} أُذيع امس في تونس ان الرئيس السابق الحبيب بورقيبة توفي بعد صراع مع المرض. ولعب مؤسس الدولة التونسية الحديثة الذي أُطلق عليه اسم "المجاهد الاكبر" دوراً استثنائياً في نيل الاستقلال لبلاده من الاستعمار الفرنسي وفي بناء الدولة التونسية التي تولى قيادتها حوالى 30 عاماً. وهنا نبذة عن حياته. على رغم ان الحبيب بورقيبة شارك في اول عمل وطني ولم يكن يتجاوز ستة عشر عاماً عندما سار في تظاهرة للدفاع عن الباي الملك الذي كانت سلطات الاحتلال تسعى الى خلعه، فإن وعيه السياسي لم يتبلور الا بعد سفره الى باريس في 1924 لدراسة القانون واحتكاكه بالطبقة السياسية الفرنسية الذي ساعده على فهم الثغرات التي يمكن استثمارها لطرح القضية الوطنية على الرأي العام الفرنسي وكسب ود الاوساط المعادية للاستعمار. لا شيء كان يدلّ على ان الصبي النحيف الذي ولد في المنستير قرية الصيادين الصغيرة في 3 آب اغسطس 1903 سيصبح يوماً ما زعيم الحركة الوطنية الذي تحرك شعاراته الشارع من الشمال الى الجنوب. فالحبيب كان اصغر اخوته التسعة، وهو شعر بصدمة عنيفة بعدما فقد والدته في وقت مبكر ظلت تلاحقه على مدى حياته وحتى عندما صار رئيساً وألقى محاضرات عن سيرته وعن مراحل الحركة الوطنية في العام 1973، وكان الدمع ينهمر من عينيه امام عدسات التلفزيون كلما ذكرها. ويمكن القول ان بورقيبة تلقى تعليماً دينياً على رغم التحاقه المتأخر بالمدرسة. فهو احرز شهادة في اللغة العربية من "الصادقية" أعرق الثانويات في العاصمة تونس ثم سجل في معهد "كارنو" الفرنسي الذي تخرجت فيه غالبية النخبة التحديثية حيث حصل على الثانوية العامة العام 1924. وشكلت السيطرة على الفرنسية بالنسبة اليه مفتاحاً للدخول إلى عالم السياسة الفرنسية وفهم آلياتها ونقاط ضعفها، وقد اثبت قدرة ومهارة نادرتين على استثمار المجالات الديموقراطية التي اتاحتها له القوانين الفرنسية، خصوصاً في المجال الاعلامي. فبعد تخرجه من كلية الحقوق ومعهد الدراسات السياسية ركّز على كتابة مقالات تعري مساوئ الاحتلال بمجرد عودته الى تونس قبل ان يؤسس صحيفة "العمل التونسي" في العام 1932. لم يكن بورقيبة وحيداً وانما كان أحد الشباب المتعلمين العائدين من فرنسا اضافة الى الطبيب محمود الماطري والمحاميين البحري قيقة وطاهر صفر. وشكل الاربعة نواة شابة في "الحزب الحرّ الدستوري" الذي كان يرأسه من المنفى الشيخ عبدالعزيز التعالبي فتصادموا سريعاً مع اعضاء اللجنة التنفيذية الذين كانوا من الوجهاء التقليديين وحرّكوا قواعد الحزب لتكريس خط يراهن على التعبئة الجماهيرية وليس على ارسال الوفود الى باريس. وفي هذا السياق، استقالت كتلة الشباب من القيادة في العام 1933 وسعت إلى عقد مؤتمر استثنائي في مدينة قصر هلال القريبة من المنستير. فيشكل المؤتمر الذي عقد في آذار/ مارس 1934 انعطافاً في تاريخ الحركة الوطنية كونه ادى الى حل اللجنة التنفيذية من جانب واحد وتشكيل مكتب سياسي كان في الواقع حزباً جديداً هو الذي اعتمد عليه بورقيبة لاخراج المستعمر وارساء الدولة الوطنية. وبالنظر الى اعتبار السن، اختير الدكتور محمود الماطري رئيساً للحزب الحر الدستوري الجديد، فيما انتخب بورقيبة اميناً عاماً وصفر وقيقة اضافة الى محمد شقيق بورقيبة الاكبر اعضاء في المكتب السياسي. وبعدما كانت سلطات الاحتلال مرتاحة الى الصراع بين جناحي الحركة الوطنية، ادركت ان جناح الشباب ضخّ دماء جديدة في الحزب وكرس خطاً كفاحياً يشكل خطراً عليها. فسارعت الى اعتقال بورقيبة ورفاقه وابعدتهم الى الجنوب في العام 1934، الا ان وصول "الجبهة الشعبية" بقيادة ليون بلوم الى الحكم في فرنسا ادى الى الافراج عنهم واعطاء وعود بدرس المسألة التونسية. ومع عودة الوطنيين الى عقد الاجتماعات في محافظات مختلفة للتعبئة ضد الاحتلال تصاعد التطور مع فرنسا مجدداً واعلن "الدستوري" عن سحب ثقته من الحكومة الفرنسية التي أخلفت وعودها. وشكل المؤتمر العام الذي عقد في العاصمة تونس العام 1937 مقدمة للمجابهة التي انتهت الى صدام عنيف أمام مقر المندوب السامي المقيم العام الفرنسي في التاسع من نيسان ابريل العام التالي، اعتقل في أعقابه مقالاً مليئاً بالدلالات بعنوان "القطيعة". وبعد التحقيق معه بتهمة التآمر على أمن الدولة نُقل ورفاقه الى السجون الفرنسية حيث أمضى أقسى فترة اعتقال في حياته استمرت أكثر من 5 أعوام. وشكل اندلاع الحرب العالمية الثانية امتحاناً عسيراً لبورقيبة ورفاقه. اذ وضعهم أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الوقوف الى جانب فرنسا التي تحتل وطنهم لمجابهة النازية والأطماع الايطالية الصريحة أو الانضمام الى "المحور" الذي وعد بتحرير تونس بعد الانتصار على الحلفاء. وكان وعد موسوليني مغرياً. إذ قطع عهداً بمنح التونسيين الاستقلال في حال سهلوا لقواته الانتصار على فرنسا. إلا أن بورقيبة أصر على رفض الاغراءات على رغم أن الطليان أطلقوه ودعوه الى مكاتب الاذاعة ليوجه رسالة الى الشعب التونسي. وكان مدركاً ان الحلفاء سيكسبون الحرب وسينتقمون من الحركة الوطنية في حال أظهرت ولاء للمحور، لكنه لم يحرق جميع الأوراق وترك تياراً من قياديي الصف الثاني بينهم يوسف الرويسي والطيب سليم ومحمد بدرة ورشيد إدريس يناورون مع المحور وينسقون مع الحاج أمين الحسيني. لم يقتصر دهاء بورقيبة على حذق اللعب على التناقضات بين القوى المتحاربة وانما ذهب ذهنه بعيداً في استشراف التطورات المرتقبة بعدما تضع الحرب أوزارها، فتوقع أن تصبح الولاياتالمتحدة دولة عظمى وبمجرد عودته الى تونس في أواخر العام 1944 بدأ يمد الجسور مع القنصل السفير الأميركي هوكر دوليتل أطلق اسمه على أحد شوارع العاصمة بعد الاستقلال في وقت مبكر ما أغاض الفرنسيين الذين لاحقوه وحاولوا اعتقاله مجدداً بعدما استتب لهم الأمر في أعقاب إجلاء قوات المحور من البلد. ولم يبق أمام زعيم الحركة الوطنية سوى الهجرة الى القاهرة في العام 1945 حيث مقر الجامعة العربية للتعريف بقضية تونس ومحاولة فتح خط نحو الأممالمتحدة لعرض القضية على أنظارها. وشكلت اقامة بورقيبة في مصر أهم فترة أتاحت له معرفة زعماء العالم العربي وأحزابه. وفي هذا السياق استطاع أن يؤسس مع بطل حرب الريف المغربية محمد بن عبدالكريم الخطابي "مكتب المغرب العربي" الذي جمع الجزائريين والتوانسة والمغاربة والليبيين. ومن هناك سافر الى نيويورك بعدما قام رفيقه الباهي الأدغم باتصالات تمهيدية لمحاولة عرض القضية التونسية على الأممالمتحدة. ويمكن القول ان بورقيبة الذي ضاقت عليه سبل الكفاح في الداخل استطاع تحدي فرنسا باللجوء الى تدويل القضية التونسية بعدما نجح في تعريبها. عاد بورقيبة الى تونس في أيلول سبتمبر 1949 بعد غياب استمر نحو عشر سنوات عدا عودته القصيرة بعد نهاية الحرب وأحيا علاقاته الشعبية الواسعة مع الناس في المناطق الداخلية خصوصاً أن الصراع بين القيادات الوطنية أضعف وهج الحزب. وأعطت موجة الضغوط الجديدة أكلها فقبلت فرنسا الانتقال الى منطق المفاوضات وعلى هذا الأساس تشكلت حكومة جديدة برئاسة رجل الأعمال الوطني محمد شنيق ساندها بورقيبة بل وقبل أن يشغل صالح بن يوسف الذي حل محله في الأمانة العامة للحزب منصب وزير العدل فيها. وسعياً الى تقييد الطرف المقابل أعلن برنامجاً مؤلفاً من سبع نقاط. وفعلاً أصدر الفرنسيون مذكرة في العام 1951 شكلت التفافاً على "إعلان النيات" الأول ان حاولت تكريس ثنائية السيادة ما يقطع الطريق أمام الاستقلال. وسارع بورقيبة الى رفضها وحرض الفدائيين الذين اختاروا الكفاح المسلح على تصعيد عملياتهم ضد قوات الاحتلال والمستوطنين الفرنسيين الذين استولوا على أخصب المناطق الزراعية. اضطر بورقيبة الى عقد مؤتمر سري للحزب بعدما منعته السلطات من عقده علناً في مطلع العام 1952. وطلب المؤتمر للمرة الأولى منح تونس الاستقلال عن فرنسا بعدما كان سقف المطالب الوطنية يقف عند حد تطبيق الدستور الذي صدر في القرن التاسع عشر قبل الاحتلال الفرنسي. واقتيد زعيم الحركة الوطنية مجدداً الى المنفى في جزيرة جالطة شمال تونس لكن ظل نجله الحبيب بورقيبة من زوجته الفرنسية ماتيلد صلة الوصل بينه وبين قادة الحزب، وجرت مناورة فرنسية جديدة لاقتراح "اصلاحات" تبقي على جوهر الاستعمار في العام 1954، الا ان بورقيبة رفضها وظل يتابع ربط الخيوط مع اليسار الفرنسي من منفاه في جزيرة "غروا" الفرنسية ثم في ضواحي باريس الى ان اعتلى بيار منديس فرانس سدة رئاسة الحكومة على خلفية هزيمة القوات الفرنسية في معركة "ديان بيان فو" في فيتنام فسافر الى تونس بعد ستة اسابيع فقط من تعيينه ليعلن عن منح الاستقلال الذاتي ما فتح الطريق أمام تشكيل حكومة تفاوضية شارك فيها ثلاثة وزراء "دستوريون" ووقع رئيسها الطاهر بن عمار مستقل على اعلان الاستقلال الذاتي في حزيران يونيو العام 1955. الا ان الأمين العام للحزب صالح بن يوسف حمل على الخطوة ورأى ان اتفاق الحكم الذاتي شكل "خطوة الى الوراء" خصوصاً ان الجزائريين والمغاربة كانوا يخوضون حرباً مسلحة ضد العدو نفسه وطرح تعميم الكفاح في المنطقة المغاربية في اطار جبهة تعتمد على مصر الناصرية بوصفها قاعدة خلفية للاقطار الثلاثة، بالمقابل طرح بورقيبة خيار المرحلية ووعد بتقليص الفترة المحددة في الاتفاقات للحصول على الاستقلال وهي عشرون عاماً الى أقل من ذلك بكثير. الا ان الخلاف لم يبق في اطار الجدل السياسي وانما انتقل الى صراع مسلح بين أنصار الجناحين بعد انقسام الصف الحزبي. ويقول قياديون محايدون ان اكثرية كوادر الحزب كانت ستقلب الميزان لصالح بن يوسف خصوصاً انها كانت مدعومة من المجموعات المسلحة لولا ان الزعيم النقابي حبيب عاشور وعد بورقيبة بقلب الميزان ورتب مؤتمراً استثنائياً للحزب في مدينة صفاقس العمالية انتهى الى ادانة بن يوسف واعتماد خط بورقيبة. وربما شعر الأول وهو محام ظل رفيقاً لبورقيبة اكثر من ثلاثة عقود بتغيير اتجاه الريح فغادر تونس خلسة واستقر في مصر ما انعكس سلباً في العلاقات التونسية - المصرية. وضع بورقيبة قدمه للمرة الأولى في الحكم عندما تولى رئاسة الوزراء في العام 1956 محل الطاهر بن عمار وفي ظل الأمين باي آخر ملوك الأسرة الحسينية. لكنه باشر الإعداد لتغيير النظام السياسي الى نظام جمهوري خصوصاً انه بات زعيماً لا ترد له كلمة، بعدما حقق انتصاراً ساحقاً على أنصار جناح بن يوسف وأحال رموزه وأعضاءه على القضاء. وبعدما قرر المجلس التأسيسي اعلان الجمهورية في تموز يوليو العام 1957 اختار بورقيبة أول رئيس لتونس. ورسم الرئيس الجديد ثلاثة مراحل لتصفية آثار الاستعمار تمثلت الأولى باخلاء القواعد العسكرية في الجنوب والشمال، والثانية باسترجاع الادارات والمؤسسات الرسمية، والثالثة بتأميم الأراضي الزراعية التي استولى عليها المستوطنون الفرنسيون، ولم يخش بورقيبة الدخول بمواجهة مع الرئيس الفرنسي شارل ديغول الذي جاء الى الحكم في العام 1958. فبعد الاحتكاكات الساخنة التي طبعت معارك استعادة الثكنات العسكرية من الجيش الفرنسي في الجنوب، فتح التونسيون معركة الجلاء عن مدينة بنزرت شمال مطلع الستينات التي قيل ان بورقيبة أقدم على خوضها وهو مدرك حساسية المنافسة الاميركية - الفرنسية في شمال افريقيا. وشكل الجلاء عنها مناسبة لتكريس المصالحة مع كل من جمال عبدالناصر والرئيس الجزائري احمد بن بلة اللذين جاءا الى بنزرت العام 1963 لحضور احتفالات الجلاء. ثم انتقل بورقيبة الى الجلاء الزراعي فأخرج المستوطنين الفرنسيين في العام التالي. وشجعه نجاحه في معركة استعادة السيادة على تشديد القبضة على المعارضة في الداخل فحظر الحزب الشيوعي وكرّس نظام الحزب الواحد في المؤتمر العام لحزبه الذي عقد في بنزرت العام 1964. وبعدما استكمل الرئيس بورقيبة معاركه مع الاستعمار اعلن الحرب على "التخلّف" وكلّف الامين العام السابق لاتحاد النقابات العمالية احمد بن صالح قيادة تجربة التعاونيات وارساء نواة التصنيع. وتعرض بورقيبة إلى صدمة قوية عندما خرجت مسيرات حاشدة في أعقاب حرب حزيران يونيو العام 1967، احرق خلالها المتظاهرون سفارتي الولاياتالمتحدة وبريطانيا، إضافة إلى محلات التجار اليهود وسط العاصمة تونس. وفشل كل من أحمد بن صالح وصبحي سليم بتهدئة الأوضاع، لكن الصدمة الأقوى أتت في أواخر الستينات بعدما انتشر الغضب من سياسة التعاونيات التي دعمها بورقيبة بقوة، فاضطر إلى عزل بن صالح وسجنه في 1969 وغادر تونس إلى جنيف لتلقي العلاج بعدما تفاقمت آلام القلب الذي اصيب فيه بأول عارض في العام 1964. ولدى عودته في العام 1970، لم يخش بورقيبة من الاعتذار علناً للشعب، وأعلن اطلاق "استشارة شعبية" لتكريس انفتاح سياسي. واختار الباهي الأدغم وزيراً أول رئيساً للوزراء، إلا أن انشغاله بالوساطة بين الأردن والفلسطينيين حمله على استبداله بالهادي نويرة الذي كان رجلاً ليبرالياً وخبيراً بالشؤون الاقتصادية. وتعتبر حقبة نويرة الفترة التي ابتعد خلالها بورقيبة عن التسيير المباشر لدفة الحكم. إذ ترك إدارة الشؤون الاقتصادية لوزيره الأول، وحرص على توجيه دفة السياسة الخارجية. واستطاع وزير خارجيته محمد المصمودي اقناعه بإقامة وحدة مع ليبيا، فانتقل إلى جزيرة جربة ووقع اتفاق الوحدة مع الزعيم الليبي معمر القذافي في الثاني عشر من كانون الثاني يناير العام 1974 في غياب نويرة الذي كان في زيارة رسمية لإيران. وأدت ضغوط الرافضين للوحدة إلى ارجاء تكريسها وإبعاد المصمودي من رئاسة الديبلوماسية. وعلى رغم مرض بورقيبة، انتخبه مجلس النواب رئيساً مدى الحياة في العام التالي مما أضعف وهجه الشعبي وزاد من شعور التذمر العام الذي استثمره زعيم اتحاد العمال السابق حبيب عاشور لإعلان الاضراب العام في كانون الثاني العام 1978. وشكلت تلك الأحداث الدامية محنة صعبة لبورقيبة الذي كان يعاني من الأمراض. وتفاقمت حاله الصحية بسيطرة "كوماندوس" تسلل من ليبيا على مدينة قفصةجنوب في العام 1980. إلا أن بورقيبة الذي يحب التحدي بطبعه انتقل إلى الاقامة في واحة قريبة من قفصة واستقبل هناك زعماء وشخصيات دولية جاءت تقدم له الدعم. فكلف محمد مزالي تشكيل حكومة جديدة محل نويرة الذي اقعده شلل نصفي، ولم يتردد في إعلان الانتقال إلى مرحلة التعددية السياسية في مؤتمر استثنائي لحزبه في العام 1981. وألحق هذه الخطوة بالاعتراف بحزبين معارضين، إضافة إلى رفع القيود عن الحزب الشيوعي. لكن الوضع الاجتماعي المتدهور أدى إلى اندلاع اضطرابات في كل المدن في العام 1984. وعندما ذهب الزعيم بورقيبة إلى مدينة قصر هلال في آذار مارس لإحياء ذكرى مرور أربعين عاماً على تأسيس الحزب الحر الجديد، قذفه متظاهرون بالحجارة ووجد موكبه صعوبة كبيرة في العودة إلى المنستير. واتسمت السنوات الأخيرة التي سبقت عزل بورقيبة بعدم استقرار حكومي، إذ تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء على الحكومة في ظرف عامين وصارت الانقسامات بين أجنحة الحكومة حديث الشارع. إلى أن اعلن الوزير الأول زين العابدين بن علي تنحية الرئيس مدى الحياة بناء على شهادة من أطبائه وصعد إلى سدة الرئاسة بموجب الدستور الذي كان يقضي قبل تعديله لاحقاً بأن يتولى الحكم الوزير الأول في حال عجز رئيس الدولة عن أداء مهامه. أمضى بورقيبة فترة بعد خروجه من القصر الرئاسي في ضاحية قرطاج في قصر مرناق الضاحية الجنوبية قبل أن يُنقل إلى مسقط رأسه المنستير، وهناك رتبت المسكن السابق للوالي المحافظ ليكون في مثابة بيت ومصحة، إذ وضعت فيه كل الأجهزة والمعدات الطبية التي يحتاجها، إضافة إلى طاقم طبي، وعلى رغم انه كان ينتقل أحياناً إلى العاصمة لإجراء فحوص، آخرها الشهر الماضي، فإنه كان يرتاح للبقاء في المنستير.