} ألقى وزير الخزانة البريطاني غوردن براون خطاب مشروع الموازنة الثلثاء، ويعلق ديفيد فريمان الشريك في شركة داونز سوليسيترز الناشطة في الاستشارات القانونية في هذا العرض السريع، على التعديلات المقترحة وتأثيرها المحتمل في مواطني دول الشرق الأوسط ممن لهم مصالح في المملكة المتحدة. يعتبر يوم القاء خطاب الموازنة أهم أيام وزير الخزانة البريطاني ففي هذا اليوم تسلّط الأضواء على الوزير ويهتم الصحافيون والعاديون من الناس بكل كلمة ينطق بها في خطابه الذي قد يستغرق القاؤه ساعة وأكثر. ويشكل هذا الخطاب مع مشروع الموازنة فرصة سانحة للوزير البريطاني كي يقول ما عنده، وبالنظر الى اشاعات عن خلافات سياسية بين رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وبين وزيره المسؤول عن الشأن المالي، أي غوردن براون، أصغى المعنيون كافة الى كل كلمة نطق بها الوزير لكي يتعرفوا على مجريات الصراع الداخلي حول السلطة. وفي خطاب الموازنة قال الوزير ما على البريطانيين أن ينتظروه في المجال المالي خلال السنة المالية المقبلة، وأعرب، كما كان منتظراً، عن ثقته في تحسن الاقتصاد البريطاني وعن ثقته في مقدرته على إدارة هذا الاقتصاد. لكن بالنسبة الى أكثرية البريطانيين يتمحور الاهتمام حول الضرائب التي تفرضها الموازنة الجديدة عليهم. وعلى رغم أن الصحافة ووسائل الاعلام البريطانية تركز اهتمامها على الآثار التي تخلفها سياسات الموازنة على قوة الجنيه الاسترليني وعلى تأثير هذه القوة في ما تبقى من الصناعة البريطانية، تميل هذه الوسائل عادة الى التركيز على الآثار العملية للتبدلات المقترحة في النظام الضريبي التي يذكرها وزير المال في خطاب الموازنة. والمعلوم ان السياسات الاقتصادية الخاصة بأي دولة في المستقبل معقدة جداً ولا يمكن التحدث عنها بأي تفصيل في خطاب يستغرق القاؤه ساعة، لكن تفاصيل مشروع الموازنة التي تصبح قانوناً بعد موافقة البرلمان عليه تُدرج عادة في مشروع القانون المالي الذي يتضمن التبدلات التي يذكرها الوزير في خطاب الموازنة، ولا توضع هذه التبدلات موضع التنفيذ إلا بعد الموافقة البرلمانية على المشروع. ولم يسبق ان وافق البرلمان البريطاني على مشروع موازنة قبل ادخال بعض التعديلات عليه ولهذا لم يفت وقت ممارسة بعض الضغوط على المعنيين للحؤول دون تبني البرلمان لبعض ما في مشروع الموازنة علماً بأن وزير الخزانة يقاوم عادة أي تعديلات مقترحة على مشروعه ويعارضها. وبعدما ألقى الوزير البريطاني خطابه بعد ظهر الثلثاء كان من الصعب تصنيفه لجهة اليسار أو اليمين في الميدان السياسي البريطاني. وعندما بدأت اكتب هذا المقال كانت النشرة الصحافية الرسمية الخاصة بالموازنة لم تُنشر بعد، وقيل لي انها ستنشر على انترنت وعندما اتصلت بهذه الشبكة الدولية فوجئت بعدد من الأمور إذ بات من المسلّم به أن الوزير لا يستطيع ذكر تفاصيل التبدلات التي يقترحها كافة في خطابه. لكنه ألقى الثلثاء الماضي ما أرضى الجميع سياسياً. وبعد هذا كله قد يتساءل قارئ "الحياة" عن التبدلات في النظام المالي البريطاني التي يمكن أن تؤثر في أوضاعه ورداً على التساؤلات أقول: أولاً: تدرك الحكومة البريطانية ان النظام الضريبي عامل تجاري مهم جداً في المعادلة الاقتصادية وترغب تبعاً لذلك في اجتذاب الرساميل والاستثمارات الى المملكة المتحدة. وفي مقدمة خطابه قال براون انه يرغب في أن يكون النظام الضريبي البريطاني "أخف مما هو عليه حالياً وأكثر انصافاً لكي يشجع الاستثمار" على اعتبار ان هذا، في اعتقاده، يساهم في جعل المملكة المتحدة "أفضل مكان للاستثمار في العالم الصناعي كله". ولهذا أكد الوزير في خطابه أن ضريبة الشركات ستخفَّض ابتداء من نيسان ابريل 1999 الى 20 في المئة بالنسبة الى الشركات الصغيرة والى 30 في المئة بالنسبة الى الشركات الكبيرة. ثانياً: تتضمن الموازنة الجديدة تبدلات في الأنظمة الخاصة بالضريبة على الأرباح الرأسمالية، وهي الضريبة المفروضة على الأرباح الناتجة عن بيع موجودات أو أصول رأسمالية. ويذكر أن الحكومة خفضت هذه الضريبة في الماضي آخذة في الاعتبار آثار التضخم. ويقترح الوزير البريطاني في موازنته الجديدة الغاء هذا الربط بين التضخم وبين المكاسب الرأسمالية، لكن الموازنة الجديدة تمنح كل فرد بريطاني إعفاء ضريبياً يزداد تمشياً مع الأسعار يخصم من الدخل قسم خاص بالفرد ثم تفرض ضريبة الدخل على ما تبقى من هذا الدخل، وسيزداد هذا القسم تبعاً لازدياد الأسعار، ما يعني أنه خلال العام المقبل سيخصم من المكاسب الرأسمالية مبلغ 6800 جنيه استرليني قبل فرض الضريبة عليها. لكن كان أهم ما قاله الوزير البريطاني في خطابه هو أنه ينوي تغيير مقدار الضريبة على الأرباح الرأسمالية تبعاً لأقدمية الأصول الرأسمالية المبيعة. فإذا كان عمر هذه الأصول أكثر من عشر سنوات ستكون الضريبة على الربح الرأسمالي الناتح عن بيعها 24 في المئة منه وهذا إذا كانت الموجودات غير تجارية، ثم عشرة في المئة اذا كانت الموجودات تجارية. لكن النسبة الأدنى التي تطبق على الموجودات أو الأصول كافة، التي تبقى في ذمة صاحبها أقل من 10 سنوات، والتي من المحتمل تبعاً لذلك ان تكون النسبة الشائعة، ستبقى 40 $. وتمكن عدد كبير من رجال الأعمال، الذين ينشطون من المملكة المتحدة والذين أفلحوا في تأسيس أعمال ناجحة رابحة، من بيع شركاتهم أو أعمالهم حين بلوغهم التقاعد مسجلين بذلك أرباحاً محترمة. وفي السابق كان بوسع هؤلاء تجنب دفع ضريبة كبيرة أرباحهم الرأسمالية من خلال طلبهم الاعفاء الضريبي التقاعدي. لكن هذا الاعفاء سيلغى إذ ان وزير المال البريطاني يشعر بأن هذا الاعفاء غير ضروري بالنظر الى أن نسبة الضريبة على بيع موجودات أو أصول بقيت في حوزة صاحبها فترة طويلة من الزمن متدنية أي عشرة في المئة فقط. وبالنسبة الى المقيمين في الشرق الأوسط الذين يملكون أصولاً في المملكة المتحدة، وحتى بالنسبة الى المقيمين في المملكة غير القاطنين فيها، بالامكان تجنب دفع الضريبة على الأرباح الرأسمالية بسهولة تامة فهذه الضريبة لا يدفعها إلا المقيم في المملكة أو الذي "يقيم عادة" فيها. ولهذا بوسع من يستخدم شركة أوفشور إذا كان مقيماً غير قاطن ان يتجنب دفع الضريبة. ويبدو أن هذا القانون لن يتغيَّر. ولم يذكر وزير المال في خطابه أنه سيبدِّل القانون القديم الذي يسمح لشخص يرغب في بيع أصول قيّمة كأسهم في شركة أو شركات ان يغادر المملكة ويصبح غير مقيم فيها ويبيع الشركة ثم يعود الى المملكة بعد بضعة أعوام بعدما يكون بذلك تجنب دفع الضريبة على الأرباح الرأسمالية. وكانت هذه "الوسيلة" دائماً بديهية. لكن الوزير سيبدِّل هذا القانون الآن فمن الآن وصاعداً سيتعين على أي شخص، يرغب في مغادرة المملكة مصطحباً أصولاً يبيعها بعد ذلك بربح، أن يبقى خارج المملكة خمس سنوات. والأمر الآخر الذي لم يذكره الوزير في خطابه وظهر في النشرة الصحافية هو الغاء "اجراء السرير والفطور". وفحوى هذا ان بوسع مالك أسهم ان يبيع أسهمه الاثنين مثلاً محققاً ربحاً رأسمالياً محترماً ثم يشتريها الثلثاء ثانية بسعر البيع نفسه تقريباً ما لم تتراجع السوق فجأة بين ليلة وضحاها أو تتحسن بين غروب وشروق. والفكرة الكامنة وراء هذه العملية هي استخدام الاعفاءات الضريبية الخاصة بالأرباح الرأسمالية لزيادة قيمة الأصول. وألغى وزير المال الآن هذه الطريقة من خلال نص جديد يتطلب من صاحب الموجودات أن يتجنب شراء موجودات باعها قبل مضي 30 يوماً على البيع، ما يولِّد مخاطر لا يرغب إلا النادر من الأشخاص أن يركبها تجنباً لدفع الضريبة. ثالثاً: منذ أشهر عدة ووزير الخزانة يحاجج انه مهتم جداً بمسألة تجنب دفع الضرائب أو التهرب من دفعها. وسبق أن كتبت هنا ان تجنب دفع الضريبة أو التهرب من هذا الدفع يتناول خفض الضريبة من طريق ترتيب صفقات بطريقة تجعل الضريبة عليها في حدها الأدنى. وتضافر اهتمام براون الطبيعي بمكافحة تجنب دفع الضرائب وبالنجاح الذي يحققه المتهربون من الضجة التي أثارها الكشف عن ان أحد كبار الوزراء البريطانيين يستفيد من صندوق أوفشور مؤتمن وهذه طريقة فعالة جداً في تجنب دفع الضرائب، ليولد ضغوطاً سياسية قوية لكي يعمد الوزير الى الحد من ظاهرة تجنب دفع الضريبة أو التهرب من هذا الدفع. وأدت هذه الضغوط الى اجراء سلسلة من التغييرات في الأنظمة والقوانين السارية المفعول الاسبوع الماضي بسبب القلق من احتمال قيام البعض بتجنب دفع الضرائب قبل الاعلان عن الموازنة الجديدة ثم جاءت اجراءات أخرى سببت للذين ولدوا في المملكة المتحدة وترعرعوا فيها ويقيمون حالياً فيها صعوبات في تجنب دفع الضرائب البريطانية. رابعاً: ضريبة الإرث المدفوعة على قيمة الإرث لدى وفاة صاحبه وهذه الضريبة "طوعية" لأنه من السهل جداً تجنب دفعها خصوصاً بالنسبة الى غير القاطنين في المملكة المتحدة. وأبقى الوزير البريطاني نسبة هذه الضريبة 40 في المئة على أن يعفى مبلغ 223 ألف جنيه استرليني من قيمة الإرث من الضرائب، ما يعني ان ورثة من يترك مليون جنيه استرليني لورثته سيضطرون الى دفع ضريبة مقدارها 318 ألف جنيه استرليني الى الدولة. وبالنظر الى السهولة التامة التي بوسع المرء تجنب دفع هذه الضريبة بها، يجدر بأي شخص ان يتأكد من وجود الترتيبات اللازمة التي تعفي ورثته من هذه الضريبة. لكن الوزير البريطاني قال انه ينوي اغلاق المهارب التي يستخدمها المكلفون دفع الضريبة بغية تجنب دفعها ولا يعرف أحد حتى الآن عدد هذه المهارب التي ستغلق علماً بأن الوزير قال انه يستهدف الصناديق المؤتمنة الموجودة أوفشور. خامساً: صناديق الاوفشور المؤتمنة ترست. لا يدرك المتتبع لأمر مشروع الموازنة مدى التغيير الذي ينشده وزير الخزانة البريطاني في القوانين والأنظمة الخاصة بصناديق الأوفشور المؤتمنة إلا بعد قراءة النشرة الصحافية الخاصة بمشروع الموازنة. وثمة قبول عام بأن الوزير لا يستطيع فرض ضريبة على أشخاص أو صناديق لا علاقة لهم بالمملكة. لكن يبدو أن الأمر سيتبدل من الآن وصاعداً بمعنى أنه إذا وجد صندوق أوفشور مؤتمن له علاقة أو ارتباط بالمملكة المتحدة كأن يأخذ هذا الارتباط شكل شخص بريطاني يحق له الاستفادة من صندوق من هذا القبيل أو من صندوق انشيء منذ عدد كبير من السنوات من قبل شخص يقيم في المملكة سيكون ثمة خطر من شمل هذا الصندوق بنظام المملكة المتحدة الضريبي. ولا يستطيع أحد الآن أن يتكهن بكيفية تطبيق القانون الجديد إلا بعد نشر مشروع القانون المالي. لكن على المصارف ان تتخذ جانب الحذر إذ ربما توجب عليها قانونياً ان تكشف لدائرة جباية الضرائب البريطانية عن أي شركة تنقل موجودات أو أصول الى صناديق أوفشور مؤتمنة في المستقبل. وربما اثرت هذه الأنظمة والقوانين الجديدة المقترحة في سكان الشرق الأوسط الذين لهم مصالح في المملكة المتحدة على رغم ان هذه الأنظمة والقوانين موجهة في اعتقادي الى رجال الأعمال الناشطين من المملكة المتحدة الذين يستخدمون الصناديق المؤتمنة حماية لثرائهم. وأنا أنصح كل من أنشأ صندوق أوفشور مؤتمن أو يستفيد من صندوق من هذا القبيل أن ينظر في ما يتعين عليه فعله من الآن. وأنا على يقين بأن عناوين الصحف البريطانية الرئيسية ستتناول في خلال الأيام القليلة المقبلة كيف ينوي حزب العمال البريطاني الحاكم "الحاق الأذى" بالقطط السمينة هذا تعبير تستخدمه الصحافة البريطانية لتصف رجال أعمال معروفين جداً وناجحين جداً وبصناديق الأوفشور التابعة لهذه القطط السمينة. ويبدو ان الآلة الإعلامية الحكومية ستضمن ان تبقى الحكومة تبدو اشتراكية في أعين الناس. خامساً: ستبقى ضريبة الدخل الشخصي على حالها اذ تبدأ ب 20 في المئة وتزداد صعوداً حتى تبلغ 40 في المئة وتفرض على الذين يتجاوز دخلهم السنوي 27100 جنيه استرليني. سادساً: بالنسبة الى الضريبة على شراء العقارات ضريبة الطابع ستبقى هذه الضريبة سارية المفعول وتفرض على من يشتري شقة أو منزلاً أو مصنعاً أو مكتباً يزيد ثمنه على 60 ألف جنيه استرليني، علماً بأنه صار من الصعب العثور على أي عقار يقل ثمنه عن 60 ألف جنيه استرليني. وتراوح ضريبة الطابع بين واحد وثلاثة في المئة تبعاً لثمن العقار. وتوجد وسائل لتجنب دفع هذه الضريبة. وتزداد هذه الوسائل جاذبية كلما ازداد ثمن العقار المنشود! لمزيد من المعلومات الهاتف اللندني 9362813-0171 والفاكس 9362813-0171