درج وزير الخزانة على اعلان موازنته في آذار مارس من كل عام، وهو، شأنه شأن أي وزير مسؤول عن الاقتصاد الوطني، متلهف لجمع المال من كل المصادر المتاحة من دون أن يبدو جشعا. ولايقل السيد براون، وزير الخزانة الحالي حرصا على إظهار النظام الضريبي بمظهر عادل. والمظاهر هي بيت القصيد، أما الحقيقة فشيء آخر. ففي الأعوام الثلاثة الأخيرة نجحت الحكومة العمالية في زيادة العوائد الضريبية وخفضت في الوقت نفسه المعدلات الضريبية الظاهرة للعيان مظهرة نفسها بمظهر الحكومة العمالية ذات الضرائب المنخفضة. وشمل الخفض معدلات ضرائب الشركات كما شمل معدلات ضريبة الدخل. وكان براون وأقرانه مبدعين في تعاملهم مع مسألة تحصيل الضرائب وهم يستحقون الثناء لنجاحهم في ايجاد سبل تكون فاعلة في جمع المال ولكنها غير ظاهرة لجمهور الناخبين. ونجد في ضرائب صناديق التقاعد مثالا على ما تقدم اذ يساهم الكثيرون في صناديق المعاشات بدفعات منتظمة ادخارا لزمن التقاعد. وكان يتاح لأموال صناديق التقاعد في الماضي أن تربو في مناخ من الاعفاء الضريبي، ما يعني أنها كانت قادرة على النمو بسرعة. لكن وزير الخزانة، وبتغيير بسيط أحدثه في النظام الضريبي صار يحصل الضريبة على مداخيل الاستثمارات السهمية في هذه الصناديق. ولم يطاول هذا التغيير أحدا على الفور ما عدا الأشخاص الذين قرروا زيادة مساهماتهم في صناديق المعاشات لأخذ هذا التغيير في حساباتهم ولكنه سيطاول كل المساهمين عندما يحين وقت التقاعد، وعندها سيكون الوضع السياسي تغير ويكون براون وزملاؤه في الحكومة الحالية أصبحوا بعيدين عن ذاكرة الكل، عدا المهتمين بالتاريخ السياسي. القرارات المطلوبة من وزير الخزانة ليست سهلة. ويصف براون نفسه بأنه إشتراكي وتؤكد خطاباته السابقة حقيقة أنه يرغب في أن يكون النظام الضريبي عادلا. ولكن في الوقت الذي يطلب فيه من النظام الضريبي العادل أن يضمن لكل فرد أن يدفع ضرائبه بما يتناسب مع دخله فان الحكومة تجد نفسها في الواقع بحاجة الى اجتذاب المستثمرين ورأس المال. ويعتبر نظام الضرائب العنصر الأساس في اتخاذ أي قرار في شأن نقل شركة أو استثمارات الى بلد ما. ويحدث أحيانا أن يكون نظام الضرائب العادل عنصرا غير مشجع للمستثمرين الأجانب ويلحق الضرر بالاقتصاد ودافعي الضرائب على حد سواء. خطاب الموازنة سيقف وزير الخزانة في مجلس العموم اليوم وستنشد إليه عيون كل المحاسبين والمحامين في بريطانيا وآذانهم. ومن الصعب جدا على أي كان صياغة رد فعل فوري على خطاب الموازنة أو الاعتماد على الاستماع الأول لاتخاذ ما يلزم اتخاذه من خطوات. وليس ثمة وزير مال يرغب في الكشف عن السلبيات التي ستنجم عن تغيير النظام الضريبي خشية اثارة مخاوف المستثمرين والتسبب في هروب رؤس المال من البلد. ولذلك يعامل الكثير من التغييرات على اعتباره نافذ المفعول منذ لحظة إعلانه في خطاب الموازنة. ومن أمثلة ذلك ادخال زيادات على "رسم الطابع" والترتيبات التي تتخذ عندما تريد الحكومة سد "الثغرات الضريبية". ما المقصود بالثغرة الضريبية؟ سيقول أي متهكم أن الثغرة الضريبية هي أي بند قانوني يتيح لدافع الضرائب أن يدفع ضرائب أقل مما تريد الحكومة منه أن يدفع في أي وقت من الأوقات. وهناك وجهة نظر بديلة وربما أكثر صوابا وهي أن الثغرة الضريبية بند قانوني قابل لأن يفسر بطريقة لم تقصدها الحكومة وتمكن الناس من دفع ضرائب أقل مما أرادته الحكومة. ويمضي المحاسبون والمحامون وقتا طويلا في درس الاشتراعات الضريبية الجديدة بغية ايجاد ثغرات تتيح لزيائنهم دفع ضرائب أقل. ويعود ذلك الى أنه في بريطانيا درجت العادة على صياغة الاشتراعات الضريبية بحيث تفسر بحرفية القانون. ولكن هذا التقليد في طريقه الى الانحسار اذ يعمد القضاة أكثر فأكثر الى تفسير القانون الضريبي بمقتضى الغاية المقصودة منه وليس بحرفية النص. وكمثال على ذلك دأبت مصلحة الضرائب الادارة الحكومية المعنية بتحصيل الضرائب في بريطانيا على الامتناع عن الاعتراف بمعاملات البيع والشراء التي تحمل قيماً مالية تزيد أو تنقص عن قيمها الفعلية والتي تكون مصممة لتعطي ميزة ضريبية لشخص ما. تجنب الضرائب مقابل التهرب يعتبر تجنب الضرائب عملاً قانونياً وهو الصناعة التي تساعد الناس على تنظيم شؤونهم قانونيا ليدفعوا ضرائب أقل مما يجب عليهم أن يدفعوه. أما التهرب من الضرائب فهو عمل غير قانوني ونشاط إجرامي. ويقوم التهرب من الضرائب على نظام بسيط يتمثل في الافصاح عن معاملة أو نشاط ما بطريقة غير صحيحة أو الامتناع عن الافصاح عنها كليا ما يعني أنها لن تكون عرضة للملاحقة من قبل ادارات الضرائب سواء في بريطانيا أو غيرها من البلدان. وتتشدد بريطانيا في ملاحقة الأفراد والشركات المدانة بالتهرب من الضرائب، لكن العقوبات المطبقة على هذا الصعيد لا تزال هزيلة بالمقارنة مع الكثير من الأنواع الأخرى من الجرائم التي يرتكبها "أصحاب الدخل". وأعلن براون الاسبوع الماضي أنه يعتزم تغيير هذا الوضع وتغيير الموقف الذي يحمله الكثيرون ازاء مسألة التهرب من الضرائب. اذ غالبا ما يعرض البناؤون ومتعهدو الديكور والكثير من أصحاب الأعمال الأخرى على زبائنهم سعرين لعمل ما: سعر للدفع نقدا، وآخر للدفع شيكا. وعندما يقرر العميل الدفع شيكا فلا بد من دفع ضريبة القيمة المضافة كما لا بد من تضخيم المبلغ المدفوع ليعكس حقيقة أن المعاملة ستدخل في دفاتر الشركة. وفي حال قرر الزبون الدفع نقدا فسيحصل على حسم لأن ضريبة القيمة المضافة والضريبة سيتم تجنبهما. تنظيف الأموال ان وجود قوانين لمكافحة تنظيف الأموال جعل من شبه المستحيل ايداع مبالغ كبيرة من النقد في المصرف من دون الاجابة على الكثير من الأسئلة. وعلى رغم أن القانون لا يمنع المسافرين من حمل كميات كبيرة من النقد سواء كان السفر برا أو جوا لكن ادارة الجمارك والضرائب المعنية بتحصيل الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة لديها الآن كلاب مدربة على الكشف عن الكميات الكبيرة من النقد. وسيجد المتعاملون مع هذه "السوق السوداء النقدية" صعوبة متزايدة في الاستمرار في تعاملاتهم. وأعلنت ادارة الجمارك والضرائب أن دافعها لتدريب الكلاب على الكشف عن النقد ينحصر في ملاحقة تجار المخدرات الذين يجلبون المخدرات الى البلد لبيعها ثم يخرجون النقد من البلاد. لكن حقيقة أن الكلاب الشمامة يمكن أن تقدم لرجال الجمارك معلومات مفيدة في شأن مسائل لا تتعلق بالمخدرات مثل التهرب من الضرائب وحتى تجنبها تعني ان لها فائدة إضافية. مقومات "الضرائب العادلة" يعطي وزير الخزانة أهمية كبيرة لمسألة ضمان أن يكون نظام الضرائب عادلا. الا أن العدل الضريبي مسألة نسبية تختلف أهميتها باختلاف موقع سامعها. وعندما سيتحدث وزير الخزانة عن العدل في خطاب الموازنة فانه سيعني المساواة ضريبيا للمتساوين في الدخل. لكن نظيريه الفرنسي والألماني يريان العدل بطريقة مختلفة اذ يعتقدان أن ليس من العدل أن يكون لبريطانيا نظام ضريبي يجده المستثمرين الأجانب جذابا ويطالبان باحداث تغييرات من شأنها توحيد النظام الضريبي في دول الاتحاد الأوروبي قاطبة. ولكن أصبح من الواضح أن تحقيق هذا الهدف سيحتاج الى وقت طويل. اذ ناضلت بريطانيا بضراوة كي لا تخسر لندن سوقها الثمينة للسندات لصالح نيويورك أو زوريخ بسبب مخططات أوروبية لفرض "ضريبة محتبسة" على عوائد الفائدة. وتدرك بريطانيا أن مصدري السندات والوسطاء سيرحلون على وجه السرعة الى مناخ آخر اذ لا توجد ضريبة محتبسة وبذلك لن يتحقق سوى القليل من توحيد نظام الضرائب في الاتحاد الأوروبي. ان ما سيعلنه وزير الخزانة في خطاب الموازنة سيكون له أثر ملموس على جمهور دافعي الضرائب قاطبة ويمكن أن يكون لمخططاته أيضا أثر كبير على الكثيرين من أبناء الشرق الأوسط الذين يمتلكون في بريطانيا استثمارات وأعمالاً وبيوتاً أو مصالح مالية أخرى. اذ ان هناك حديثاً عن بعض التغييرات التي يمكن أن تحدث تاثيرا ما ويمكن أن تبعد الناس عن الاستثمار في بريطانيا، ولا سيما قطاع العقارات. ضريبة أرباح رأس المال تجيز القوانين الحالية لشخص يتخذ مقر اقامته الدائمة خارج بريطانيا شراء عقار فيها ويمكن أن يكون هذا العقار بناء سكنيا أو تجاريا أو شقة أو مزرعة، وطالما أن المشتري بقي غير مقيم دائم فإنه يستطيع بيع العقار وتحقيق أرباح رأس مالية معفاة من الضريبة. ويتاح للكثيرين ممن يأتون من الخارج ويعنزمون العودة الى أوطانهم في وقت ما من المستقبل والذين يقطنون في بريطانيا، ولندن على وجه الخصوص، تنظيم شؤونهم بحيث يعملون على تسجيل ملكية منازلهم وأعمالهم واستثماراتهم وبيوتهم بأسماء شركات اوفشور. والكثير من عقارات لندن الفاخرة مملوك بهذه الطريقة. وترددت اشاعات تقول أن وزير المال يعتزم تغيير القوانين بما يمكنه من تحصيل الضرائب على أي أرباح رأس مالية يتم تحقيقها جراء بيع عقار ما سواء كان هذا العقار مملوكا بواسطة شركة اوفشور أو من قبل شخص غير مقيم أو مقيم فعلا في بريطانيا. ومن شأن تغيير من هذا القبيل أن يزيل حافزا مهما في ما يتعلق باستخدام شركات الافشور ومن شأنه أن يجعل لندن اقل جاذبية للاستثمار. ونأمل كمحامين ناشطين في تقديم الاستشارات القانونية لزبائن من الشرق الأوسط، والكثير منهم ناشطون في الاستثمار في بريطانيا، ألا يحدث وزير الخزانة هذا التغير ولكنه أمر جرت مناقشته ومثير للقلق ولن نقف على حقيقته قبل القاء خطاب الموازنة. ومن يشعر بقلق جدي إزاء هذا الأمر عليه النظر في ما اذا كان من المناسب أن يحاول زيادة قيمة قاعدة أصوله في بريطانيا قبل موعد القاء خطاب الموازنة. لكن خطوة من هذا القبيل ستكون نوعا من المغامرة اذ أن نقل أصول شركة ما الى شركة أخرى لزيادة قيمة قاعدة الأصول سيكون مكلفا وسيترتب عليها تسديد فواتير الاستشارة القانونية والاستشارة المحاسبية علاوة على رسم الطابع. وفي هذا الشأن لا بد من الاشارة الى أن رسم الطابع في حال الأصول التي تناهز قيمتها مبلغ 500 ألف جنية استرليني يحسب بواقع 3.5 في المئة، أي أن اتخاذ خطوة زيادة الأصول يعني المغامرة بمبلغ كبير من المال على أساس اشاعة لم تثبت صحتها. وينظر الى رسم الطابع باعتباره منطقة أخرى يمكن أن تطالها اجراءات وزير الخزانة. ونشرت الصحف البريطانية مقالات كثيرة عن اشاعة تحدثت عن زيادة سيتم تطبيقها على رسم الطابع، أقله بالنسبة للعقارات الباهظة الثمن. ويتم تحصيل رسم الطابع وفق سلم متدرج من الشرائط يبدأ في قمته بنسبة 3.5 في المئة وهي النسبة التي تدفع عندما يناهز سعر العقار مبلغ 500 ألف جنيه. ولكن معدلات جباية رسم الطابع في بريطانيا تعتبر منخفضة بالمقارنة مع الرسوم أو الأشكال المماثلة من الضرائب المطبقة في الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ما يعطي وزير الخزانة مبررا وجيها لزيادتها. وعلاوة على ذلك تثير مسألة زيادة رسم الطابع القليل من الاحتجاج الشعبي اذ أن غالبية البريطانيين تقطن في عقارات تقل قيمتها عن 500 ألف جنيه وتنظر بالتالي الى هذه الضريبة على أنها لا تعني سوى الأغنياء. ومن شأن هذا الواقع أن يمنح وزير الخزانة الفرصة لعرض مؤهلاته الاشتراكية والقول أنه يتصرف بعدل. ولدى وزير الخزانة مبرران إضافيان لزيادة رسم الطابع. ويكمن الأول في حقيقة أن أثمان العقار ترتفع في بريطانيا بمعدلات غير معقولة. وتردد في وقت مبكر من العام الجاري أن أسعار المنازل تزيد بنسبة 15 في المئة كل سنة وتبلغ نسب الزيادة مستويات أعلى في بعض المناطق. وسجلت أعلى نسب الزيادة في المنطقة الواقعة جنوبي شرق لندن. وينعكس ارتفاع أسعار العقار سلبا على ذوي الدخل المحدود الذين يجدون صعوبة كبيرة في ايجاد منازل تناسب مداخيلهم. وأي شيء من شأنه لجم سوق العقار والأسعار سيجده وزير الخزانة ايجابيا. ويكمن المبرر الاضافي الثاني الذي يملكه براون لزيادة رسم الطابع في حقيقة أن هذه الضريبة سهلة التحصيل الى حد بعيد، بل أنها ذاتية التحصيل. ويتحتم على المحامين الموكلين من قبل مشتري العقار تسجيل المعاملة لدى السجل العقاري ولا يمكنهم أن يفعلوا ذلك ما لم يرسلوا شيكا الى مصلحة الضرائب ويصادقوا على نقل الملكية إشعارا بتسديد الضريبة. ويبدو من غير المحتمل أن يغير وزير المال الأحكام التي تتيح لأفراد مقيمين في بريطانيا بينما إقامتهم الدائمة في بلد آخر إدخال رأس مال من دون دفع أي ضريبة. ففي بريطانيا يحصل من المقيم غير الدائم ضريبة على ما يدخله الى البلاد من دخل أو عوائد استثمارية فقط ولاينسحب ذلك على رأس المال. ويمكن بشيء من التخطيط المتأني تحويل الدخل الى رأس مال، وهذا يعني أنه بمقدور الكثيرين العيش في بريطانيا عيشة معفاة من الضريبة. والمستفيدون من ترتيبات من هذا النوع قليلون عددا لكنهم يقدمون مساهمات ضخمة للاقتصاد البريطاني، وتتسم الأحكام المتعلقه بهم بالتعقيد. عندما سيقف وزير الخزانة لالقاء خطاب الموازنة سنتساءل جميعا كيف ستؤثر كلماته فينا. ويبدو من المحتمل أنه ستكون هناك حاجة للنظر في اجراء تغييرات مهمة في ما يملكه غير المقيمين من محافظ عقارية منتجة للأرباح الرأسمالية. وسيكون من الحكمة التنبه لمسألة تسجيل ملكية العمارات والمنازل والشقق بأسماء شركات اوفشور مختلفة وذلك لضمان أنه في حال ظهرت ضرورة للبيع فسيكون للمالك الخيار في بيع الشركة وليس العقار. ومن شأن هذا الاجراء توفير رسم الطابع ومن شأنه أيضا المساعدة على تجنب دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية وان كان ذلك يتوقف على الطريقة التي تتم بها التغييرات المطلوبة. ومثل الكثيرين من أمثالي سأمضي الأمسية منكبا على إعداد تقرير عن الموازنة مركزا على المسائل التي تهم زبائني من خارج بريطانيا. ومن يرغب في الحصول على نسخة مجانية يمكنه اخطاري بالبريد الالكتروني على العنوان المدون أدناه. ولمزيد من الاستفسار يمكن أيضا الاتصال ولكن لا بد من التأكيد على أن لكل حال خواصها ولا بد من الحصول على استشارة شخصية عن كل أمر قبل الاقدام عليه. هاتف: 00-44-171-936- 2818 فاكس: 00-44-171- 936-2813- البريد الاليكتروني: [email protected].