كان مصطفى يمشي الهوينى في شوارع القاهرة غير عابئ بشيء، بعد أن تأكد من أن مشاعره، هذه المرة، لم تخنه، وأن حب ناتاشا قد تمكن منه لدرجة أنه لا يزال يحس بطعمها في فمه، ويده، وأحضانه، على رغم أن اللقاء نفسه لم يستمر سوى ثوانٍ، لحظات، ابتسمت خلالها ناتاشا واقتربت منه، وقالت بعينيها الخضراوين، وهي تخلع وشاح الرقص عن جيدها المياس: "أووه... أنت". وظن للحظة أنها ربما كانت تقصد عزفه، لكنها حين أغمضت عينيها برمشها الأصفر، وهزت شعرها الأشقر، تأكد، بعد أن دق قلبه ودق، بأنه هو الذي كان مقصوداً لذاته، ربما يكون عزفه قد سحرها، أخذ بلبها، لكنه كان فقط مجرد مدخل الى... ماذا يقول مصطفى العاشق الآن وهو يمشي في المدينة؟ كان قد وصل الى الكورنيش، وتطلع الى العشاق المتعانقين على الرصيف، وفي القوارب المتهادية على سطح النيل، وقال إنها ربما هي فكرة ان يدعو ناتاشا الى النزول الى النيل، يسبحان معاً عكس التيار، أو يكتفيان بإنزال أقدامهما الى الماء، وهما يجلسان على النجيل، في تلك البقعة الناتئة من الحديقة، والأولاد يلعبون خلفهما في يوم صافٍ. لكنه أحس بما جعله يشعر وكأن قلبه قد خُطف، لم يجد آلته في يده، على رغم أنه كان متأكداً من أنه حملها معه قبل الخروج من قاعة الاوبرا. ماذا يفعل مصطفى الآن وهو يمشي في المدينة؟ كان مصطفى قد أحس بحزن شديد، وأن الأقدار ربما، بدأت تلعب ضده لعبة غير متكافئة، وأنه وإن كان قد تأكد دوماً من أن ذاكرته لم تخنه يوماً، إلا أنه كان - الآن متأكداً من أن آلته ليست معه، وأنه ربما قد يكون نسيها في مكان آخر، وربما انزلقت من بين يديه، وأنه ربما يكون قد فقدها الى الأبد، وأن ذلك ربما يكون مقصوداً حتى ينشغل عن التفكير في ناتاشا، وأنه، على رغم المشي الى الأمام، إلا أنه نظر بغضب الى المدينة. قال مصطفى إن تشوش فكره قد يكون بسبب أنه لم يأكل منذ الصباح، وأنه بمجرد أن تمتلئ معدته فإنه سيعود الى حاله الطبيعية، وأن عليه ان يقاوم كل شيء، وأن يمشي ويمشي حتى يصل الى بيته، وأن عليه حتى أن ينسى أمر آلته، وأن عليه الآن أن يستعيد صورتها هي وحدها، لا يرى شيئاً آخر: إنها ترقص الآن أمامه في وشاحها الخفيف، وهو يعزف خلفها بكل روحه حتى لم يعد يرى أحداً غيرها في المدينة. * كاتب مصري.