كان أهالي مرتفعات الجولان المحتلة أمس على موعد آخر مع موسم "الهجرة إلى... الجنوب". يتوجهون إلى القنيطرة والقرى المجاورة لها لإلقاء نظرة عبر الاسلاك الشائكة على اقاربهم في الجانب الذي تحتله اسرائيل منذ العام 1967. يستغل كل عام نحو نصف مليون سوري عيد جلاء الانتداب الفرنسي عن أراضيهم الذي يصادف 17 نيسان ابريل لاطلاق العنان لمشاعرهم الوطنية ضد الاحتلال، ذلك أن هذا اليوم هو الوحيد الذي سمح فيه للسوريين بالتوجه الى الجولان من دون الحصول على موافقات رسمية مسبقة من السلطات الأمنية كما ينص اتفاق فك الاشتباك الذي أُبرم العام 1974بعد حرب تشرين الاول اكتوبر. النازحون من الجولان ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر. يجمعون أسرهم وأقاربهم واصدقاءهم وجيرانهم للقيام ب"سيران وطني" مسيرة من مخيمات النزوح المنتشرة في دمشق وباقي المدن السورية. يركبون الباصات والسارات والدراجات حاملين معهم الاعلام الوطنية ومكبرات الصوت... ويتوجهون جنوباً. في حرب ال 1967 احتلت اسرائىل 1250 كيلومتراً مربعاً من مجموع مساحة الجولان البالغة 1860 كليومتراً مربعاً. وفيما بقيت خمس قرى تحت الاحتلال تضم 20 الف مواطن، فان نحو 53 ألفاً نزحوا عن 157 قرية و167 مزرعة، وصاروا الآن اكثر من نصف مليون شخص يتوارثون زيارة معالم أراضيهم. يبدأ "السيران الوطني" منذ الصباح الباكر، وتتجه آلاف السيارات إلى القسم المحرر من القنيطرة للاقتراب الى الحد الاقصى من القسم المحتل والتلال العسكرية والامنية التي اقامتها اسرائىل بعد عبور نقاط التفتيش التابعة للشرطة السورية وقوات الأممالمتحدة البالغ عددها نحو 1250 جندياً. كل شيء على الطريق السريع بين دمشقوالقنيطرة نحو 60 كلم من بقايا مرحلة تمهيد الارض للسلام: "طريق السلام"، "قطّاعة السلام"، "منشرة السلام"... و"فروج السلام". وهي كانت تذكر الوافدين بالمفاوضات مع إسرائيل في السنوات الأخيرة والتي كادت أن تسفر عن اتفاق سلام، لكن الغلبة كانت لصوت الاغاني الوطنية الذي كان يعلو من مكبرات الصوت في الباصات... والمسجلات المحمولة في أيدي الشبان. في مدينة القنيطرة، يبدو المشهد غريباً ومتناقضاً: دمار كامل لغالبية البيوت، وهو على حاله منذ ارتكاب الاسرائىليين جريمتهم قبل الانسحاب منها في العام 1974. أما اهالي هذه البيوت، فان الكبار منهم يتفقدون المهدم منها والحدائقها التي تزدهر على رغم الدمار، فيما الصغار والشباب يقيمون حلقات الدبكة فوق أسطح المنازل المهدمة. استعداد هؤلاء الشبان لهذا اليوم الوطني، كان في مستوى عمرهم: صففوا شعرهم وحلقوا ماطلع من ذقونهم ووضعوا الروائح الطيبة... والسيجارة بين ايديهم. فتحوا صدورهم لتظهر صورة لفلسطين مذهّبة ولتبادل النظرات مع الفتيات اللواتي ارتدين "ملابس العيد" ومساحيق التجميل. لكن ظهيرة يوم الصغار والكبار واحدة: التجمع حول حلقة عائلية بين الأشجار لاعداد طعام "السيران"، واطلاق دخان المشاوي في سماء القنيطرة ليمتزج مع دخان الاراجيل التي انتشرت في كل مكان، بين الاشجار وعلى جوانب الطرقات... وداخل سيارات النقل الجماعية. ومن كان كسولاً في نقل الطعام، فان صغار الكسبة سهلوا عليه الامور، فنشروا اكشاكا متنقلة لبيع الشاورما والفلافل والتمر الهندي والعصائر الطازجة. لكن آخرين من "الزوار"، أخذوا مهم جبنة فرنسية وخبزاً باريسيا كطعام في القنيطرة المحررة لمناسبة جلاء الاستعمار الفرنسي. ولاينتهي هذا اليوم الجولاني بلا زيارة رسمية وشعبية ل"وادي الصراخ" في موقع عين التينة. حيث تجمع الآلاف لتبادل التحيات عبر الاسلاك الشائكة مع أهالي بلدة مجدل شمس، كبرى القرى المحتلة. عززت الدوريات الاسرائىلية وجودها حول مئات الأهالي الذين اقتربوا من الاسلاك لتقبل تحيات أقاربهم... وتبادل الوعد بأن "اللقاء قريب رغم انف شارون".