سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تنشر تفاصيل عن أول جلسة "سياسية" لمجلس الوزراء ميزت بين صفير والمتطرفين . لبنان : وزراء دعوا إلى التشدد مع معارضي الوجود السوري وآخرون إلى ملء الفراغ بالحوار بدلاً من الأمن ... فوافقهم لحود
} للمرة الأولى منذ خمسة أشهر، ناقش مجلس الوزراء اللبناني الوضع السياسي في البلاد بعمق، في جلسته أول من أمس. اذ استغرق عرض الموقف من التظاهرة السياسية التي شهدها مقر البطريركية المارونية في بكركي، في استقبال الكاردينال نصرالله صفير، وما تخللها من حشود ومظاهر ومواقف، نحو ساعتين من الجلسة. فمن عادة مجلس الوزراء ان يتناول الوضع السياسي في سرعة ويقتصر الأمر على مداخلات من دون ان تنتهي الى خلاصة. الا ان ما حصل في بكركي الثلثاء الماضي فرض النقاش، بين توجهين: الأول دعا الى التشدد حيال ما شهده الصرح البطريركي من مواقف ضد سورية ووجودها العسكري في لبنان، واتخاذ تدابير أمنية تمنع تمادي المعارضين لهذا الوجود من الاسترسال في تحركهم، والثاني دعا الى استيعاب ما حصل والتقاط المبادرة عبر الدعوة الى الحوار خصوصاً ان صفير لا يحبذ التطرف الذي شهدت بعض مظاهره بكركي... والى اعتماد المعالجات السياسية بدلاً من الأمنية. والتقط رئيس الجمهورية إميل لحود المبادرة حيال السجال الذي دار وأجمعت المصادر الوزارية على انه كان "هادئاً ورصيناً ومفيداً"، بين الوزراء، فشدد على وجوب التمييز بين البطريرك وأرباب التطرف، وعلى انه على تواصل معه وسيستمر في هذا التواصل في المرحلة المقبلة وانه مع الحوار. واعتبر بعض الوزراء ان هذا الموقف ساعد في ارساء مسار استيعابي للتحركات المضادة لسياسة الدولة حيال الوجود السوري، وجنّب مجلس الوزراء "خضة" بين الاتجاهين المذكورين. أكد رئىس الجمهورية اميل لحود انه لا يتوقف عند تعرض بعض الافرقاء في بكركي له شخصياً اثناء تظاهرة استقبال البطريرك الماروني نصرالله صفير، "فما يهمني الا يتم التعرض للوطن والمس بالمصلحة الوطنية"، في تعليقه على همهمات اطلقها بعض الجمهور الذي استقبل صفير الثلثاء الماضي دعماً لمواقفه ضد الوجود العسكري السوري خلال رحلته الى اميركا الشمالية. وقال لحود، عند اثارة هذه القضية في جلسة مجلس الوزراء، انه يأسف لقيام بعض الفئات بتصعيد الموقف ضد سورية وسلوك نهج التطرف، مؤكداً "ان علينا التمييز بين مواقف صفير والمتطرفين، واننا لا نريد ان نختلف مع صفير، بل نحن مع الحوار معه وسنستمر فيه كما سبق ان فعلنا". وقالت مصادر وزارية ان كلام لحود هذا هو الخلاصة الرئيسية التي انتهت اليها جلسة مجلس الوزراء مساء أول من أمس، بعد نقاش طويل تناول تفاعلات التحرك الحاشد الذي شهدته بكركي. وتسنى ل"الحياة" الحصول على شبه محضر لمداخلات الوزراء في هذا الصدد. فحلفاء سورية منهم المعارضون تحركات الاحزاب والقوى المسيحية للمطالبة بانسحاب القوات السورية او إعادة انتشارها، سبقوا زملاءهم الذين كانوا أعلنوا نية نقل مواقف البطريرك الى الجلسة، بطرح الأمر، بدءاً بوزير العمل علي قانصو الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي حذر من فلتان الشارع وبعض القوى التي تسعى الى الافادة من بعض مناخ الحرية من اجل الانقضاض على الدولة. وأشار الى مواقف بعض الوزراء المؤيدة لصفير، سائلاً عن التضامن الوزاري خصوصاً ان البيان الوزاري نص على ان الوجود السوري شرعي، وملمحاً الى وجوب التزام جميع الوزراء، وداعياً الى التشدد في مواجهة الحال المعادية لموقف الدولة ولسورية، ودعم التدابير الأمنية التي تحول دون الفلتان. وتبعه وزير الدولة نزيه بيضون حزب البعث في الاتجاه نفسه، مشيراً الى "تحرك ممنهج في الشارع" ضد موقف الدولة من العلاقة مع سورية. وتحدث وزير الداخلية الياس المر الذي اشار الى ان الوزارة تحركت لضبط الوضع الأمني نظراً الى معلومات عن مخاوف معينة، وما قامت به القوى الأمنية من مواكبة للوضع كان نجاحاً كبيراً نفتخر به ولم يسجل اي حادث. ودعا الى تضامن وزاري في شأن موقف الحكومة من تحركات الشارع، مشيراً الى أهمية هذا التضامن وراء التدابير الأمنية. وقال وزير الدولة بيار حلو إنه يفترض إعارة مجلس الوزراء اهمية للتحرك الذي حصل في بكركي، ولما حصل في الشارع، مشدداً على أن صفير، كمرجعية، وضع سقفاً للمطالب المسيحية، لا يمكن القوى الأخرى المتطرفة ان تخترقه بعد الآن. ورد على القوى التي هاجمت صفير، خصوصاً في عكار، مستنكراً ذلك. وأوضح ان من غير الممكن الأخذ بموقف الذين يقولون ان ليس من حق البطريرك التحدث في السياسة، فلماذا نطلب منه عندما نحتاج إليه ان يدعم الطائف؟ ولماذا تحرك البطريرك الياس الحويك لإقامة دولة لبنان، والجميع أيد تحركه، والآن نرفض ان يكون لصفير موقف سياسي؟ وقال إن الدولة امام 3 احتمالات: تجاهل ما حصل في بكركي واعتبار الذين تحركوا لا يمثلون أحداً، أو كسر هؤلاء ومواجهتهم، أو فتح الحوار. الثورة وأعقب حلو وزير الصحة سليمان فرنجية الذي تحدث عن المرجعية الدينية لصفير وعن "أننا لسنا ملزمين مرجعيته السياسية". ودعا الى التضامن الوزاري حيال الموقف من الوجود السوري كما جاء في البيان الوزاري. وقال: "كان على الوزراء الذين حضروا الى بكركي، أن ينسحبوا حين أطلقت هتافات ضد رئيس الجمهورية. نحن قمنا بثورة ضد النظام القديم، وهذا التحرك الذي نراه، ضدنا لأننا أصبحنا في الدولة. ولن نسمح بأن ينجحوا وهم يسعون الى انقلاب علينا. والقبول بالحريات لا يعني ان نقبل بأن يهددونا وتجب مواجهتهم. الدولة معنا والقوى الأمنية والجيش ويجب ان نقف في وجههم". ورد وزيرالصناعة جورج أفرام مؤكداً وجوب استيعاب ما حصل في بكركي، ومشيراً الى مواقف صفير الوطنية والالتفاف الشعبي من حوله وضرورة الانفتاح عليه ومحاورته لهذا السبب، داعياً الى التمييز بين موقفه ومواقف أخرى متطرفة، ومشيراً الى استنكاره التعرض لمقام رئاسة الجمهورية أثناء الاحتفال. وتحدث وزراء آخرون، وأثنى بعضهم على رد رئيس الحكومة رفيق الحريري على الذين تعرضوا لصفير والمسيحيين في عكار، فيما أثنى معظمهم، من الاتجاهات كافة، على التدابير التي اتخذها وزير الداخلية لمواكبة استقبال صفير، إذ كان لها وقع إيجابي. ملء الفراغ وكانت لوزير الإعلام غازي العريضي أطول مداخلة، فأشار الى إيجابية بحث مجلس الوزراء في الوضع السياسي. واعتبر "ان من غير الجائز التعاطي مع قضية سياسية مثل موضوع الموقف مما حصل في بكركي بالأمن، فحين يكون هناك فراغ في الموقف السياسي يملأه الأمن فيقودنا الى مواجهات، بينما حين يكون لنا موقف سياسي نعرف من خلاله الى أين نحن ذاهبون، يكون الاستقرار الداخلي مؤمناً والتضامن الوزاري حاصلاً، والأمن مضبوطاً بفعل هذا الموقف". وأضاف: "أثناء تحرك 14 آذار مارس تظاهرات التيار العوني ضد الوجود السوري أغرقنا البلاد بتدابير امنية سببت نقمة علينا. وفي بكركي كانت التدابير امنية حضارية وجاءت النتيجة ايجابية، وليُعن الله الوزير المر الذي نفهم معاناته في هذا المجال. لكن الأهم ان نستوعب ما حدث بالموقف السياسي وعلينا تلقف اعتدال البطريرك من المواقف التي أعلنها، داعياً الى سلاح الموقف واستنكاره التعرض للرئاسة، ونفتح حواراً معه. وعلينا ألا نخاف من الموقف السياسي فلا يزايدن أحد علينا في موقفنا من سورية وتحالفنا معها. وفي استطاعتنا الذهاب الى الحوار وموقفنا موحد ومعروف في العلاقة مع دمشق. والثورة تحدث عنها فرنجية نحن قمنا بها، وكان البعض معنا فيها وآخرون ضدنا، وبعض آخر لم يكن في عدادها، بات الآن معنا على الطاولة. يجب ان نسعى الى الحفاظ على مكتسباتها بالموقف السياسي، والحوار أساسي. فالبطريرك وصل في تحركه الى أوجه وقد لا يتمكن من الذهاب أبعد، وإذا لم نلاقه في منتصف الطريق نفتح المجال للتطرف المسيحي". ورأى العريضي "ان التضامن الوزاري يتأمن بالممارسة اليومية لا بمطالبة الوزراء بالمواقف فقط. فالكثير من الأمور تحصل ونحن لا نعرف فيها. فالتدابير الأمنية التي اتخذت لم تطرح على مجلس الوزراء. ونرى على الدوام مداخلات من أجهزة وضباط مع الإعلام بدلاً من التنسيق مع وزير الاعلام وهذا لا يجوز". وكرر الدعوة الى الحوار. وتلقف الرئيس لحود الموقف، مشدداً على اعتدال صفير قياساً الى غيره، وعلى رغبته في مواصلة الحوار معه. وقال: "انا بابي مفتوح للجميع وسأواصل اتصالاتي بالبطريرك، كما فعلت سابقاً. ولكن علينا ان نذكِّر بأن ما يحصل من تحركات ضد الوجود السوري مريب. لماذا بدأوا ذلك فور الانسحاب الاسرائيلي؟ البعض قد يكون يفعله بايعاز. البطريرك ليس منهم. لماذا يقوضون علاقتنا مع سورية التي وقفت معنا، في وقت يقتضي منا الوفاء ان نقف نحن معها؟ انا لدي معلومات عما يقوم به البعض من تحريض عنصري في المدارس وفي بعض الكنائس، ونحن نرصد ما يحصل". ووافق العريضي على "اهمية التضامن الوزاري بالممارسة لا بالموقف فحسب". وتحدث وزير المهجرين مروان حمادة، مؤكداً اهمية الحوار واعتماد اتفاق الطائف اساساً لأي موقف وتعاون بين الافرقاء، مشدداً على انه نقطة تلاق مع صفير. وشدد وزير الدولة فؤاد السعد على "ان الحرية لا تتجزأ وان لصفير حرية اتخاذ موقف سياسي ولغيره ان يتخذ موقفاً معاكساً. اما مظاهر التطرف التي ظهرت في بكركي فهي من الأمور التي تحصل ولا امكان لضبطها في مناسبات كهذه"، داعياً الى الحوار مع بكركي، ومؤكداً التزام الوزراء البيان الوزاري. ورد وزير الاتصالات جان لوي قرداحي على المطالبة بانسحاب الوزراء اثناء التعرض للرئاسة، بالقول: "كنت امثل رئيس الجمهورية ولو انسحبت لكان ذلك اضعافاً لموقف الرئاسة". وسأل وزير الطاقة محمد عبدالحميد بيضون: "البطريرك وصل الى سقف معين ولكن الى اين نحن ذاهبون؟". وأشار الى ان صفير "يحرجنا ويحرج نفسه لأن الحشد الذي ضم متطرفين قد يصبح اقوى منه ومنا، ما يزيد الشحن الطائفي. وهذا ما يفسر عدم وجود سياسيين مسلمين اثناء الاستقبال، حتى في المطار". وتوالى على الكلام وزير الدفاع خليل الهراوي الذي اشار الى ان حرية التعبير شيء والمس بالأمن شيء آخر، وان البعض يتلطى وراء شعارات الحرية و"نعتبر الأمن خطاً أحمر، وعلينا اتباع سياسة هجومية"، ثم نائب رئيس الحكومة عصام فارس الذي دعا الى "الحوار وعدم التخوف مما حصل في بكركي، ففي كل بلدان العالم هناك قلة تتحرك وتتظاهر لتعبر عن موقفها ثم تعود الأمور الى الهدوء". وأيد وزير الدولة طلال ارسلان التشدد حيال الذين يحملون على الوجود السوري والرئاسة. وذكر وزير الزراعة علي العبد الله "ان سورية حافظت على وحدة البلد"، مشيراً الى "فلتان اعلامي يؤجج المشاعر الطائفية". وأنهى لحود النقاش بالتشديد على علاقة التحالف مع سورية وعلى خيار الحوار مع صفير. وقالت مصادر الجلسة إنها طرحت للمرة الأولى شأناً سياسياً بهذه الاهمية، في شكل يمكن وصفها بأفضل جلسة منذ تأليف الحكومة لأنها تناولت الأمور بأسلوب حواري...