تفاعلت في اليمن قضية إغلاق المعاهد العلمية المتخصصة في تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية، وتحولت جلسة منح الثقة لحكومة باجمال في البرلمان اليمني إلى حلبة مصارعة كلامية حول الموضوع، وانتهى الجدل العاصف بانسحاب أعضاء الكتلة البرلمانية ل"الإصلاح" المعارض ، قبل أن يلقي رئيس الحكومة باجمال كلمة الثقة. بصرف النظر عن استثمار السياسيين اليمنيين قضية المعاهد العلمية، فإن تضخيمها وزجها في مسار الجدل السياسي بين الأحزاب والحكومة لا يخدمان التعليم، وليسا في مصلحة الحكومة لاعتبارات كثيرة أهمها: أن إلغاء تلك المعاهد بهذه الطريقة الدرامية الحادة سيتحول إلى قضية سياسية أياً تكن دوافع الحكومة ومبرراتها العلمية والتعليمية لهذا القرار، ويكسبها خصومة الإسلاميين في اليمن وخارجه، فضلاً عن أن هذه المعاهد جزء من تقاليد التعليم في اليمن والغاءها بجرة قلم بدعوى توحيد التعليم، وعدم ازدواجية المناهج ، لا يتسق مع شعارات الحرية التي ترفعها الحكومة، ويسيء إلى الدور الرائد الذي لعبته هذه المعاهد في نشر التعليم ومحاربة الأمية بين أبناء اليمن ، خلال السنوات الأولى للثورة. إن إلغاء المعاهد العلمية استناداً الى مقولة أن المدارس الدينية تذكي التطرف منهج سياسي خطير، واتهام يعوزه الدليل، فضلاً عن أن التطرف الديني لم يظهر في البلاد العربية خلال السنوات التي كانت المدارس الدينية هي الوحيدة على الساحة التعليمية في اليمن وفي غيره، لكنه انتشر مع تزايد الأمية، والكبت الاجتماعي، والشعور بالإحباط والهزيمة، والفقر والظلم، وغياب حرية التعبير والمساواة. إن إلغاء هذه المعاهد سيتيح لبعضهم الاصطياد في المياه العكرة، وربط القرار بألف قصة وحكاية وتفسيره تفسيراً تآمرياً. وربما تحول القرار من وسيلة لتطوير التعليم الديني وتعميمه ضمن مواد التعليم العام، كما تدعي الحكومة، إلى سبب لإذكاء التطرف بحجة أن القرار تحدٍ لمشاعر المتدينين، ومحاربة للتوجهات الدينية عند الشعب اليمني، وتدمير لمنابع الأصالة في الثقافة اليمنية، إلى غير ذلك من التفسيرات التي ربما نقلت القضية من البرلمان والنقاش الحزبي إلى الشارع... وهنا تصبح المعاهد مشكلة حقيقية.