المافيا الاسرائيلية في روسيا مختصة بتهريب اللوحات النادرة والايقونات والاحجار الكريمة و... "البضاعة الحية". وتتمثل هذه البضاعة في ألوف الشابات اللواتي يجري "تصديرهن" سنوياً للعمل تحت مسميات مختلفة في دور البغاء. وليست اسرائيل وحدها من يستورد هذه البضاعة اذ يمتد نشاط تجارها ليصل الى اسواق لبنان والأردن ومصر والامارات وغيرها من دول المنطقة. واذا كانت روسيا تعد مركزاً لتصدير الرساميل والثروات الطبيعية والعقول فإن "الرقيق الابيض" دخل بورصة صادراتها بعد ان بات يوفر ارباحاً للقائمين عليه. في آب أغسطس الماضي كان عدد من الشابات في مدينة كراسندار تراوح اعمارهن بين 18 و25 سنة في اوج سعادتهن بعد ان حصلن على عقود عمل، كموظفات خدمة الغرف في فنادق ايلات وأخبرتهن الشركة "بريئة المظهر" انهن سيسافرن الى اسرائيل عبر الاراضي المصرية، وبالفعل وصلت الفتيات الى مدينة الغردقة بتأشيرات سياحية حيث تحرك موكبهن الى الحدود الاسرائيلية وبقين هناك عدة ايام في رعاية بعض بدو المنطقة وصل بعدها "فريق الاستقبال" الذي قاد الفتيات عبر رحلة طويلة تم خلالها جمع جميع الاوراق الثبوتية منهن وفي نهاية الرحلة تلا احد المستقبلين "بياناً" فحواه ان الفتيات ادخلن الى اسرائىل بطريقة غير قانونية وعليهن الالتزام حرفياً بتعليماته محذراً من اللجوء الى الاجهزة الامنية. وبدأ على الفور الاعداد لتسلم "الوظيفة" التي بات من المؤكد انها لا تمت الى خدمة الغرف في الفنادق بصلة. ولم يطل الوقت حتى تم توزيع الفتيات على عدد من صالونات "المساج" والنوادي الليلية. وبعد اشهر وجيزة على هذه العملية تمكنت الكسندرا من العودة الى روسيا إثر مغامرة شبيهة بتفاصيل الافلام البوليسية اذ انها استطاعت بمساعدة احد زبائنها الاتصال بصحافي اسرائيلي من اصل روسي وقام الاخير بالاتفاق مع القنصلية الروسية في تل ابيب التي سهلت عودتها الى موسكو. تقول الكسندرا ان سيل الفتيات الروسيات ما زال يتدفق الى اسرائيل حيث يحتاج "السوق" الى دماء جديدة باستمرار وتؤكد انهن يعشن هناك حياة اشبه بالسجن اذ يمنع الخروج للتجول او التسوق الا بمرافقة حرس وتتعرض الفتيات لعقوبات مادية وجسدية عنيفة في حال مخالفة الاوامر. ويتراوح دخل الفتاة في الليلة الواحدة بين 500 و600 دولار لكنها تحصل على اقل من 10 في المئة من هذا المبلغ فيما يذهب الباقي الى "صاحب الشغل". ويتكرر هذا السيناريو في الكثير من الدول الأخرى اذ قالت تاتيانا 24 سنة ل"الحياة" انها امضت شهرين في العاصمة اللبنانية التي وصلت اليها للعمل ضمن فرقة راقصة ولم تلبث ان اكتشفت ان مهمتها تتجاوز تقديم وصلة الرقص. ولم يختلف حديث ناتاشا 22 سنة كثيراً اذ قالت انها حصلت على فرصة عمل في الاردن لكنها فوجئت فور وصولها بأن عملها سيكون في الملاهي الليلية، وخضعت للأمر الواقع بعد تعرضها مرات للضرب المبرح وكذلك تحت ضغط الحاجة المادية لكنها عاشت فترتها الأولى في قلق بسبب "مصادرة" جواز سفرها وانتهاء فترة اقامتها ولم تلبث ان اعتادت، مشيرة الى انها تقضي "اجازة" الآن ستعود بعدها لمواصلة عملها مع حلول موسم الصيف. وحول الفرق بين ممارسة "المهنة" في روسيا او خارجها قالت ناتاشا "ان الفرق في المكسب المادي لا يكاد يذكر لكنها في روسيا قد تتعرض لمنافسة شديدة فيما هي هناك "عملة نادرة". وبدأت هذه التجارة تلقى اهتمام المافيا بعد ان ايقنت انها تدر دخلاً يوازي تجارة المخدرات او السلاح. واذا كان اصحاب التخصصات النادرة يجدون مكاناً لهم في الغرب فإن "فراشات الليل" يلاقين الاهتمام في بلدان الشرق الاوسط وجنوب شرق آسيا فيما وصلت بعض المحظوظات منهن الى اليابان. وتتميز تجارة "الرقيق الأبيض" ان لها سوقاً لا ينضب وتشكل الفتيات الروسيات حالاً مثالية لهذه التجارة اذ مع الاوضاع الاقتصادية السيئة يلقى الاعلان عن وظيفة في الخارج اهتماماً من اعداد كبيرة من الفتيات. وغالباً ما تجعل الشابات الروسيات اللغات الاجنبية وتبدو معرفتهن بالقوانين الدولية او حتى قوانين الدولة التي يتوجهن للعمل فيها معدومة ويمكن القول انهن لا يعرفن حتى القانون الروسي بالقدر الكافي ما يجعلهن هدفاً سهلاً لهذه التجارة الذي يتسع مداها الجغرافي ليشمل جميع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وتؤكد شهادات من عدد من الفتيات انهن التقين العشرات من اوكرانياوروسيا البيضاء ومولدافيا وكازاخستان وغيرها. وتتبع المافيات اساليب مختلفة للايقاع بالفتيات ويكون ابسطها عبر الاعلان في الصحف عن فرصة عمل مجزية خارج البلاد وعادة تكون الشركة صاحبة الاعلان وهمية وتقتصر مهمتها على ارسال مجموعات عدة من الشابات ثم تختفي لتظهر في موقع آخر باسم جديد، كما يتبع اسلوب آخر عبر "سمسار" قد يكون موظفاً في فندق او شركة سياحة او "غارسوناً" في مطعم او حتى موظفاً في القطارات بين المدن التي تكثر فيها القرويات اللاجئات الى المدن الكبرى بحثاً عن فرصة عمل. ومهمة هذا السمسار التقاط "البضاعة" ومعاينتها واغرائها بالمكسب الوفير ثم بعد ذلك الاتصال برقم نقال يحفظه جيداً حيث تنتهي مهمته التي يتقاضى عليها مبلغاً قد يصل الى 2000 دولار على "الرأس الواحد". ولا يشكل هذا مبلغاً كبيراً بالنسبة ل"الكبار" اذ ان الارباح المتوقعة ل"رب العمل" الجديد بحسب تقديرات المتابعين لنشاط هذه المافيات في روسيا تصل الى 100 ألف دولار سنوياً كربح صاف على كل فتاة، اما الدخل الاجمالي لمافيا "فراشات الليل" فيصل الى زهاء 13 بليون دولار سنوياً وهذا الرقم يكفي ليتحدث عن نفسه. وقالت ل"الحياة" يلينا 27 سنة وهي مختصة ب"اسقاط" الفتيات انها لا تفضل التعامل مع محترفات لأن متطلباتهن كثيرة كما ان "التعامل" معهن سيكون اصعب، مشيرة الى ان البداية لا تكون سهلة ولكن الغالبية العظمى من الفتيات يعتدن سريعاً على هذه الحياة، وتشير الى ان غياب القوانين التي تسمح بممارسة هذه المهنة في روسيا يدفع الى التوجه الى خارج البلاد اضافة الى تفاقم الصعوبات المعيشية. ويذكر ان التشريعات الروسية لا تملك الآليات اللازمة لمحاربة هذا النشاط اذ لا يوجد قانون يمنع سفر فتاة بحثاً عن عمل. ويتركز نشاط الاجهزة الامنية الروسية على التدقيق في صحة الاوراق الثبوتية وحتى عند حدوث مخالفة فإن الفتاة نفسها تتعرض للملاحقة وليس "صاحب العمل"، وقد ذكرت صحيفة "فيرسيا" ان اسرائىل طردت اخيراً شابة روسية بسبب انتهاء مدة اقامتها لكن المفاجأة كانت في موسكو عند التدقيق بأوراقها الثبوتية اذ ثبت ان ايرينا مايساك وهذا اسمها في جواز السفر لم تغادر بلدتها قرب موسكو طوال حياتها وما زالت تعيش فيها حتى الآن لكنها فقدت قبل اشهر بطاقة هويتها التي وجدت طريقها الى "المهتمين" بالأمر. ونشرت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" تفاصيل الايقاع باحدى الشبكات الاسرائىلية المتخصصة في هذا المجال والتي كان يقودها ادوارد غيليل وهو مواطن اسرائيلي من اصول داغستانية كان عاد الى داغستان بعد ان استقر لسنوات في اسرائىل لمع خلالها اسمه في عالم الجريمة وغدا صاحباً لعدد من صالات القمار والملاهي الليلية. وبدأ غيليل تأسيس شبكته بالاتفاق مع صاحبة احدى الملاهي الليلية في مقاطعة بيروبيدجان اليهودية التي تتمتع بحكم ذاتي، وبدأت سفيتلانا فير بجينكوفا "توريد" الفتيات اليه وقام هو مع مساعده اولسيا نوفسكي وهو ايضاً اسرائىلي باصدار اوراق ثبوتية مزورة للفتيات بالاعتماد على احدى الموظفات في ادارة الجوازات في داغستان، ولا يستطيع احد ان يقدر عدد الفتيات اللواتي تمكنت الشبكة من تصديرهن قبل ان يدخل الشك الى قلب احدى الضحايا التي توجهت الى مركز امني للتأكد من صحة اوراقها فكانت طرف الخيط الذي اوقع الشبكة بكاملها. وفي حادثة مماثلة جرى الكشف عن تاجر آخر من تجار "البضاعة الحية" وتم القبض على ديفيد بونفيلد الاسرائىلي من اصول تركية والذي يملك سلسلة نوادي لهو في مدينة عكا، وقد وصفته الصحف الروسية بأنه كان يتجول بحرية ضمن الاراضي الروسية. وذكرت ان اعوانه كانوا يحضرون له الفتيات الى مقره في فندق اسماعيلوفا الشهير شمال موسكو حيث يتم تجهيزهن بأوراق مزورة ثم تسفيرهن الى اسرائىل او احدى الدول المجاورة.