحداث حماه عندما "انتفض" مسلمون تحت لواء "الاخوان المسلمين" ضد "الاقلية" الحاكمة.
وينطبق ذلك على فريدمان بتذكيره تفصيلاً ب"انتفاضة" بدلاً من انتفاضة الشعب الفلسطيني والعدوان الاسرائىلي او بتدمير الاسرائىليين للقنيطرة. وزاد :"ان اتهامه الاسد اي طرف آخر بعدم التسامح الديني أمر مضحك. ولسوء الحظ فإن البابا لم ينأَ بنفسه عن تصريحات الاسد، لكن هذه التصريحات تعطي فكرة عن الرئيس السوري الشاب"، لافتاً الى ان "زعماء العالم الجديين لا يعلنون تصريحات كهذه حتى لو آمنوا بها".
اما صحيفة "تايمز" البريطانية فوجدت "الحل المهني - الموضوعي" في نشر مقالين في 8 ايار لمناسبة زيارة البابا الى القنيطرة، يتحدث الأول عن المدينة والثاني عن حماه ايضاً. وكتب سام كيلي ان دمار القنيطرة هو "دليل الى قوة الصهيونية ووحشيتها، لكن الحقيقة الابشع ان لدى السوريين ما يخوفهم اكثر وهو الخوف من قادتهم: في القنيطرة الآلاف من المدنيين السوريين فقدوا بيوتهم وسيرون للأبد في اليهود اعداء، وان آثار الدمار التي حفظت بحرص تحيي ذلك عبر الاجيال ... لكن عندما تذكر مدينة حماه فإنهم يسكتون". لكن هذه "المهنية" اقتضت ان يكون الوصف تفصيلاً عن احداث وسط سورية، في مقابل تشكيك بتدمير الاسرائىليين للقنيطرة. فكتب نيقولاس بلانفورد الذي رافق البابا الى القنيطرة لتغطية قداسه هناك: "تقع على حافة خط وقف اطلاق النار الفاصل بين اسرائىل وسورية، تلك المدينة التي احتلت في العام 1967، واعيدت في العام 1974 في اطار اتفاق فك الاشتباك الذي انجزته اميركا بين الطرفين".
ولم تقتض "موضوعية" كيلي نشر الرأي الرسمي مما حصل في حماه، لكن "موضوعية" بلانفور طلبت التشكيك ب"دمار القنيطرة، اذ ان اسرائىل تقول ان البلدة دمرت خلال المعارك لأنها كانت وسط الاشتباكات بين العرب والاسرائىليين في العام 1967".
الواضح ان الصحافة الغربية تذهب كلها من دون تنسيق كي تنهل من الجعبة ذاتها: احداث حماه، عدم جدية الاصلاح الذي طُرح في السنة الاخيرة، دعم سورية ل"مجموعات ارهابية"، تشدد الخطاب السياسي السوري وعدم جديته في السلام. لكن ذلك يحمّل القيمين على الخطاب السياسي - الاعلامي السوري مسؤوليات اكبر. اذ ان ادارة الظهر لهذه العناصر لم تعد مجدية، ولا بد من مواجهتها بخطاب مقابل يفند هذه العناصر بحجج قوية سياسياً وتاريخياً لا يجد العقل والرأي العام في الغرب صعوبة في استيعابها وعكسها في قناعات تترك آثارها في القرارات السياسية الرسمية الغربية. ولعل وجود شخص كشارون المعروف بسجله الارهابي والوحشي فرصة تاريخية للجانب السوري خصوصاً والعربي عموماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.