لأنه كان قد مر بتجارب مريرة، لم يكن يتصور أنه بالإمكان أن يعيش هذه اللحظات التي ظن انها انتهت من العالم، لم يكن يصدق أن ما يهزه الآن هو محض ما يسمونه الحب. هكذا، بهذه البساطة، وهو عائد من لقائها يحس ان روحه ترفرف بعيداً، وأنه سعيد، سعيد حقاً، وأن هذا هو الحب بالفعل، وأنه، حين قال لها وهما يجلسان في الكازينو المطل على النيل، إن ما قالته عن أن هذا الشيء قد انتهى من العالم هو أمر سخيف، وأن هذه الحال موجودة. وعلى رغم أنها ضحكت، وبان أنها ربما تكون تسخر منه، وأنها ربما تكون قد قالت في نفسها انه شاب ساذج، إلا أنه ذلك بالفعل، ها هو يمشي الآن خفيفاً، وأنه سعيد بالفعل، وأن ما كان يسخر هو نفسه منه، ومن الاغاني، ومن عبدالحليم حافظ، ومن محمد فوزي، وحتى ليلى مراد، وكل ذلك، إنما هو شيء حقيقي أحسه اليوم، بل أمس أيضاً، حين أمسك بيديها، ونظر في عينيها، وأنه في الامكان ان يقول ذلك حتى لو ظنت أن ذلك محض هراء. دخل البيت ولم يحس بشيء إلا وهو في هذه الحال التي لا يريد أن يقول عنها... أو من هذا القبيل، بل إنه استلقى على الفراش، ورأى القمر، وسمع صوتاً يقول: تعال في الليل الى نافذتي. هي أيضاً لأنها كانت اصيبت بجرح وجرح وجرح واستمعت الى كلام الناس من أن ذلك العصر قد انتهى. آمنت بذلك، وجادلت فيه، وأكدت له ذلك اليوم، على رغم أنها كانت تحس بغير ذلك، وبأن هذا الحب هناك، يرفرف في قلبها من الداخل، وأن ما قالته له ونفت ونفت ونفت ما هو إلا كلام من وراء قلبها الذي كان بالفعل قد تحرك بعد طول تعب. إنها الآن وهي عائدة من اللقاء كانت تحس بذلك، وأنها حين جادلته لم تكن في حالها الطبيعية، وأنها كانت تقول كلاماً لا تحسه، وأنه، هو، كان على طبيعته اكثر، وانها حين تلتقيه في الغد، فإنها ستحاول أن تكون على طبيعتها، حتى لو كان الخوف لا يزال في نفسها، من صدمة أو جرح. لكنها ستقول وتخالف ما رددته مراراً وتكراراً هي وصديقاتها، بل وبنات جيلها كلهن، ستقول ذلك وستقول له إنه قيس، لا، بل، لأنها هي ليلى، وأنها ربما استطاعت ان تقوم بدور في الفيلم الشهير "أغلى من حياتي" الذي نادت فيه البطلة: "آااحمااااد" ونادى البطل: "لا - ي - لا"، وأنها لن تنام اليوم طويلاً لأنها تشعر بالذنب من أنها نفت أن يكون ذلك الشعور لا يزال في هذا العالم. ها هو الموعد قد جاء، وعليه أن يضبط احاسيسه بالشكل الذي لا يجعل منه، أو بالاحرى، لا يجعلها تفهم أنه، ربما، من أولئك الشبان الذين يمرون بالتجربة للمرة الأولى، وأنه، من الممكن أن يكون مثلها، ويردد ما تقوله الصحف، ومذيعات التلفزيون نصف العاريات، وهن يسألن الممثلين والممثلات عن نهاية عصر تلك المشاعر، وأنه في إمكانه أن يكون جافاً، وأن ذلك الذي يحسه يمكن أن يكون شيئاً خاصاً به وحده، وأنه ليس من الضروري أن يصرح لها، الآن على الاقل، وهما في بداية شعلة الغرام، بكل تلك المشاعر، وأنه في إمكانه أن ينتظر شهوراً عدة اخرى، ويتجاهل أنه اصبح في سنواته الاخيرة أكثر احساساً بمرور الزمن والأيام، وأنه لا بد من أن يضبط مشاعره، ويظهر في هيئة شاب من أولئك الشبان الذين ينكرون هذه المشاعر ويقولون إن هذا العصر قد انتهى، وأنه لا بد من أن يكون الشاب المعاصر من هذا النوع البارد، ولكنه حين رأى وجهها الجميل، لم يستطع أن يكتم مشاعره وقال لها: أنت كالقمر. نزلت للقاء من دون أن تحس بالوقت الطويل الذي قضته وهي تزين نفسها، لكنها لاحظت ذلك في فاترينة محل الملابس، وانتظرت حتى وصلت الى الكازينو، وتأكدت من أنها كانت لهفى، وأنه، قالت في نفسها، ما كان يجب ان احضر للكازينو قبل الموعد بعشر دقائق، لكنها اخرجت المرآة الصغيرة من حقيبتها، ورأت انها قد زينت نفسها زينة لا يمكن ان تكون قد فعلتها إلا وهي تحت تأثير تلك المشاعر التي قالت إنها لا بد من أن تصر على إنكارها أمامه، حتى لو كان صدرها يهتز، ويدها تعرق، وعيناها تتيهان، ويكاد الاغماء يصيبها بالسقوط. لكنها ما ان رأته حتى تأكدت من أن الحياة تمضي ببطء شديد، وأنه لا بد من أن تتمسك بموقف الإنكار الذي مارسته طويلاً حتى لايفلت منها، وأنها هي هكذا تكون قد احسنت السلوك، لأنها تعلمت، لا فقط من أمها وخالتها، بل من كل النساء اللائي عرفتهن، ان على الفتاة أن تخفي مشاعرها، لا، بل تلعب لعبة الضحية، لأن الرجل بطبيعته صياد يحب الايقاع بالضحية، وأنه لا بد من الاستمرار في هذه اللعبة، وأنه إذا ما احس بأن الصيد سهل فإنه سيهرب، لكنها لم تستطع التغلب على انفعالاتها حين قال لها أنت كالقمر، فسقطت المرآة من يدها. * كاتب مصري.