} يطرح تحوّل البطريرك الماروني نصر الله صفير مرجعاً سياسياً من دون ان يمارس السياسة، سؤالاً عن كيفية التعاطي معه، خصوصاً أنه يتجنب الدخول في التفاصيل ولا يروق له إقحامه في صلب المشكلة اللبنانية من بابها الضيق على رغم التأييد المسيحي الذي يتمتع به، في مقابل السؤال عن علاقة بكركي برئيس الجمهورية اميل لحود وانكفاء بعض الوزراء والنواب المسيحيين المقربين منه عن أداء دور فاعل في الحياة السياسية، ما أتاح الفرصة لمناوئيهم في ملء الفراغ السياسي، بدلاً من ان يشكل حضورهم توازناً يمنع رجحان كفة المعارضة التي أخذت تتصرف وكأنها أحكمت السيطرة على الشارع المسيحي! لم تخف شخصيات مسيحية تقف الآن في منتصف الطريق ما بين بعبدا وبكركي، قلقها من استمرار التصعيد السياسي، في حال أصر بعض الأفرقاء ممن شاركوا بكثافة في حفل الاستقبال الذي اقيم لصفير لمناسبة عودته من جولته الرعوية، على الدعوة مجدداً الى التحرك من خلال تنظيم التظاهرات، سيما أن "التيار الوطني الحر" الموالي للعماد ميشال عون كان تعهد بمواصلة تحريك الشارع من دون ان يضرب موعداً جديداً لذلك. وينطلق تخوف الشخصيات المسيحية هذه، من ان القوى التي اصطفت تحت عباءة صفير ليست مجمعة على تصور سياسي مشترك، وأن لبعضها اهدافاً تلتقي مع البعض الآخر في مواقف وتتعارض معها في مواقف أخرى. وهذا ما عكسته خلفية التوضيح الذي صدر عن امانة السر البطريركية كرد على هتافات صدرت عن فريق من المحتشدين لقيت امتعاضاً لدى صفير. وبكلام آخر، ان بعض القوى التي انضوت تحت عباءة صفير تتعارض مع البعض الآخر الذي يدعم مواقف بكركي لكنه يخشى من تعارضها في العمق مع المرجعية السياسية التي تتمثل في رئاسة الجمهورية، اضافة الى أن حجم الحشد في ساحة الصرح البطريركي، يطرح بحد ذاته سؤالاً يتعلق بالخطوات السياسية اللاحقة، وما إذا كان في مقدور صفير ضبط خطواتها الذي يعتبر - حسب اوساطه - ان التفويض الشعبي الذي حصل عليه، يمكن ان يزيد من الأعباء الملقاة على عاتقه، لئلا نقول إنه قد يولد نقزة في حال أراد البعض ان يذهب بعيداً في تحركه الى حدود عدم الالتفات الى الخلف... لذلك يبدو ان هناك مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع، بدءاً برئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي وانتهاء بالبطريرك الماروني مروراً بالقوى الداعمة له أو المناصرة لتحركه من بعيد. وتكمن المسؤولية في وجود تباين يكمن في تحديد الغاية المرجوة من التحرك الذي يرعاه صفير حيث ان بعض القوى يطمح الى تصحيح الوضع السياسي وإقامة علاقة متوازنة مع سورية، بينما القوى الأخرى، تراهن على إمكان تحقيق تبدل جذري في النظام الذي انتجه اتفاق الطائف. وفي هذا السياق يرى الفريق الواقف في منتصف الطريق بين بكركي وبعبدا ان الظروف ما زالت مواتية لإقامة حوار مثمر، شرط ان تسلك قنواته الحوارية عبر بوابة بعبدا، مدعوماً بترحيب حكومي ونيابي لأن لا مصلحة للموارنة في إضعاف موقع رئاسة الجمهورية، للحؤول دون افساح المجال امام حصول خلل في علاقة المؤسسات الدستورية ببعضها. ويعتقد الفريق ذاته ان الشرط الوحيد لتغليب منطق الحوار على أي منطق يستمد حضوره من "استعراض القوة" يكمن في توفير اجواء الانفتاح المتبادل، كشرط لاستيعاب الجميع على قاعدة عدم وجود استحالة لتفكيك القوى التي تجمعت تحت عباءة بكركي، الى جانب التفكير ملياً في استرجاع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط الذي يدعو الى تصحيح العلاقة اللبنانية - السورية لكنه يختلف مع الآخرين الذين يذهبون بعيداً في طروحاتهم على هذا الصعيد، الى حدود المطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان تنفيذاً للقرار الدولي الرقم 520. ويشير هؤلاء الى أن جنبلاط لفت الى إعادة انتشار الجيش السوري ولم يطلب انسحاباً سورياً من لبنان، مؤكدين ان لا مصلحة له أو لدمشق في ان يخسر أحدهما الآخر بصرف النظر عن التأزيم الذي مرت فيه العلاقة وبدا حالياً يتراجع من خلال استئناف قنوات الحوار بعيداً عن الإعلام. وفي تقدير المراقبين، ان انكفاء بعض الوزراء والنواب المسيحيين عن الدخول كطرف في السجال السياسي اخلى الساحة للفريق المعارض في المطلق لسورية بدلاً من ان يشارك في النقاش ويسمع بكركي صوت الرأي الآخر. ليؤمن توازناً في عرض وجهات النظر. وعليه، يرى المراقبون، ان تعويم الدور الموكل الى الوزير السابق فؤاد بطرس، الذي يرفض ان يقال عنه انه يقوم بوساطة بين بكركي ودمشق، وبالتالي فهو يتحرك لوضع تصور أشمل لمستقبل العلاقة اللبنانية - السورية، يمكن ان يسهم في إعطاء الأولوية للحوار خصوصاً أن الجميع يدرك منذ الآن ان لرئاسة الجمهورية دوراً أساسياً لا يجوز تجاهله أو القفز فوقه، خلافاً لما يراود البعض ممن لا يعترفون بالتسوية السياسية المستمدة من اتفاق الطائف التي أصبحت الآن في حاجة الى تطوير في اتجاه تلافي الثغر الناجمة عن الممارسة.