"بوينغ" تستغني عن تفوقها في مجال الطائرات العريضة وتنسحب من دون وجل أمام منافستها الأوروبية "ارباص". الفكرة كانت مجرد حلم لا يستطيع أحد تخيله، لكن "بوينغ" تخلت عن مشروعها السابق الذي أثار مخيلة العالم منذ 11 سنة لبناء "سوبر جمبو"، وقررت مواجهة غريمتها الأوروبية بمشروع مضاد لبناء طائرة ركاب متوسطة مجنّحة الشكل، لا تصل سرعتها الى سرعة طائرة ال"كونكورد"، لكنها تطير 20 في المئة أسرع من أي طائرة مدنية معروفة في العالم اليوم. العملاق الأميركي في مرحلة تحول. قبل عشرة أيام فاجأت "بوينغ" العالم حين أعلنت نيتها ترك مقرها التاريخي في سياتل، حيث بُني أول مصانعها قبل 85 سنة وحيث يشتغل حوالى 84 ألف عامل، تمهيداً للانتقال الى مقر جديد ستُعلنه الصيف المقبل. مسلسل المفاجآت استمر مع إعلانها ليل أول من أمس تخليها عن مشروع بناء طراز عملاق من طائرة "بوينغ 747"، كلفته أربعة بلايين دولار، لتؤكد عزمها على تعديل مدى طائرة "بوينغ 400-747" 420 راكباً، وهي الأطول في عائلة طائراتها لتطير مستقبلاً 14 ألف كيلومتر... أي المدى الذي يصل اليه طراز غريمتها الأوروبية "ارباص 600-340" 380 راكباً التي أزاحت "ارباص" الستار عنه الأسبوع الماضي في تولوز. في مقابل هذا التعديل في خططها، تحركت "بوينغ" في معركتها مع "ارباص" في اتجاه مغاير، أساسه السرعة كعنصر تفوق بدلاً من الحجم، بعدما خسرت في معركة بناء "سوبر جمبو" عملاقة. وكانت "بوينغ" ضمنت لنفسها السيطرة باستمرار على سوق الطائرات العريضة الجسم، والفضل لطراز "بوينغ 747" الذي بُني كطائرة شحن عسكرية عام 1964 وتم تسويقه مدنياً بعدما رفضه البنتاغون. وحاولت "إرباص" منذ نهاية الثمانينات منافسة "بوينغ" في سوق الطائرات العريضة من دون جدوى، وعادت المنافسة واحتدمت بين الشركتين مع طرح الأولى مشروع بناء طائرة عملاقة بطابقين ارباص 380 بكلفة 5،10 بليون دولار، إلى أن أُعلن رسمياً البدء بانتاج هذا الطراز العملاق القادر على نقل 550 راكباً قبل ثلاثة أشهر، في وقت بدت "بوينغ" عاجزة عن المضي قدماً في مشروع منافس. وتبدو الاستراتيجية التي تتبعها "بوينغ" مثيرة إلى حد ما، فالطراز الذي تقترح بناءه سيكون مزوداً جناحين على شكل دلتا، يدفعه محركان سيكونان مماثلين لمحركات طراز "بوينغ 777"، وسيكون قادراً على نقل 175 - 250 راكباً. وميزة الطائرة الجديدة أنها ستكون قليلة الضوضاء، قادرة على التحليق على ارتفاع 41 ألف قدم مما يتيح لها مرونة أعلى في تحديد مساراتها. وترددت اشاعات في الشهرين الماضيين عن نية "بوينغ" إطلاق طائرة مدنية مثلثة تطير أسرع من الصوت، وأنها بنت طرازاً صغيراً خضع لتجارب، بعد اقتباسه عن طراز عسكري أوصى عليه البنتاغون، الأمر الذي يعني اذا تحقق أن إطلاق الطائرة الجديدة سيكون سريعاً ولن يستغرق أكثر من ثلاث سنوات. وليست معروفة كلفة هذا الطراز وإن كانت الأرقام المتداولة تتراوح بين تسعة وعشرة بلايين دولار. وتصل سرعة طائرة الدلتا إلى 95،0 سرعة الصوت، وستتولى ثلاث شركات يابانية هي "ميتسوبيتشي" و"كاوازاكي" و"فوجي" بناء الأجنحة الخاصة بها. لكن المشروع لم ينل للوهلة الأولى ثقة الأسواق المالية، بدليل ارتفاع أسعار أسهم شركة "إيه. إي. دي. أس" المالكة لثمانين في المئة من "ارباص" وانخفاض أسهم الشركات اليابانية الثلاث.