قد يرى المهتمون بشؤون الإنتاج الفكري والأدبي، في السؤال عن جدوى إقامة عدد كبير من معارض الكتب خطأ أو هفوة، لكن طرح هذا السؤال بات ضرورياً في إطار البحث عن أزمة الكتاب في العالم العربي. فبيروت تستضيف الآن "معرض لبنان الدولي السابع للكتاب" الذي تنظمه نقابة اتحاد الناشرين في لبنان، وتشارك فيه 140 داراً ومؤسسة ثقافية من لبنان والعالم العربي، إضافة الى جناح من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب والمركز الثقافي الإيطالي في لبنان. والمعرض هو الثالث في بيروت بعد معرض النادي الثقافي العربي ومعرض انطلياس. ولا يفصل بين المعرض والآخر سوى أسابيع. ينسحب الهدوء المحيط بمركز بيروت للمعارض حيث يقام المعرض الى داخله، ويبدو الصمت سيد الحضور فيه. ساعات طويلة خلال النهار يكون الزوار قلة ونادراً ما يلتقي بهم المرء في أجنحة دور النشر في أو الممرات. أما العارضون فيقضون الأوقات يزور بعضهم بعضاً، أو بالتدخين ومناقشة امور الحياة اليومية. يتحدثون بصوت منخفض ربما احتراماً لطقوس شائعة ربطت الكتاب بالهدوء والتركيز. أما في المساء فيرتفع عدد الزوار لكنه يبقى دون المعدل الذي تعرفه المعارض الأخرى في بيروت. ويأتي كثيرون لتمضية الوقت أو للفرجة فقط. وما يلفت في المعرض تهرب المشاركين من الإدلاء بآرائهم. وفضّل بعض الذين سألناهم عن حركة المعرض عدم ذكر اسمائهم، مشيرين الى أن هذا المعرض لا يحظى عادة بعدد كبير من الزوار، وإلى أن نسبة المبيعات شبه معدومة، وتتكبد الدور الصغيرة خسائر من جراء مشاركتها فيه، إذ إن مبيعاتها منخفضة ولا توازي بدل المشاركة الرسم المفروض 50 دولاراً للمتر المربع. وفيما يحلو للبعض وصف المعرض بأنه يتميز عن غيره بمهمة توفير اللقاء والتواصل بين دور النشر اللبنانية والعربية، يقول بعض المشاركين أن هذه اللقاءات تتحقق فعلاً في المعرض. ويميل البعض الآخر الى تهميش اهميتها. فمعظم دور النشر لها وكلاء في الدول العربية، ومن خلال مكاتبهم تتم التبادلات. ويرفض ممثلو دور النشر أي حديث عن ندرة الإنتاج، إذ إن بعض الدور طرحت عشرات الكتب الجديدة، وب"أسعار معقولة جداً". لكن البحث في الإنتاجات في العالم العربي مسألة تتعدى المعرض، ومن الظلم الحديث عنها في هذا المعرض فقط. تلفت قراءة عناوين النشاطات الثقافية المرافقة للمعرض. فهي غنية ومتنوعة وتشمل مناقشة بعض الكتب، وشؤوناً متعلقة بهموم النشر، وأخرى بالترجمة، وباللغة العربية، والحرية وحوار الحضارات، إلى قراءات شعرية وحفلات موسيقية... لكن المتابعين لهذه النشاطات دائماً قلة، ومعظمهم من المشاركين. وعمد بعض هؤلاء المشاركين في النشاطات الى الانسحاب لأسباب تتعلق بالتنظيم. ويبدو ان الأخطاء التنظيمية شملت أيضاً أموراً تقنية. فبغياب أي إحصاء يصبح من المستحيل البحث عن نسبة المبيعات وعدد الزائرين، والكتب الأكثر مبيعاً. وقال لنا المتواجدون في جناح النقابة - المنظمة للمعرض - أنه من الممكن ان تصدر بعض الإحصاءات مع اقتراب اختتام المعرض. لم تصدر أي إحصاءات إذاً. ولكن ثمة سيطرة لملصقات كتب أصدرها مذيعو التلفزيون المتخصصون في أمور التغذية والفلك والطبخ. وقد يكون هذا الانطباع خاطئاً إذ إن شهرة هؤلاء تساعد على جذب النظر الى صورهم. قد يكون المعرض ضحية توقيته، كما أكد لنا بعض المشاركين فيه. فهو يأتي مباشرة بعد ثلاثة معارض أخرى. وقد يكون السبب مرتبطاً بأمور تنظيمية، إلا أنه لا يمكن تجاهل التأثير السلبي للوضع الاقتصادي في لبنان، وتأثير الوضع السياسي. وأفضل تلخيص ما قاله عارض في المعرض: "ثمة ترويكا في لبنان لا يمكن تجاوزها، ولكل طائفة معرض، لا يهمهم نجاح المعرض، ما يهمهم فقط من يفتتحه". ولعلّ اللافت ان الندوة التي خصصتها دار المسار عن الزعيم الراحل كمال جنبلاط بمناسبة صدور كتاب جديد عنه، شهدت إقبالاً غزيراً لم يشهده المعرض في أيّ يوم أو أمسية. وشهدت بعض الامسيات الشعرية اقبالاً ايضاً من جمهور يهوى الشعر، يقرأه بعض الممثلين اللبنانيين.