«معرض بيروت العربي والدولي للكتاب» عنوان سنوي يتجدد في بيروت مرة بعد مرة، وهذه السنة في الدورة الحادية والستين، حيث يقام ما يعرف بين الناس ب «معرض الكتاب» في مركز البيال للمعارض من 30 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 13 كانون الأول (ديسمبر). المعرض الذي ينظمه «النادي الثقافي العربي» يجمع أكثر من مئتين من أهم دور النشر العربية وتلك الأقل أهمية، لكنه في الواقع يفتقر إلى حسن التنظيم وهو ما بات واضحاً في كل سنة، ويؤثر في رواده. فقد شهد المعرض في ثالث أيامه ازدحاماً خانقاً في الشوارع المؤدية إليه واحتجز الرواد في سياراتهم لأكثر من ساعة بسبب تزامن المعرض مع احتفال رسمي بمناسبة اليوم الوطني للإمارات الذي أقيم في صالة مجاورة للمعرض، من دون الاستعداد المسبق لتزامن المناسبتين. ومنذ دخول المعرض تبدو الفوضى عارمة، فبين حركة المنظمين ورجال الأمن، والموظفين الذي يجمعون فواتير المشتريات من الزوار المغادرين، إلى أشخاص لا تعرف لهم مهمة أو دور يبدو المدخل أشبه ب «سوق الأحد» على حد تعبير زائر عجوز. يضاف إلى ذلك التمدد السنوي للأجنحة التي تعرض كتب الطبخ والأبراج ومقاربات دينية شعبية وتسجيلات خطب وعظات وأناشيد، وتلك التي تبيع الألعاب والهدايا والصور وحتى المفروشات، تتساءل أين هو الكتاب العربي حقاً؟ وإذ بدأ التراجع يلاحظ في السنوات القليلة الماضية، إلا أن كل ما سبق ورافقه هذا العام أيضاً إضاءة سيئة للمعرض الضخم والتي اشتكى منها زوار كثيرون، إلى جانب التدخين داخل المعرض من قبل العارضين والزوار على حد سواء، إن في قسم الكافتيريا غير المنفصل عملياً عن بقية أقسام المعرض أو في ممرات وأجنحة العرض نفسها. رشا الأمير روائية ومشاركة قديمة في المعرض، تقول إن تنظيم المعرض يفتقد الخيال وتلوم شركة سوليدير المالكة لمكان المعرض المنظمين على سوء التنظيم والكلفة الخيالية للإيجار، وهي تقترح أن ينظم المعرض في المدينة الرياضية حيث تتوافر شروط أفضل له. تلاحظ الأمير كيف يأتي تلاميذ المدارس برفقة أستاذ أو أستاذة إلى المعرض، فيلتزمون ببرنامجهم فيما تجمع المدارس الفرنسية يستأجر مساحة كبيرة ويقترح على التلاميذ لقاءات مباشرة بكتّاب ورسامين في معرض الكتاب الفرنسي، بينما في الجانب العربي التشجيع والتنسيق منخفض جداً، مطالبة المعلمين بمزيد من الجهد في هذا الإطار. ولكن ذلك كله لا يمنع أن المعرض يشهد إقبالاً يبدو جيداً لكونه المعرض شبه الوحيد، حيث يمكن القارئ والباحث والطالب والمهتم أن يجد مختلف الكتب التي تهمه في مكان واحد وبأسعار يقال أنها مخفضة. لكن جولة على الأجنحة الرئيسية وتناول بعض الكتب التي غالباً ما تدون أسعارها على غلافها الأخير أو صفحتها الأخيرة، كما سؤال المشرفين على الأجنحة تبين بوضوح أن الأسعار -مخفضة كانت أم لا- هي أسعار مرتفعة أصلاً تخيب آمال كثيرين من المقبلين على المعرض بصفته فرصتهم السنوية لاقتناء كتب ضرورية من دون المبالغة في إرهاق جيوبهم. الكلام عن ارتفاع أسعار الكتب وصعوبة توافر بعضها، يعيد فتح الحديث عن الحلول التي لجأ إليها كثيرون، متمثلة في الكتب الإلكترونية المتوافرة على شبكة الإنترنت مجاناً، بخاصة تلك المقرصنة منها. إذا يعمد بعضهم إلى تحويل الكتب الورقية إلى نسخ إلكترونية بواسطة ماسحة ضوئية، وهو الأمر الذي سبب ويسبب خسارات متصاعدة لدور النشر التقليدية، وربما يساهم في رفع أسعار الكتب الورقية للتعويض عن التراجع في المبيعات بسبب تلك القرصنة نفسها. وترى الأمير في هذا السياق أن الدولة ليست قادرة على تطبيق قوانين الملكية الفكرية، وأن منع القرصنة حلم مستحيل، فالقرصنة لا تكون دوماً مالية الأسباب، فقد تأتي من باب الاستسهال والسرعة. سامح الجوني طالب جامعي من زوار المعرض يأسف لتراجع مستواه بمرور الوقت، ويسخر من هذا بقوله: «لسنا الأفضل لكننا الوحيدين»، معترفاً بعدم قدرته على مقاطعة المعرض على رغم استيائه منه بعد كل زيارة. الجوني يسر في شكل خاص بلقاء رفاق يصادفهم كل عام في المعرض، وبالعلاقات التي نسجها مع مسؤولين عن بعض الأجنحة التي تهمه والذي صاروا يعرفونه بالاسم وينتظرون زيارته كل سنة بل ويقدمون له بعض الحسومات الاستثنائية أحياناً. الشاب الجامعي لا ينفي إقباله على الكتب المقرصنة عبر الإنترنت، «لكن في النهاية لا بديل عن الكتاب الورقي، فالكتاب الإلكتروني لا ملمس له ولا رائحة». طالبة دراسات عليا تدعى سمية دندش تشرح خطتها في المعرض، فهي تزوره أولاً زيارة استطلاعية تحدد من خلالها الكتب التي تريد اقتناءها، ثم بعد مراجعة الأسعار وتحديد الموازنة المالية المتوافرة لديها تحدد تلك الكتب التي هي قادرة بالفعل على شرائها، فتذهب مساء اليوم الأخير للمعرض لشراء ما قد عزمت على اقتنائه، إذ تقول إنها غالباً ما تحصل على حسومات إضافية في الساعات الأخيرة من المعرض، حيث يفضل مسؤولو الأجنحة التخفف من الكتب التي عليهم العودة بها إلى مستودعات دور النشر. وتعتبر دندش أن زوار المعرض الفعليين قلة، فبعد استثناء زوار الندوات وحفلات التوقيع الذين عادة ما يأتون من باب الواجب الاجتماعي والبروتوكولي، واستبعاد طلاب المدارس الذين يأتون في رحلات إلزامية كثيراً ما تخلو من فائدة فعلية، لا يحضر للرحلة من قبل المعلمين في شكل جيد، بعد كل هذا يبقى «زوار قليلون يشكلون عصب المعرض والمحرك الأساسي للحياة الثقافية والأكاديمية والبحثية العربية في لبنان». على باب المخرج، زوار يخرجون أفراداً ومجموعات، منهم المثقل بأكياس الكتب ومنهم متخففون منها خالو الوفاض، محملين أمنيات كثيرة عن معرض مقبل حسن التنظيم ثمين المحتوى بكلفة منخفضة تمكنهم من الاستمتاع بكتب هجرها كثيرون في مدينة يطغى عليها الجانب الاستهلاكي يوماً بعد يوم، وتحتل أجهزة الكومبيوتر والأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لطالما تربع الكتاب الورقي على قمة عرشه.