في إطار "ربيع الشعراء" الذي تقيمه وزارة الثقافة الفرنسية، ينظم معهد العالم العربي الدورة الثانية لمهرجان الشعر العربي الفرنسي، من 29 الجاري إلى 2 نيسان أبريل من هذا العام. ويأتي المهرجان ثمرة تعاون وثيق مع عدد من الجامعات والمعاهد العليا والجمعيات الثقافية الفرنسية. وستكون تظاهراته المتعددة من قراءات وندوات ومناقشات، في المعهد نفسه وفي أماكن باريسية أخرى بالإضافة إلى مدن فرنسية مثل ليون واكس آن بروفانس. تتكون لجنة المهرجان التأسيسية من أحمد عبد المعطي حجازي وجمال الدين بن شيخ وأندريه ميكيل. لكن الدورة الثانية هذه أشرف على تحضيرها المفوض العام فرانسوا زبّال على رأس لجنة استشارية من عرب وفرنسيين هم: فاروق مردم بك، بدر الدين عرودكي، سلوى النعيمي، عبدالقادر الجنابي، جيل لاذقاني، بيير غرويكس، حلا مغني، والشاعر مارك دولوز منظم مهرجان "أصوات المتوسط"، الذي سيقوم بتنظيم قراءات متقاطعة بين شعراء عرب وفرنسيين تتخللها لحظات موسيقية من تأدية فرقة عبادو. أما لجنة الشرف فتتكون من أدونيس، أنسي الحاج، محمود درويش، فدوى طوقان، عبد العزيز المقالح، سعدي يوسف والفرنسيين ايف بونفوا وميشال ديغي وجاك روبو وجان بلو رئيس P. E. N. فرع فرنسا. هذا المهرجان ليس مناسبة للتعارف بين الشعراء العرب ونظرائهم الفرنسيين فحسب، بل كذلك، وهنا بيت قصيد هذه المبادرة، فرصة للتعريف بالشعرية العربية الحديثة من طريق مناقشات مفتوحة حول النص والجسد، التجربة الصميمية وبعد القصيدة الجماعي، الترجمة والتبادل الثقافي، السيرة الشعرية ومسار الشاعر كمنفى داخل اللغة نفسها، وبطبيعة الحال ستلعب القراءة الشعرية دورا أساسياً في عملية الإيصال هذه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اللجنة الإستشارية بذلت جهدا ملحوظاً في إعداد ترجمة شعرية ودقيقة راجعها شعراء فرنسيون، لعدد كاف من قصائد كل شاعر عربي مدعو لكي يقرأها شعراء فرنسيون مختصون. نشرت جريدة الشعر الفرنسية الشهرية "اليوم، قصيدة" في عدد شباط / فبراير ملحقاً من أربع صفحات تضمن قصائد جميع الشعراء المدعوين عربا وفرنسيين مع تعريفات بهم وبأعمالهم. وتمت طبعة خاصة لهذا الملحق لكي يوزع مجانا إبّان المهرجان. يقف الشعراء الفرنسيون المدعوون على رأس مختلف التيارات الشعرية السائدة في فرنسا من الغنائية النقدية، مروراً بالاحتجاجية الإيقاعية إلى التجريدية النثرية والشعرية الرنّانة. ويكفي إلقاء نظرة على العدد الأخير من "ماغازين ليتيرير" المخصص للشعر الفرنسي الجديد، لنرى أن معظم الذين دار الحديث عنهم أو شاركوا في الملف هم من بين المشاركين في مهرجان معهد العالم العربي هذا. كما أن الشعراء العرب المدعوين يمثلون أيضاً تجارب شعرية متعددة وراهنة في المشهد الشعري العربي المعاصر، على صعيد قصيدة النثر الغنائية والتجريبية، أو التفعيلة المنهمكة في التفاصيل اليومية، أو على المستوى النسائي المتمرد كظاهرة شعرية صحية. مهرجان الشعر العربي - الفرنسي هذا يمثل محاولة من بين محاولات عدة، كالانطولوجيات مثلا، لإطلاق القصيدة العربية الحديثة في فضاء العالمية عبر الحوار المتكافئ والمتخلص من عقدة النقص. ولكي تتبوأ القصيدة العربية الحديثة مكانها العالمي، يجب الترحيب بكل لقاء من هذا النوع حيث يشعر الشاعر العربي والشاعر الغربي كلاهما بأن الواحد يكمل الآخر وبأنهما كعمّال كلام، يشتغلان على نص كوني يفهمه الجميع على رغم اختلاف اللسان. وهاهنا أيضاً فرصة لهذا "الآخر" المُجَهّل بوسائل عديدة، لكي يدرك بأن الشعرية العربية الحديثة لا تقتصر على اسم أو اسمين وكأن لا ثالث لهما، بل هي ثرية بأسماء من الضروري التعرف عليها والدفاع عنها كجزء لا يتجزأ من تجربته الشعرية هو.