هل تقود الاتصالات التي اتاحتها الأعياد في لبنان، الى تمديد الهدنة السياسية الضمنية القائمة على عدد من الأمور التي اثيرت وسببت اخذاً ورداً، وفي طليعتها موقف البطريرك الماروني نصرالله صفير وعدد من القوى السياسية من الوجود العسكري السوري ودور سورية السياسي في لبنان؟ فهذه الهدنة قائمة مذ بدأ الرئىس السوري الدكتور بشار الأسد لقاءاته مع القيادات اللبنانية ولا سيما المسيحية منها، في محاولة لمقاربة الحلول لمشكلات العلاقة الثنائية واستكشاف اسباب الحملة على الدور السوري، وتحديداً مذ عاد الوزير السابق فؤاد بطرس من دمشق بعد لقاء المصارحة والمكاشفة مع الأسد. فهو تمنى على صفير التهدئة في الموقف من سورية في انتظار تلمس الأفكار التي تسمح بمعالجة ما يعتري العلاقات من شوائب. واستجاب صفير هذا التمني وأخذ يتبع لهجة هادئة، من دون التخلي عن موقفه الذي يعده مبدئياً حيال الوجود السوري. وهي استجابة اتت ايضاً نتيجة رسائل عدة تلقاها صفير ابرزها من موفدين لرئيس الجمهورية اميل لحود الذي التقاه الاثنين على هامش حضوره القداس الذي ترأسه البطريرك لمناسبة عيد الميلاد في كنيسة البطريركية المارونية في بكركي. وتمديد الهدنة، اذا جاز التعبير، يعني ان الحوار في المواضيع الشائكة المتصلة بالعلاقة اللبنانية - السورية، بدأ يأخذ مداه، خصوصاً ان بطرس ينوي منتصف الشهر المقبل طرح مجموعة من الافكار بعيداً من الاضواء، على الجانب السوري، يمكن ان تساعد، بحسب الجوجلة التي قام بها، في تصحيح هذه العلاقات. أشاعت الخلوة التي جمعت الرئىس اللبناني اميل لحود والبطريرك الماروني نصرالله صفير اجواء ايجابية عن علاقة بكركي مع الدولة، خصوصاً ان زيارة ستتبعها يقوم بها رئىس الحكومة رفيق الحريري اليوم. وأكدت المصادر الرسمية التي سربت بعضاً مما دار في الخلوة هذه الاجواء ناقلة عن لحود ارتياحه الى ما دار فيها، في ظل مصارحة تامة، وجولة أفق شملت كل القضايا المطروحة. وأوضحت هذه المصادر ان "تطابقاً في وجهات النظر برز بين لحود وصفير، على رفض ما يحاك من مقايضة في المفاوضات الاسرائىلية - الفلسطينية من اجل توطين قسم من الفلسطينيين الموجودين في لبنان، على ارضه، وكذلك على ضرورة الحؤول دون استفادة اسرائىل من اي ظرف لتحقيق اهدافها، او ترجمة تهديداتها". وقالت: "إن لحود قام بمطالعة طويلة امام صفير اكد فيها ان منذ بداية الاحداث في لبنان اواخر الستينات، لم يكن هناك خلاف جوهري بين اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وان الامور كانت تتأزم حين كان العامل الخارجي يدخل على الخط ليتسبب باستمرار المشكلات بدءاً بالعامل الفلسطيني، ثم العامل الاسرائىلي. ولو واجه اللبنانيون العامل الخارجي بموقف موحد لكانوا تجاوزوا المحن، لكن هذا العامل الخارجي حال دون توحيد موقفهم، فلم يتمكنوا من التلاقي لمواجهة التحديات، فحصل ما حصل...". وأضاف لحود بحسب المصادر: "الموقف الموحد هو الذي يحمي لبنان، وتجربتي في بناء الجيش التي لم يكن البعض يصدق بامكان نجاحها دليل الى ذلك. فبفعل وحدة الموقف اللبناني على هذا الهدف تمكنا من تحقيقه، ولولا وحدة الموقف اللبناني في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب ودعم المقاومة لما تمكن لبنان من تحريره. والآن امامنا استحقاق التوطين. ولا سبب لأن يضعف الموقف اللبناني ليحصل التوطين. وعلينا بالتالي ان نتعاون في ما بيننا، ومع سورية من اجل مواجهة مشروع صفقة تُعد بين الأميركيين والاسرائيليين وبين الاسرائيليين والفلسطينيين لتوطين قسم من اللاجئين عندنا". ونسبت المصادر الرسمية الى لحود قوله: "نتعرض الآن للضغوط نفسها التي تعرضنا لها حين كنا نسعى الى استعادة الاراضي المحتلة التي كانت تنوي اسرائىل الاحتفاظ بها. وأصررنا فيها على استعادتها وقاومنا هذه الضغوط، والآن يوحون لنا بأننا اذا لم نقبل التوطين فسيحجبون عنا المساعدات. ولن نقبل بالتوطين في مقابل بعض المساعدات. فقد اثبتنا ان الدولة تستطيع استرجاع حق لبنان، وموقفنا قوي". ودعا لحود صفير الى المساهمة من جهته في الجهود لمواجهة التوطين، فأيد الأخير موقف الدولة ووعد ببذل جهده ايضاً لدى الفاتيكان لتأييد الموقف اللبناني. وتناول البحث الوضع في القرى الجنوبية المحررة. فأكد لحود اهتمام الدولة بانمائها ورفع مستوى الأمن فيها بطمأنة المواطنين والمحافظة على استقرارهم، وللحؤول دون استغلال اسرائىل الوضع هناك. وقالت المصادر ان العلاقات اللبنانية - السورية استغرقت جزءاً لا بأس به من الخلوة. فأكد لحود "انها تمر في افضل مراحلها في إطار المصالح المشتركة والمتعددة التي تربط البلدين، في خصوصية مميزة يجب ان نستفيد منها لمعالجة الامور كافة، للوصول الى ما نريده لمصلحة لبنان". وأكد لحود وجود ثقة متبادلة بين الدولتين السورية واللبنانية "تتيح المعالجات على اسس متينة، لأن العلاقات في السابق كانت تخضع لمصالح السياسيين وأهوائهم، فيما هي الآن مبنية على اساس علاقة دولة مع دولة". وأشار الى ان الوجود العسكري السوري ضروري لمساعدة لبنان في هذه المرحلة، وشدد على "ان الدولة اللبنانية منفتحة على كل الطروحات وتسعى الى معالجتها استناداً الى المصلحة الوطنية"، مشيراً الى "انفتاح الرئىس السوري بشار الأسد خصوصاً انه يولي الملف اللبناني كل اهتمامه، ويبدي الاستعداد لاتخاذ اي اجراء يخفف المعاناة على اللبنانيين ويساعد على نهوض البلد، وهذا ما ادى الى تسليم السلطات السورية لبنان، الموقوفين لديها". وقالت المصادر الرسمية ان لحود اكد للبطريرك "عدم وجود موقوفين بجرائم سياسية لدى سورية، ولو لم يكن المسؤولون السوريون يريدون اقفال الملف لما اطلقوا من اطلقوا، خصوصاً ان بينهم من قتل جنوداً سوريين وأحدهم قتل ثلاثة عمداً". وشرح لحود موقفه من قضية المفقودين التي اثيرت اثر اطلاق الموقوفين في سورية واقتراحه تشكيل هيئة "للنظر في اوضاع هؤلاء ولتقوم بمقاربة انسانية، وتتحسس شعور اهاليهم وتسعى الى اجابتهم عن مصير اقاربهم، ويكون هناك مرجعية يعودون اليها بدلاً من ان تثار القضية في الشارع". وأيد صفير مبادرة لحود ونوه بها، قائلاً: "هكذا يمكن ان نقول لأقارب المفقودين اذا كان من معلومات عن اماكن وجودهم، اين هم، وهل توفوا أم لا. وتكون الدولة ابلغتهم بما لديها من معلومات وتكون قامت بواجبها حيالهم، تخفيفاً لمأساتهم". وحرص لحود على القول لصفير ان "البعض حاول الايحاء اني باقتراحي اريد فتح ملفات الحرب وجراحها، وأنا لست في وارد ذلك على الاطلاق... بل كل ما اريده ان يحصل الناس على اجوبة واضحة من الدولة عن اقاربهم". واكد صفير ان ما يقوله في عظاته وخطبه "ناجم من المراجعات التي يتلقاها والشكاوى التي يسمعها من الناس، على كل الصعد، ومن الضائقة المعيشية التي يعيشون، وما ينجم عنها من بطالة وعوز، وهجرة للشباب. وانا اقدر ظروفك والصعوبات التي تعانيها الدولة. انا اعبر عن وجهة نظر الناس". وأوضح لحود "ايلاءه الشأن الاجتماعي الاهتمام اللازم أملاً ان تؤدي تدابير الحكومة الجديدة الى تحسن الاوضاع وان تظهر النتائج تباعاً خصوصاً ان هناك تدابير لاحقة ستتبعها". وتمنى لحود على البطريرك مراجعته في اي شأن يود اثارته والتداول معه فيه. وقال له: "انا حاضر لتفهم ما تطرحون والاجابة عنه بما لدي من معطيات وانا لم انظر الى بكركي الا من موقعها الوطني، والبعض حاول ان يفتعل خلافات بيننا من خلال الايحاء بأني اخوّن البطريرك. لكن هذا لا ينطلي على احد". وتابع: "نأمل بتحسن اقتصادي يخفف الهجرة، وهناك تعاون بيني وبين رئىس الحكومة رفيق الحريري في هذا الصدد. صحيح ان العلاقة في السابق لم تكن على ما يرام، ولكن اليوم هناك تعاون لمصلحة البلد خصوصاً ان ليست لدي مطالب شخصية... والمرحلة دقيقة وتتطلب جهداً مشتركاً".