للمرة الأولى في تاريخ البحوث الأكاديمية اتى كتاب "الحركة الطلابية التونسية" للدكتور محمد ضيف الله منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ليقدم عرضاً منهجياً لجذور الحركة الطلابية في تونس وتطورها وعلاقتها بالنضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. والكتاب في الأصل رسالة جامعية ركزت على الفترة بين 1927 و1939 اي مرحلة ما بين الحربين لكنه ينظر الى المستقبل ويتجاوز تحليل تلك الحقبة لأن غالبية القيادات الطلابية صارت لاحقاً من الوجوه البارزة للحركة الوطنية بعدما تخرجت في جامعة الزيتونة التي يعود إنشاؤها الى بداية الفتح الإسلامي. ركز ضيف الله على دور الطلاب في إصلاح النظام التعليمي وتوقف عند اضراباتهم ومبادراتهم وكذلك الصراع بين المحافظين والمجددين في المؤسسة الزيتونية وأبعادها الثقافية والسياسية، خصوصاً دورهم في التصدي للمؤتمر الكنسي الذي عقد في قرطاج سنة 1931 في ذكرى مرور خمسين عاماً على احتلال تونس وكان يرمي الى ضرب الهوية العربية والإسلامية للبلد وتسييرها بالقوة، وبذلك منح الطلاب مضموناً فكرياً وحضارياً للكفاح الوطني ضد الاستعمار. الى ذلك عكس الكتاب توافقاً مبكراً بين النخب الطلابية والشبابية في المغرب العربي خصوصاً ممن درسوا في فرنسا، إذ شكلت مؤتمرات "جمعية طلاب شمال افريقيا المسلمين" إطاراً ساهم في تعميق الخيالات السياسية المشتركة لجيل من الرواد ما لبثوا ان تسلموا زمام قيادة الحركة السياسية في بلدانهم. في هذا السياق كشف الكتاب عن عدد من الوجوه الوطنية المغاربية الذين كانت خطبهم وتصريحاتهم ومواقفهم تعبر عن نضج سياسي مبكر وإيمان بمشروع مغاربي توحيدي. فالطالب التطواني والزعيم الوطني لاحقاً عبدالخالق الطريس دعا في سنة 1935 الى مراجعة منهج التعليم والنظر في إمكان إنجاز مشروع لتاريخ موحد للمغرب العربي ومشروع دائرة معارف. كذلك دافع الطالب التونسي حبيب ثامر الذي صار أحد زعماء "الحزب الحر الدستوري" لاحقاً عن المضامين الحضارية للمغرب العربي. وقال المؤرخ الدكتور عبدالجليل التميمي في المقدمة التي وضعها للكتاب انه "ينقل بانوراما حية للمجتمع الطلابي التونسي بجناحيه الزيتوني والمدرسي نسبة الى مدرسة "الصادقية" الحديثة ودورهما في تفعيل الحركة الوطنية محلياً ومغاربياً على السواء". ورأى أن البحث يشكل مرجعاً أساسياً في مجاله.