أظهرت أمسية لجمع التبرعات أقامتها "مؤسسة التعاون" في فندق "انتركونتيننتال" في لندن أخيراً، وتهدف الى جمع المال لمساعدة 356 ألف فلسطيني لاجىء في لبنان، الدور الفاعل الذي تؤديه الموسيقى والأغنيات واللباس التقليدي في استعادة الفلسطينيين جذورهم، وفي تواصلهم حول العالم. كذلك تُوفر الموسيقى واللباس استمرارية بين الأجيال، كما بدا في "عرض الأزياء والتراث" الذي قدمت من خلاله 13 شابة عربية، فلسطينية ومن جنسيات أخرى، مقيمات في لندن، لباساً تقليدياً ورقصن وأدّين أغنيات. وقامت بالإنتاج وبإعداد الرقصات لعرض الأزياء والتراث الفنانة والمغنّية الفلسطينية ريم يوسف الكيلاني، بطلب من ريم خالد أبو السعود التي أشرفت على تنظيم أمسية جمع التبرعات بدعم من لجنة ضمّت 7 أشخاص. نشأت ريم الكيلاني في الكويت، وأقامت في لندن خلال السنوات العشر الماضية. ويشكّل عرض الأزياء والتراث تتويجاً لأسابيع عدة من التمارين التي أجرتها الكيلاني مع الشابات اللواتي وجدن الوقت لإجراء التمارين على رغم أن غالبيتهن يواجهن ضغط الامتحانات الثانوية والجامعية هذا الصيف. وتخطط "مؤسسة التعاون" حالياً لبيع نسخ من الحدث على الفيديو، وهي نسخ نفيسة للملابس والأغنيات والرقص والثقافة. وشدّدت ريم الكيلاني على "أننا لسنا شعباً يبكي فقط... بل يضحك أيضاً". وبينما عكس بعض أغنياتها مآسي الفلسطينيين، بدا البعض الآخر أكثر سلاسة وطرافة. ورافق المدعوّون الخمسمئة الموسيقى بالغناء، بالتصفيق والصفير خلال "عرض الأزياء والتراث"، والغناء المنفرد الذي أدّته ريم قبل العرض يرافقها عازف البيانو هادي عيسى. العديد من النساء المدعوّات ارتدين لباسهن الفلسطيني التقليدي، وبعضهن حصلن عليه من أمهاتهن. وعند انتهاء عرض الأزياء، شارك المدعوّون ريم في أداء قوي لأغنية "موطني" التي كتب كلماتها ابراهيم طوقان ولحّنها "الاخوان فليفل". ارتدت نادين عكاوي، وهي طالبة تبلغ 21 عاماً وتُنهي دراسة القانون في "كينغز كوليدج" في لندن، ثوباً من بيت حنينه في القدس، فيما عرضت شقيقتها تالا التي تبلغ 14 عاماً ثوباً من الناصرة. والدة هاتين الفتاتين عراقية ووالدهما لبناني تتحدر والدته من يافا. وقالت نادين انه كان من المثير حقاً للفتيات المشاركات في العرض أن يكتشفن خلال الأمسية أن أهاليهن يحفظون كل الأغنيات التي حفظنها لتقديمها في العرض كانت ريم أصدرت تعليمات صارمة للفتيات بالإبقاء على سرّية البرنامج المعدّ كي يحتفظ بطابع المفاجأة خلال الأمسية. وتعتقد نادين بأن أهالي الفتيات كانوا فخورين ومسرورين بأن تساعد بناتهم الفلسطينيين من خلال المشاركة في عرض الأزياء، وأن الأهالي أُعْجِبوا بالعرض لرؤية الفتيات يؤدين الأغنيات، وما قامت به ريم لاستخلاص الأفضل من الفتيات. وكانت "مؤسسة التعاون" دعت عازف البيانو هادي عيسى 23 عاماً من بيروت لمرافقة ريم وهي تغني، وكانت تعرفت اليه خلال رحلة لها الى بيروت قبل أشهر عدة. ويتابع هادي دراسة التأليف الموسيقي وعلم الموسيقى في جامعة الروح القدس في الكسليك، وقد أثبت أنه عازف ممتاز على البيانو، يتمتّع بحسّ ومخيلة مرهفين وبموهبة وإطلاع واسعين في الموسيقى الشرقية والغربية على حد سواء. في بداية برنامج الأمسية، أدّت ريم الكيلاني وهادي عيسى ثلاث أغنيات: الاولى مرثاة للعودة كلمات موسى شعيب وألحان مرسيل خليفة، أسَرَتْ الجمهور بصوت ريم الشجيّ الذي يجمع القوة والإحساس والعاطفة، ومرافقة هادي في الارتجال والتأمّل على مقام الحجاز. الأغنية الثانية كانت "هلا لا لا ليا" التراثية التي ضمّن هادي مقدمتها بعض المقاطع الاستذكارية من الدبوسية. وفيما كان يُعطي النغمة الصحيحة، وتبدأ ريم بالغناء والضرب على الرّق، كان الحاضرون يشاركون من فورهم بالتصفيق. وأهدت ريم الأغنية الى سيّد درويش. أما الأغنية الثالثة فكانت "سنرجع يوماً" لفيروز، وقد أهدتها الى الفلسطينيين في مخيّمات اللاجئين في لبنان،. وأدخل هادي عزفاً ارتجالياً استذكارياً لشوبان في مرافقته لها. وأعارت مهى بركات، الخبيرة المعروفة في التراث الفلسطيني، أثواباً من مجموعتها لتقديمها في عرض الأزياء والتراث الذي بدأ لاحقاً في الأمسية. وكانت مهى بركات، التي تملك محلاً في لندن يحمل اسم "دار الأقصى"، أشرفت على تنظيم العديد من العروض في أوروبا والولايات المتحدة، وساهمت في إعداد الكثير من الأفلام حول الثقافة الفلسطينية. وتقول ريم الكيلاني ان "مهى علّمتني الكثير حول الأثواب، وهي لا تبخل قطّ بمشاركة الآخرين معرفتها". والأثواب الثلاثة عشر التي أعارتها للعرض كانت كلها أصلية وليست نسخاً مُقلدة، ومعظمها يعود تاريخ صنعه الى القرن الماضي. وتشير نادين عكاوي الى "أنها كانت أثواباً رائعة، كل منها يحمل شيئاً مميزاً". وكانت هناك أَشكال ملونة رائعة من الأثواب من جميع أنحاء فلسطين، وبعضها فساتين زفاف. وارتدت الفتيات مع الأثواب أغطية مناسبة للرأس وأحزمة، وحملن اوعية ملائمة لها. وعليه، فان تمارا حسن التي عرضت ثوباً صيفياً من رام الله ومي الأنصاري التي عرضت ثوباً مخملياً شتوياً أسود اللون من المدينة نفسها، حملت كل منهما ابريق ماء من الفخار على كتفيهما. وحملت دنيا الفاروقي، التي ارتدت ثوباً أبيض اللون من بيت دجن قرب يافا، سلّة من البرتقال وأوراق الليمون. فيما حملت ناتالي زيكانوف وهي عراقية - روسية، التي ارتدت ثوباً أسود اللون، سلّة من الليمون الحامض وأوراق الليمون. وشكّل العرض فرصة لإبلاغ المدعوين بالمشاريع المختلفة التي تقوم بها "مؤسسة التعاون" في تلك الأماكن. ففي حين كانت احدى الفتيات تعرض ثوباً من مدينة أو بلدة محدّدة، كان زوج ريم كريس سومس - تشارلتون يذكر على الميكروفون المشاريع التي تقوم "مؤسسة التعاون" بدعمها في تلك المدن أو البلدات. ويهدف العديد من المشاريع الى الإسهام في تعليم الأطفال، ومساعدة الأطفال المعاقين، والتدريب المهني. وتواصل "مؤسسة التعاون" في القدس دعم العمل المتفاني للمنظمات الفلسطينية غير الحكومية. وخلال عرض التراث، رافق هادي في عزفه على الكيبورد الشرقي عازف الدربكّة اللبناني المعروف روني برّاك. وقدّمت ريم العرض بموّال حول المدن الفلسطينية وما تشتهر به كزيتون الضفة الغربية مثلاً، وصابون نابلس، وليمون يافا، وتفاح الناصرة، وذلك لإدخال المدعوين في الجوّ. واكتشفت ريم، خلال الأبحاث التي قامت بها استعداداً لعرض الأزياء، أغنيات خاصة بكلّ مدينة ومعها أيضا في معظم الاحيان خطوات راقصة. وكانت صبّية الميّاسي أول من اعتلى المسرح، مرتدية ثوب زفاف من بيت لحيا في غزة، وحاملة سلّة، فيما أدّت ريم قصيدة شهيرة عن الانتفاضة يقول مطلعها "من غزة انطلقت أول شرارة"، أتبعتها بأغنية "تحت هودجها". ثم عرضت لينا سامي، وهي فتاة عراقية، فستان زفاف من بئر السبع مع قبّعة وطرحة سوداء، فيما أدت ريم احدى أغنيات الضيافة في بئر السبع. وقدّمت لينا عرضاً رائعاً لرقصة السيف. وفيما كانت الفتيات يعرضن الأزياء أو يرقصن على المسرح فرادى أو مثنى، كُنّ ينضممن الى الفتيات اللواتي سبق واعتلين المسرح، في صفّ مستقيم وهن يتمايلن على أنغام الموسيقى. ولدى مرور أولغا ابردين مرتدية ثوباً من الخليل وحاملة سلة من العنب، أدّت ريم أغنية كان سكان الخليل يرددونها لدى عبورهم باب الخليل في القدس. وقبيل مرور الفتاتين اللتين ارتدتا ثوبين من بيت دجن قرب يافا، أدّت ريم دلعونا قديمة حول هزيمة المنشية العام 1948. وقبل مرور تالا عكاوي في ثوب من الناصرة مسقط رأس والدة ريم، أدّت ريم دلعونا خاصة أهدتها الى جميع سكان الناصرة مسلمين ومسيحيين. ريم شرحت أنها حاولت التركيز على الإيقاع الديني في الأغنيات ما أمكن. ثم أدّت أغنية تقليدية جداً حول الناصرة. تالا عكاوي حملت وشاحاً في يد وصاجاً في اليد الأخرى، وأدّت عرضاً ساحراً لرقصة اعتادت ريم رؤية جدّتها لأمها ونسوة أخريات يؤدينها، يُطلق عليها اسم "رقصة الهوانم". ثم أدت ريم أغنية من نابلس تقول "عالصالحية ويا صالحة، يا جبنة طريّة ويا مالحة". وارتدت نور عبدو ثوب "الجنة والنار" من نابلس يُزَيّنه حزام ملوّن، فيما أدّت ريم أغنية حول "الكنافة بالجبن". وارتدت فرح بيزاري "ثوب الملاك" من بيت لحم وحملت شمعتين كنسيتين، فيما أدّت ريم أغنية ترددها الأمهات لأولادهن. وارتأت ريم تجسيد القدس كعروس فلسطين في الجزء الأخير من العرض، فحملت هبة عبدو في ثوبها من لفتا ونادين عكاوي في ثوبها من بيت حنينه هدايا زفاف، فيما أدّت ريم أغنية تُردد تقليدياً قُبيل وصول العروس. ثم وصلت العروس نفسها، نورا النشاشيبي، وهي ترتدي فستان زفاف ساحراً من القدس، وتضع أربعة خواتم من الشمع مشتعلة في أصابع اليد اليمنى، وتُمسك بمنديل زفاف في اليد اليسرى. وأدّت نورا رقصة رشيقة أمام صفّ الفتيات، قامت بعدها ريم بتقديمها وتقديم كل فتاة على حدة للجمهور الذي تفاعل مع العرض بموجة تصفيق وهتاف. ويسهل بالتالي التكهّن بأن العديد منهم متلهفون لشراء الفيديو الخاص بالعرض من "مؤسسة التعاون" مما يتيح لهم استعادة التجربة المثيرة لعرض الأزياء الفلسطيني.