تقترح المبادرة المصرية - الاردنية صيغة لوقف العنف بين الاسرائىليين والفلسطينيين وإطاراً عاماً لبدء التفاوض. وهي تستعيد بعض ما اتفق عليه في قمة شرم الشيخ. رفضها الاسرائيليون لثلاثة اسباب: أمني وسياسي "وعملي". فآرييل شارون يريد وقف العنف الفلسطيني فحسب، وفترة زمنية مديدة لاختبار ذلك، والغاء الربط الآلي بين انهاء التوتر وبدء المحادثات السياسية، والشروع في التفاوض وفق اسس تنسف الماضي كله. كان شمعون بيريز ملكفاً تسويق هذا الرفض وفق صيغة "نعم ولكن" حيث تلغي "لكن" مفعول "النعم". ولقد قاده ذلك الى الحادثة الشهيرة في القاهرة حيث وأد المبادرة وأكمل في واشنطن فأهال التراب فوقها بعدما اغمض جورج بوش عينيه. لم يعد باقياً سوى ان يستنتج اصحاب المبادرة الاستنتاج الذي يفرض نفسه فكان الاجتماع بين الرئىس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني الذي حسم في تضاؤل فرص النجاح. وتم الاعلان عن ذلك في وقت تتعرض مبادرة اخرى الى مصير مماثل. لقد ادت اجتماعات شرم الشيخ، قبل ستة أشهر، الى تشكيل "لجنة ميتشل" بديلاً من التجاوب مع الطلب الفلسطيني تأمين حماية دولية. وقيل ان لجنة التقصي برأسين اولهما نزيل البيت الابيض وثانيهما الأمين العام للأمم المتحدة. أدت اللجنة مهمتها على رغم الممانعة الشارونية ووضعت تقريرها وخرجت بتوصيات. والمعروف من نتائج جهدها انه لا يلبي الطموحات الفلسطينية المشروعة وأولها تعيين الاحتلال بصفته المصدر الاول للتوتر ووضع حد لممارساته عبر قوة دولية تراقبه. الى ذلك فإن اللجنة اكتفت بالتركيز على الأمن من دون ان تحدد شروط الحد الأدنى السياسية لاستئناف المفاوضات. وعلى رغم ما تقدم فإن الفلسطينيين قبلوها، مع تحفظات، ورفضها الاسرائيليون معلنين، في السياق نفسه، اعتراضهم على عودة قمة شرم الشيخ الى الالتئام باعتبارها المؤسسة المعنية بعمل جورج ميتشل وفريقه. ان الفرق كبير، ولمصلحة تل ابيب، بين المبادرة العربية والتقرير الدولي. ومع ذلك فإن الموقف، في الحالين، واحد. لا تتردد اسرائىل، اذاً، في احباط جهود الدولتين العربيتين المسالمتين، ولا في الاستهتار بلجنة يفترض بالرئيس الأميركي وبالأمين العام للأمم المتحدة ان يكونا المشرفين عليها. وحتى لا يخطئ احد في تفسير هذا "الاحباط" تقدم اسرائيل على اسقاط الحصانة الدولية عن المناطق "أ" وتعلن عن زيادات ملموسة في موازنات الاستيطان. والمعروف ان الموضوع الثاني هو محل اجماع دولي على ادانته والمطالبة بوقفه. وحتى الولاياتالمتحدة نفسها فإنها تظهر تبرماً من سياسة التوسع الاقليمي، كما سبق لها ان طالبت باحترام حرمة المناطق الخاضعة، امنياً وادارياً، للسلطة الوطنية. وجهت اسرائىل، في غضون ايام قليلة، ضربتين قاضيتين الى مبادرتين اقليمية ودولية. ولا يفعل ذلك سوى القاء المزيد من الضوء على القرار المتخذ من جانبها بايصال التصعيد الى حيث يستحيل على الطرف الفلسطيني تحمله فيبدأ بوقف المقاومة لينتهي بالقبول باستمرار الاحتلال والتنازل عن حقوقه. القرار، بهذا المعنى، متخذ وقيد الممارسة وهو، حتى اشعار آخر، نقطة التقاء بين وزراء حزب "العمل" ورئيسهم الجديد. وكان يمكن لهذه الوجهة ان تثير ازمة اقليمية خطيرة لو ان الجانب العربي جاهز للرد على التحدي ولو ان القوى الدولية المعنية مستعدة لتسمية الاشياء بأسمائها. هل يتغير شيء بعد الرفض الاسرائىلي لكل من المبادرة والتقرير؟