تريد حكومة توني بلير العمالية من موازنتها الجديدة التي أعلنتها قبل أسابيع قليلة من الانتخابات العامة المحتمل أن تعقد أوائل الشهر المقبل، إرضاء الناخبين، فهل تنجح في مسعاها؟ يجيب المحامي اللندني ديفيد فريمان على هذا التساؤل في المقال التالي مقدماً في السياق نصائح مهمة للمقيمين العرب في شأن الضرائب والحسابات المصرفية وأمور أخرى. لدى بريطانيا نظاماً متطوراً للضرائب والضمان الاجتماعي صاغته وتدبرت بنوده بما يردع غائلة الجوع عن كل مقيم على أرضها. لكن الحكومة العمالية الراهنة تريد من الجميع الاعتقاد بتدني معدلات الضرائب التي يدفعونها لها بينما تعمل هي جباية أقصى ما تستطيع جبايته منهم من الضرائب. ومن البديهي القول إن الحكومة البريطانية والحكومات عموماً لا تملك أن تعطي أكثر مما تتلقى إلا إذا لجأت للاقتراض. ولم يدع وزير الخزانة غوردن براون الذي كشف عن تفاصيل موازنته الجديدة مطلع الشهر مجالاً للشك في أن ما يريد أن يفعله هو سداد 34 بليون جنيه استرليني من الدين السنة الجارية. واشتهر براون بالحصافة والحذر الشديد وهما صفتان تحتضنان معان كبيرة في اللغة الانكليزية. وتسهم لكنته الاسكتلندية وملبسه وخلفيته الاجتماعية مجتمعة في ترسيخ الانطباع المأخوذ عنه بصفته رجل مقتصد لا يحب هدر المال على الكماليات. ويشجع براون هذا الانطباع عن شخصه لكن لديه مهمة صعبة تتمثل في موازنة حسابات البلد وسط التحضير للانتخابات العامة ورغبة السياسيين في غالبيتهم الظهور بمظهر الاسخياء. وترددت اشاعات ان بلير أراد من غوردن إحداث خفض عام في الضرائب بمعدل بنس لكل جنيه لكن غوردن لم يكن مستعداً للذهاب الى هذا الحد من السخاء. وتبدو معدلات الضريبة البريطانية ذات تنافسية عالية بالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى وبقية البلدان الصناعية، لكن براون أبدى براعة كبيرة بزيادة الضرائب دونما حاجة لاجراء أي تعديل على معدلات الضريبة الرئيسية. وفي عالم مثالي قد يكون براون قادراً على رفع معدلات الضريبة ضمن خطة لإعادة توزيع الثروة وزيادة الانفاق وضمان أن يكون المال الذي تنفقه الحكومة خاضعاً لرقابة صارمة تحول دون إهداره، لكن أسواق المال الدولية وحركة تدفق الاستثمارات العالمية وضرورة تبني معدلات ضريبية تتيح لبريطانيا اجتذاب رأس المال تحد بمجملها من قدرته على تغيير النظام الضريبي بالقدر الذي يريده. وفي المحصلة ربطت الموازنة مباشرة بالانتخابات العامة وأعدت بحيث تشجع الناخبين على تذكر أنهم جميعاً يستفيدون من السياسات الاقتصادية التي ينتهجها حزب العمال الحاكم. ضريبة الدخل تحصل ضريبة الدخل في بريطانيا وفق معدلات ترتبط بمستوى الدخل، فكلما زاد دخل الفرد ارتفع المعدل الذي تحسب ضريبته بموجبه، وصولاً الى سقف يحدده النظام الضريبي ب40 في المئة. ولم يتم اجراء أي تغيير على المعدلات الضريبية في الموازنة الجديدة لكن براون وسع شريحة المكلفين الذين يدفعون ضرائبهم وفق المعدل الأدنى وهو 10 في المئة وأعلن أمام البرلمان أن هذا الاجراء سيفيد 25 مليون ناخب إذ أن غالبية دافعي الضرائب تذهب الى مراكز الاقتراع. الضمان الاجتماعي هناك تصور قد يكون صحيحاً ان ثمة من يحاول استغلال نظام الضمان الاجتماعي في بريطانيا والاساءة اليه. ويتيح هذا النظام للعاطلين عن العمل وذوي الأجور المنخفضة طلب الحصول على "دخل" من الحكومة. والحقيقة أن هذه المساعدات ليست كبيرة لكن اتاحة النظام الاجتماعي فرصة الحصول عليها هو ما يغري الكثيرين في القدوم الى بريطانيا بصفة لاجئين سياسيين. ويعمل وزير الخزانة جاهداً على حصر التمتع بمنافع الضمان الاجتماعي في الأشخاص الراغبين في العمل ساعياً للقضاء على الصور المأخوذة عن بريطانيا بأنها بلد العيش السهل حيث تدفع الحكومة للمرء كي لا يعمل. وتتجه الأمور الى جعل الحصول على المساعدات الحكومية أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص الذين لا يعملون على رغم توفر القدرة لديهم على العمل. الأثرياء والموازنة الجديدة وحقق الأثرياء في الموازنة الجديدة فوائد لم تأت مما فعله براون بل مما لم يفعله. ولحسن حظ الأثرياء الذين اختاروا العيش في بريطانيا أن غوردن قرر ألا يحدث أي تغيير في شأن الترتيبات الضريبية المفيدة التي تجعل من بريطانيا ملاذاً آمناً. وبقيت بريطانيا ملاذاً يتيح للكثيرين من الأثرياء العيش بلا ضرائب. ويظهر أن حزب العمال يدرك أهمية احتفاظ بريطانيا بموقعها نقطة جذب ثقافي ومالي. ولا يمكن لبريطانيا أن تحقق ذلك إلا إذا كانت معدلاتها الضريبية تنافسية ونجحت في اجتذاب الناس ورؤوس أموالهم. ويمكن للمقيم في بريطانيا ويملك أموالاً في الخارج جلب هذه الأموال معفاة من الضرائب. ولكي يتاح ذلك للمرء لا بد أن يكون له مكان إقامة دائم في بلد أجنبي. لكن من السهل الوفاء بهذا الشرط بالنسبة لشخص ولد خارج بريطانيا. بل هو متاح أيضاً حتى بالنسبة للمرء الذي يعيش في بريطانيا منذ فترة طويلة من الزمن ويعتبرها موطناً له، اذ بمقدوره الوفاء بالمطلوب طالما أن في نيته العودة الى وطنه الأصلي في وقت ما. نهاية السنة الضريبية تمتد السنة الضريبية في بريطانيا من 6 نيسان ابريل في عام ما من الأعوام الى 5 نيسان من العام التالي. ومع اقتراب نهاية السنة الضريبية 2000/2001 يفكر الكثيرون من المقيمين في بريطانيا بشؤونهم الضريبية وما إذا كان من الضروري اجراء أي تعديل أو تغيير في ترتيباتهم الضريبية قبل نهاية السنة الضريبية. وكما أسلفت فإن المقيم في بريطانيا الذي لديه مكان اقامة دائم في بلد أجنبي ليس مطالباً بموجب قانون ضريبة الدخل بدفع ضريبة على الأموال التي يجلبها من الخارج، لكن الضريبة تصبح واجبة عندما تكون الأموال عبارة عن أرباح تحققت للشخص المعني بها. ويترتب على ذلك ضرورة التزام الحذر الشديد عند التفكير في جلب المال الى بريطانيا. ويرى كثيرون أن هذا الجانب من قانون الضرائب ليس حكيماً ويفتقد الى مبررات كافية لكني أتصور أن الحكومة تجده مبرراً بما فيه الكفاية باعتبار أن لندن ومناطق أخرى من بريطانيا تفيد من تدفق رأس المال اليها. كذلك فإن المقيم قد لا يضطر الى دفع ضرائب مباشرة إلا أنه وفي كل مرة يسدد ثمن فاتورة مطعم أو أتعاب محاميه ومحاسبه فهو يدفع ضريبة القيمة المضافة بمعدلها البالغ 17.5 في المئة، ما يعني أنه يساهم في الاقتصاد البريطاني ككل والدخل الضريبي على حد سواء. وان كنت تقيم في بريطانيا ولديك حسابات مصرفية في الخارج فإنك تجني فوائد على هذه الحسابات. وكنتيجة لبند "غريب" في القانون الضريبي يمكن للمرء تحويل الفوائد المتحصلة له في سنة ضريبية ما الى رأس مال في السنة الضريبية التالية شرط اغلاق مصدر الدخل أي الحسابات المصرفية في هذه الحال. ومع اقترابنا من نهاية السنة الضريبية الراهنة يفكر الكثيرون في ما إذا كان يتوجب عليهم اغلاق حساباتهم المصرفية التي جنت لهم فوائد بحيث يمكنهم تحويل الفائدة المتحصلة لهم في هذه السنة الى رأس مال وادخاله الى بريطانيا معفياً من الضرائب في السنة الضريبية المقبلة. وتعرف مصارف الأوفشور في سويسرا وجيرزي وغيرزني ومراكز الأوفشور الأخرى هذه الترتيبات وهي منهمكة الآن في تحويل فوائد عملائها الى رؤوس أموال. لكن لا بد من التنبه الى أن حدوث أي خطأ في هذه الترتيبات من شأنه أن يرتب على صاحب الحسابات فاتورة ضريبية كبيرة. كما ان ادارة الضرائب البريطانية على دراية أيضاً بهذه الترتيبات وسبق أن أقرت بقانونيتها. وقد أسلفت أن أعداداً كبيرة من الأشخاص يمكن أن تتفادى دفع الضرائب بشكل مباشر لكنها تدخل الى بريطانيا أموالاً بكميات كافية لانتاج ضرائب أخرى غير مباشرة. إعداد الموازنة للعملية الانتخابية بالعودة الى مهمة براون أشارت عناوين الصحف الصادرة غداة إعلان الموازنة ان وزير الخزانة أقنع الناخبين انه فعل كل ما بوسعه لمساعدتهم إذ أجرى خفضاً طفيفاً على ضريبة الدخل في توسيع شريحة المعدل الضريبي المنخفض ورفع الانفاق على المستشفيات والمدارس ودعم المساعدات الموجهة للأسر الفقيرة التي تعيل أطفالاً. ويبدو أن غوردن نجح في الوقت نفسه بإقناع أسواق المال انه وزير خزانة مقتصد وحصيف وأنه، حتى عندما يواجه بانتخابات، لن يعمل ببساطة على إعادة المال الى دافعي الضرائب مخاطراً برفع معدلات التضخم. وقد يرى البعض ضرورة في افتراض ان وزير الخزانة ربط قرارات موازنته بالانتخابات أكثر من الواقع الاقتصادي لبريطانيا وبقية أنحاء العالم، لكن بلير وبراون أوضحا بما لا يدفع مجالا للشك انهما يعتبران "مهمة" حزب العمال شيئاً يمكن تحقيقه فقط في المدى الطويل وأنهما يأملان في البقاء في السلطة ليس فقط لفترة حكم جديدة من خمس سنوات حتى سنة 2005 بل لخمس سنوات أخرى بعدها. عندما اكتسح حزب العمال منافسه حزب المحافظين في سنة 1997 كانت تلك المرة الأولى التي يصل فيها الى الحكم في فترة تصل الى 18 سنة. وكانت مارغريت ثاتشر آنئذ قد غيرت المفاهيم السياسية والاقتصادية في بريطانيا ولعبت دوراً جوهرياً في تغيير الكثير من هذه المفاهيم في مناطق أخرى من العالم. وسواء كانت هذه التغييرات جيدة أم سيئة فهو أمر يدخل في اطار الجدل السياسي، لكن يبدو من المحتمل أن بلير وبراون يملكان خططاً لإحداث تغيير في المفاهيم السياسية والطريقة التي يفكر بها الناس ويعملون ويحيون. ويبقى من المريح معرفة أنهما يدركان في ما يبدو أن الناس سيستمرون في اختيار المجيء الى بريطانيا واعتبارها مركزاً مهماً للنشاطات المالية والثقافية والاجتماعية ولكن فقط حين يكون نظامها الضريبي مغرياً ومرناً. * ديفيد فريمان محام لدى مؤسسة "داونز سوليسيترز" في لندن ومستشار قانوني في الأمور المالية والأعمال والضرائب والهجرة. لمزيد من المعلومات: هاتف: 2818-936-0207 بريد اليكرتوني: [email protected].