في عصر العولمة يبدو المتمسك بفردية هويته كالقابض على نصل ذي حدين، والمتمسك بإنسانيته كالصارخ في حشد من الصم. وأن تكون شاعراً ذا لغة تنفذ الى ذاتك وذات الآخرين يعني رسوخك طفلاً تطالب بحرية الإحساس والتعبير وتجميد عقوبات النضج والانتماء. جميل إذن في هذا العصر المتضارب الرؤى، حين لا يتفق اثنان، حتى في محيط حميم، على ما يعنيه الانتماء أو ما نعني بالشعر، جميل ان يعلن الشعراء انتماءً جوهرياً موحداً بتدفق الشعر في عروقهم كما تحسه الأرض كل ربيع أزلياً، خالداً. هكذا أعلن في نيسان ربيع كوني يلتقي فيه الشعراء ويتحاورون عبر اختلاف الحضارات عن جوهرية الإحساس الشعري. لكأن الشعراء في العالم كله هبوا هذا العام يؤكدون حيوية تفاعلهم مع الحياة والربيع الدافئ ليدفعوا التهمة المستشرية بأن الشعر قد مات وأعلنت وفاته. وفي زمن الرواية واختلاط الأجناس الأدبية يحق لنا ان نتساءل ما هي حقيقة الشعر والشعرية؟ أقول لم يمت الشعر... وإن كاد ان يدفن حياً. بين 20 و22 نيسان/ ابريل يعقد المركز العربي السويسري في زيورخ مهرجان المتنبي للشعر ليلتقي الشعراء والنقاد والدارسون للشعر والمترجمون، عرباً وأوروبيين. دعوةُ المشاركة حملت ليس نيسانَ والشعرَ وفرحة ربيعية يصطخب لها القلب ولا يعرف لذة أصدائها إلا الشعراء ومحبو الشعر. والشكر للأخ علي الشلاه على جهوده التنظيمية. اللغة وتفاصيلها لا تفصل شعراء الأرض حين يجمعهم الشعر أرواحاً. جاؤوا وجنسياتهم من مختلف بقاع الأرض ليتصافحوا عبر فواصل اللغات في لبنان، ومصر وسورية والخليج وأوروبا. وكما خلق الله كل الأراضي، وسمح بكل اللغات جعل الشعر ناتجاً إنسانياً يجسد المشاعر المشتركة: هذا الصباح المطير/يخاتلني سرُّه جذوة في بخور يجاهر بالكون... ينقله ومضة من أثير يخالسني لهفتي/ ويعيد التباسات كل النهايات كل البدايات... كل التواشيح/كل الصدى المتحجِّر في القوقعة * سأفعل بعض الحماقات...!/أعتق شلال شعري من ديدبان الحرير وأجري على ساحلٍ من بهاء الطفولة حافية قدماي/لأترك وشم خطاي/يوشوشه المدُّ... يرتدُّ: "كانت هنا...! وتجيء مع المطر الموسمي...!" * سآتي إذن/مثلما الريح تفرض لا وجهة تستبدُ... ولا وجهة تتحدّد.../سأسمح للريح ان تتعابث والخصلات وأن تلسع اللّون في وجنتي/وأن تتوثب باسمي، وأسماء رفقة حلمي وحين يردده الأقحوان بلهفته سأجرؤ أن أسمعه * ووعوداً ومجالاً/همسات الكون عن سر الخلود منذ إذ خالجني فيك صدى أوتار ديلمن يرتدي بحّة صوتي يتعالى/كنتِ خفقَ القلب مشدوهاً بألحان الوجود وارتداد البصر المسحور في أفق بعيد كنتِ، ما زلتِ، وتبقين،/ صدى ضحكةِ أمي وهجَ الصدر الذي دثّرني الحبّ ظلالاً وتهجّى لي تاريخي وأوحى لي خيالاتي/وجلاّ ليَ صوتي * آه يا أماه... يا أماه يا بحرين يا بحرٌ من الشوق... وبحرٌ من تباريح اللقاء أنت في القلب وفي النسغ وفي العين احتشادات بموج الوجد، والملح انتماء وارتواء أنا من فيضك يا سيّدة الأوطان ينبوعُ نقاء/سلسبيل إذ يؤاخي الملح يغدو نفثات للبقاء وجذوري فيه تمتد لأسطورة ديلمن آه ما أجمل أن نحتمل الخفق احتفالاً بانتشاء الرمل بالماء/انبثاق اللؤلؤ الحي... اختلاجات التكوّن * * رملك الناصع يا بحرين ذكرى/خطوات الطفلة النشوى على شط أمان والمدى أفقٌ ودان/ ذلك البدء الذي يبقى صهيلاً في عروقي، وتفاصيل انتماء/ليظل الماء لا ندَّ له عند النداء كبروق الابتداء/كوثرٌ؟ يأتي مكاناً وزماناً وخيالاً وكيان.