أعلنت الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش ايرويز"، أول من أمس، نبأ ابرام صفقتين تحملان خيارات شراء، لادخال221 طائرة جديدة الى أسطولها في مدى الاعوام الستة المقبلة، وبقيمة تفوق 13 بليون دولار. وقالت الشركة، التي بررت اجراءاتها باعتبارات تجارية، إنها ستحافظ على كلفة تمويل متوازنة لعملية توسيع الاسطول في حدود 5،1بليون الى 2 بليون جنيه سنوياً خلال العامين المقبلين، على ان ينخفض المعدل الى أقل من بليون جنيه سنوياً خلال السنوات الثلاث اللاحقة بعد ذلك. وأكدت أن طلبيتها الجديدة ستزيد معدل السعة الاستيعابية لديها، لكنها نوهت الى أنها لا ترغب في زيادة هذه السعة أسرع من معدل النمو في اجمالي سوق السفر الدولية، مع سعيها الى التركيز، في الوقت ذاته، على الاسواق الرئيسية ذات العائد المرتفع والربحية العالية. وشكلت الصفقتان، اللتان منح بموجبهما اتحاد "ايرباص" طلبية تشمل 188 طائرة للرحلات المتوسطة والخطوط الاقليمية مقابل 32 طائرة لپ"بوينغ" مخصصة للرحلات الطويلة، ميلاً واضحاً باتجاه الاتحاد الصناعي الاوروبي. وذكرت الشركة أنها قررت اعتماد طائرات "بوينغ 767" و"بوينغ 777" و"بوينغ 747" في اسطولها، خلال العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، لتكون الطرازات الوحيدة التي تعمل على الرحلات الطويلة. واعتبرت أن هذا الاجراء سيخفض عدد الطرازات العاملة لديها على الرحلات طويلة المدى إلى ثلاث طرازات. وتنوي "الخطوط البريطانية"، من الآن فصاعداً، "طلب طائرات "بوينغ 777" فقط أو ما يعادلها لسوق الرحلات الطويلة وذلك بانتظار أن تصبح الطائرة الجديدة الاوسع جسماً والقادرة على نقل 650 راكباً متاحة وعلى أساس كلفة موازية للفاعلية" مشيرة إلى أنها ألغت لهذا السبب "طلبية على سبع طائرات "بوينغ 400-747" أوصت عليها ضمن خيار الشراء المتاح لها". ويعد هذا التصريح الأكثر خطورة، الذي تضمنه الاعلان الصادر أول من أمس، والذي عنى بوضوح أن "الخطوط البريطانية" تفكر جدياً في اعتماد طائرة "سوبر جمبو" التي يبنيها اتحاد "ايرباص" والتي تبلغ سعتها 650 مسافراً يمكن أن ترتفع الى ألف مسافر، إذا تم الاكتفاء بنقل ركاب من الدرجة الاقتصادية. ويشير حجم السعة المقعدية المستخدم في بيان "البريطانية" بوضوح إلى أن طراز "بوينغ 747" التي شكلت عماد خطط التوسع التي تعتمدها "بوينغ" للطائرات العملاقة لديها، قد أسقط نهائيا من الاعتبار. إلا أن الناقلة الجوية البريطانية لم تكتف بذلك بل عمدت أيضا إلى إلغاء طلبية سابقة مؤكدة لشراء خمس طائرات من طراز "400-747" المعروف بسعته الكبيرة وحمولته القصوى وخط سيره البعيد المدى. وقالت الشركة إن "طائرات "بوينغ 777" تؤمن السعة المناسبة لتطوير الرحلات طويلة الامد وزيادة معدلات الرحلات على الخطوط القائمة في شكل اكثر فاعلية مما يتيحه استخدام طائرات "بوينغ 747"، كما أنها تؤمن سعة مقعدية أقل، بما يسمح بتحقيق خليط أكثر تناسباً خلال الرحلات من ركاب الدرجات الاقتصادية والاعمال والاولى، فضلاً عن كونها تخفض أيضاً الاكلاف الناجمة عن الاستبدال المقبل للاسطول. ويتألف أسطول "البريطانية" من سبعة طرازات رئيسية مختلفة، وهو يضم 291 طائرة حالياً من بينها 241 طائرة "بوينغ"، وتتوزع طائرات الپ"بوينغ"التي يضمها الاسطول حالياً، أو تلك التي تم الاتفاق على شرائها لاحقاً - ،سواء تلك المؤكدة أو التي تم الاحتفاظ بها كخيار شراء - 100 طائرة "بوينغ 747" دخلت الخدمة منها حتى الآن 78 طائرة. أما طائرات "777" فتعمل 19 طائرة منها حالياً على خطوط "البريطانية" مقابل 53 طائرة سيتم تسلمها على مدى السنوات الخمس اللاحقة. ويقتصر عدد طائرات "767" على 28 طائرة قيد الخدمة حاليا وثلاث طائرات تم اتخاذ قرار بالتوصية عليها كخيار شراء. ولا تظهر الارقام المعلنة حقيقة التغيرات والخسارة التي لحقت بپ"بوينغ"، إلا أن الخلاصة الاولية التي يمكن أن يتم التوقف عندها هي أن "البريطانية" زادت عدد خيارات الشراء من طائرات "777" من 11 سابقاً إلى 16 حالياً، وبالتالي فإن الزيادة لحقيقية لخيار الشراء تبلغ خمس طائرات فقط. أما الزيادة في عدد الطائرات المؤكدة من طراز "777" فهي تبلغ 16 طائرة ليصل بذلك عدد الطائرات المؤكدة من هذا الطراز من عشر الى 26 طائرة. إلا أن "بوينغ" فقدت بالمقابل طلبية الطائرات الخمس المؤكدة من طراز "400-747" التي كانت أوصت عليها "البريطانية" سابقا، كما فقدت خيار شراء سبع طائرات من الطراز نفسه، على أن يقتصر عدد الطائرات من طراز "400-747" التي لم تلغها الناقلة الجوية البريطانية على عشر طائرات سيتم تسليمها خلال السنوات المقبلة. الطائرة العملاقة إلا أن الامر الأكثر صعوبة بالنسبة إلى شركة "بوينغ" يبقى بدون شك تبني الناقلة البريطانية، التي تعتبر أكبر ناقلة جوية اوروبية والتي تملك أكبر أسطول للرحلات الدولية، خياراً مختلفاً، أول من أمس، بالنسبة الى تركيبة اسطولها للرحلات البعيدة مستقبلاً. و تحتل شركة "بوينغ" مركز الصدارة في صناعة الطائرات، وهي تعتبر، من حيث حجم العمالة والانتاج، أكبر مجموعة في العالم في مجال بناء هياكل الطائرات المدنية. وعلى رغم أن المجموعة العملاقة عززت موقعها في السوق الدولية خلال السنوات الماضية وأتمت عملية إعادة هيكلة مكلفة وجذرية بين 1994 و1998، إلا أنها تجد نفسها اليوم تتخبط في مصاعب تقنية ومالية أدت الى تكبدها، ولأول مرة منذ 50 عاماً، خسائر هزت ثقة الأسواق المالية بها. وبنت "بوينغ" استراتيجيتها على أساس توقعات وقراءات لحركة نمو صناعة الطيران التجاري في أكثر من ثمانين سوقاً فرعية. وركزت، في صورة خاصة، على تعزيز حصتها من سوق الطائرات ذات الممر الواحد والطائرات المتوسطة الحجم. أما اتحاد "ايرباص" فيركز جهوده على بناء طائرة سوبر جمبو "3 ايه. اكس. اكس" تؤهله لامتلاك عائلة طائرات بأحجام متفاوتة بعضها من الطرازات العملاقة على غرار ما هو الحال لدى "بوينغ"، التي بقيت تحتكر على الدوام سوق طائرات "الجمبو". ومما شجع "بوينغ" على تبني هذه الاستراتيجية أن أغلب شركات الطيران حول العالم، وبعد السنوات العجاف التي عرفتها جراء حرب الخليج الثانية، حقق على مدى الأعوام الخمسة الماضية أرباحاً متواصلة أهلته لاعتماد خطط توسع لتحديث أساطيله وزيادة سعتها المقعدية. وتتوقع "بوينغ" ان يتراجع الطلب على الطائرات الجديدة بعد عام 2000 ليتناسب في شكل لصيق مع مستويات النمو في معدلات نقل الركاب والبضائع وهو ما تقدره المجموعة الأميركية للسنوات العشر اللاحقة بنحو خمسة في المئة سنوياًً، على أن يكون التركيز منصباً، لا على شراء طائرات أعرض جسماً، ولكن على زيادة عدد الرحلات على 8400 خط رحلات جوية تعمل عليها شركات الطيران حول العالم. لكن المشكلة الكبيرة الأخرى التي تواجهها الشركة، التي قررت تخصيص ثلاثة بلايين دولار لتمويل عملية إعادة هيكلتها بعد اندماجها مع "ماكدونيل دوغلاس" العام الفائت بدل استثمار مبالغ طائلة في تطوير طائرة "سوبر جمبو" كما تفعل "ايرباص"، تكمن ليس في الغاء طلبيات طائرات "747" على المدى القصير، وانما في انكماش سوق الطائرات الجديدة العريضة الجسم. وتقوم الناقلات الجوية الآسيوية حالياً ببيع طائراتها من هذا الطراز أو تأجيرها وهو ما يحول دون اتجاه شركات الطيران نحو خيار شراء طائرات جديدة أكثر كلفة على الصعيد المالي. وفي ظل هذه الظروف فإن "بوينغ" التي عملت على رفع سعة خط انتاج طائرات "747" من أربع الى خمس طائرات شهرياً خلال الربع الجاري ستضطر الربيع المقبل الى خفض انتاجها الى 3.5 طائرة شهرياً. وأتى القرار البريطاني أول من أمس ليعزز تشاؤم مسؤولي الشركة الاميركية. وقالت "بوينغ" في تقريرها السنوي الذي نشرته في حزيران يونيو الماضي انها لا تنوي بناء نموذج جديد للطائرات العملاقة يختلف عن طراز "747" واعتبرت ان السوق القائمة للطائرات العملاقة عريضة الجسم لن تستحوذ على اكثر من ستة في المئة من اجمالي الطلبيات في السنوات العشرين المقبلة، اي ما يعادل 1030 طائرة جديدة، يذهب اليها 15 في المئة من اجمالي الاستثمارات الموظفة في تحديث الاساطيل الجوية حول العالم. ويتناقض هذا التحليل، الذي يوفر على المجموعة الاميركية، توظيف بلايين الدولارات لبناء طائرة "سوبر جمبو" مع التقديرات التي بنت عليها "ايرباص" استراتيجية نموها المقبلة لمنافسة "بوينغ" في سوق الطائرات العريضة الجسم. وذكرت "بوينغ" ان الطائرات الصغيرة الجسم ستستحوذ على اكبر شطر من السوق في فترة العشرين سنة المقبلة وإن 70 في المئة من الطائرات الجديدة الموصى عليها ستكون ذات ممر واحد، بينما ستشكل الطائرات المتوسطة الجسم مثل "767" و"777" نسبة 25 في المئة من حجم الطلب. وقال نائب الرئيس لشؤون التسويق في "بوينغ" بروس دنيس ان التوقعات الحالية تفيد في تحديد استراتيجية الانتاج مستقبلاً ومتابعة تطورات السوق وإن هذا الامر هو الذي وقف وراء قرار الامتناع عن بناء اي طراز جديد من الطائرات العملاقة والاكتفاء بتطوير عائلة طائرات "747" التي تصل حمولتها القصوى الى 600 راكب. إلا أن النائب الأول لرئيس "ايرباص" جون ليهي كان قد اعلن في نهاية نيسان ابريل الماضي ان "ايرباص" التي لا تملك طائرة منافسة قادرة على مواجهة "بوينغ" في فئة "747" خصصت ثمانية بلايين دولار لانتاج طائرة عملاقة من طرزات عدة تنتمي جميعها الى فئة "3 إيه. اكس. اكس". وأضاف أن هذه الطائرة ستكون قادرة على نقل 480 الى 650 مسافراً دفعة واحدة، مشيراً الى ان اطلاق الطراز العملاق الجديد الذي سيجري وضع اللمسات الاخيرة عليه، استعداداً لبنائه واستقبال طلبات المشترين العام المقبل، سيتأخر لمدة سنة، من 2003 الى الربع الثالث من عام 2004. وقطع المشروع خطوة لا بأس بها بعدما وقع اتحاد صناعات "ايرباص" منتصف الشهر الماضي مذكرة تفاهم مع شركة "إنجين ألاينس" لانتاج سلسلة المحركات "جي بي 7200" التي ستستخدمها عائلة طائرات "3 ايه. اكس. اكس"والتي تراوح طاقة محركاتها بين 67 ألف و80 ألف رطل. وتمنح مذكرة التفاهم زبائن الطائرات خياراً آخر للمحركات، إذ كان اتحاد "ايرباص" قد وقّع مذكرة مماثلة مع شركة "رولز رويس" في تشرين الاول اكتوبر 1996 لتزويد الطائرة بمحركات "ترنت 900". ويعتبر المراقبون أن الدعم الحكومي الذي قدمه رئيس الوزراء طوني بلير، بحضوره الثلثاء الماضي، في تولوز، حفل اعلان الاتفاق مع "ايرباص"، وابراز تأييده لفكرة دمج الشركات الاربع التي تشكل اتحاد "ايرباص" ليصبح محوراً أوروبياً كبيراً في الصناعات المدنية والعسكرية الجوية والفضائية يشكل نموذجاً لطبيعة التوجهات التي ستحكم في المستقبل مواقف شركات الطيران الاوروبية. ومن المنتظر أن تسهم العقود الجديدة التي اعلنتها "البريطانية" في المحافظة على وظائف 28 ألف عامل يعملون في 300 شركة متعاقدة في المملكة المتحدة مع اتحاد "ايرباص" ومع شركة "رولز رويس"، التي ستتولى بناء المحركات. وقد تكون "البريطانية" استفادت من الاسعار الاغراقية التي يقال إن "ايرباص" منحتها اياها، والتي فاقت الحسومات التي وافقت عليها "بوينغ"، والتي ناهزت ثلث القيمة المتعارف عليها في سوق الطيران والنقل الجوي، إذ تقدر أوساط صناعة الطيران الوفر الذي حققته الناقلة البريطانية بنحو خمسة بلايين دولار في الصفقة الاجمالية. إلا أن ما لا ريب فيه أن هاجس توليد الوظائف والحفاظ عليها والاهتمام الحكومي المحلي وضغوط المفوضية الاوروبية تشكل معاً جملة عوامل ستدفع شركات كثيرة أوروبية، بعد "بريتيش ايرويز"، الى تبني طائرات "3 إيه. اكس. اكس". وسيعني هذا الامر مزيداً من الخسارة لشركة "بوينغ" التي سترى آخر معاقلها الحصينة وقد اخترقه منافسها اللدود: اتحاد الصناعات الجوية الاوروبية "ايرباص"