في العام 1895 انتقل الشيخ ابراهيم اليازجي من بيروت الى القاهرة، وأنشأ في العام نفسه صحيفة "البيان" التي لم تستمر لأكثر من سنة واحدة، ثم أنشأ في القاهرة ايضاً صحيفة أخرى اطلق عليها اسم "الضياء" في العام 1898، ونشر فيها مقالات في "لغة الجرائد"، وجمعها في كتاب صدر في 1901. وعن الكتاب، وكتيب "إصلاح الفاسد من لغة الجرائد" لسليم الجندي والصادر في دمشق في 1935، قدم نائب رئيس "مجمع اللغة العربية" في دمشق إحسان النص، بحثاً الى مؤتمر الدورة ال67 لمجمع اللغة العربية في القاهرة. بدأ البحث بتقديم نبذة عن الشيخ ابراهيم بن ناصيف بن عبدالله اليازجي الذي ينتمي الى اسرة مسيحية من اصل حمصي، ووُلد في بيروت سنة 1847، وأخذ علوم العربية عن أبيه فأحكمها، وحفظ القرآن منذ صباه وقرأ الفقه الحنفي على الشيخ محيي الدين اليافي. ويضيف النص أن زاد الشيخ ابراهيم اليازجي من شتى فنون الثقافة العربية خصباً، فإلى جانب تعمقه في اللغة العربية، أتقن الفرنسية والانكليزية، وأخذ بطرف من اللغة الالمانية، وأجاد الى ذلك اللغتين العبرية والسريانية. ومنذ عهد مبكر اجتذبت اليازجي مهنة الصحافة فتولى تحرير صحيفة "النجاح" في 1872. وفي 1884 تولى إدارة مجلة "الطبيب" وهو الذي أطلق عليها لفظ مجلة، فشاع منذ ذلك الحين استعمال لفظ المجلة ليدل على الدورية التي تصدر تباعاً. وما ذكره اليازجي في كتابه "لغة الجرائد" من أخطاء لا تزال شائعة حتى اليوم في وسائل الإعلام القول: "هذا الأمر قاصر على كذا"، والصواب "مقصور على كذا"، واستخدم الفعل "اقتصد" بمعنى وفّر، في حين ان معناه اعتدل وتوسّط، والفعل "احتار" بدلاً من حار أو تحيّر. ويقول النص إن سليم الجندي، وكان من أبرز علماء الشام، وقف على كتاب "لغة الجرائد" فكتب مقالات في صحيفة "الفيحاء" في بيان الاخطاء التي وقع فيها اليازجي، جعل عنوانها "إصلاح الفاسد في لغة الجرائد". ويضيف أنه لما انبرى قسطاكي الحمصي للرد على الجندي انتصاراً لليازجي، ردّ الثاني بأن جمع تلك المقالات في كتيب يحمل العنوان نفسه ونشره في 1935. وكان ما أخذه الجندي على اليازجي قوله في الصفحة الثانية: "الأفعال الغير المتصرفة"، موضحاً أن إدخال "ال" على "غير" لا يجوزه، والصواب ان يقول: "الافعال غير المتصرفة". وأخذ عليه كذلك استعمال لفظ "مشاهير" جمعاً ل"مشهور" وهذا خطأ لأن صيغة "مفعول" لا تُجمع جمع تكسير، كما صرّح العالمان ابن الحاجب والصبّان، والصواب جمعه جمع مذكر سالم: "مشهورون". ومما استوقف الجندي كذلك، ما ذهب اليه اليازجي من أن لفظ "البطن" لا يكون إلا مذكراً، فأورد ما جاء في "التاج" في مادة "بطن" وهو: وحكى ابو حاتم عن أبي عبيدة ان تأنيثه لغة. ويختتم النص بحثه بالقول إن ما قاله الجندي صحيح في الجملة، ولكن ما أخذه على اليازجي من هنّات لا يقدح في عمل اليازجي، فقد أصلح الكثير من أخطاء الكتّاب في الجرائد والصحف، وكان من اوائل من نهضوا بعبء إصلاح لغة الجرائد، وكانت، عصرئذ، أوسع وسائل الإعلام انتشاراً وأعظمها أثراً في لغة الناس، فله عظيم الفضل في نهوضه بهذا الامر، وأكثر ما ذكره ما زلنا نراه اليوم شائعاً في ما يُكتب في الصحف والمجلات وما يُلقى من محاضرات وما يذاع في الاذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام.