نبيل سكر. الاصلاح الاقتصادي في سورية. دار نجيب الريّس. 2000. 100 صفحة. مؤلف هذا الكتاب اقتصادي سوري بارز عمل لفترة في البنك الدولي في واشنطن، وهو حالياً المدير التنفيذي للمكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار بدمشق. في هذا "الكتيب" يلخص لنا الاقتصادي الليبرالي السوري افكاره حول الاصلاح الاقتصادي في سورية. فهو يتناول بداية ازمة القطاع العام حيث رأى ان الدولة لم تقم بمحاولات جدية لاصلاحه، بل اكتفت ببعض الاجراءات الادارية المحدودة. واذا كانت اموال النفط قد ساعدت على اعادة تشغيله بعد ازمة منتصف الثمانينات، فان هذا لم يستمر طويلاً. فالقطاع العام ظلت مشاكله خارج جهود الحل. واهم هذه المشاكل: التنظيم الهرمي البيروقراطي الذي يرزح تحته، والعمالة الفائضة واهتراء اصوله المالية، وعدم القدرة على التسويق، واخيراً الخسائر الجسيمة التي تشكّل نزفاً للمال العام. كذلك كانت اجراءات الحكومة لدعم القطاع الخاص مترددة وقاصرة. فقد سمحت لهذا القطاع ان يدخل ميادين كانت حكراً على القطاع العام في السابق، واصدرت القانون رقم 10 لعام 1991. بيد ان هذا القانون لم يؤت ثماره لأنه لم يترافق مع اجرءات كان لا بد منها كتحرير الاقتصاد وانشاء مؤسسات مصرفية متطورة. وابقت من حيث الجوهر على بنية تنظيمية قائمة بالاساس لخدمة اقتصاد سابق. اي ان القانون 10، كما وضعه اقتصادي سوري معروف، كان اشبه بسترة بيار كاردان فاخر على بنطلون شورت! يلخص سكر اخفاق السياسة الاقتصادية السورية بعدّة اسباب، اولها ان الاصلاحات الحكومية لم تكن تنبع من برنامج تصحيح شامل، بل جاءت جزئية تعكس فكراً حائراً ما بين اقتصاد الدولة واقتصاد السوق! بمعنى آخر ان الاقتصاد السوري لم تتحدد هويته بعد. ومن هذه الاسباب ايضاً السير البطيء جداً بالاصلاح، وهو ما يرتبط بدوره بالسبب الاول، باسم الخشية من "اسلوب الصدمة" الذي يخلق الخضّات الاجتماعية. فكانت النتيجة اننا وقعنا في حالة جمود اقتصادي وضائقات اجتماعية. اما السبب الثالث فهو سبب سياسي. فالافتقار الى مجتمع مدني فاعل ومنابر اعلامية حرة تراقب وتحاسب كانت عاملاً مهماً من عوامل الفساد والتراجع الاقتصادي. ويعترف المؤلف بأن الاقتصاد السوري يواجه اليوم مشاكل جوهرية عديدة اهمها: - الاعتماد الزائد على المساعدات حتى النصف الاول من الثمانينات وعلى اموال النفط. - معدلات نمو سكانية عالية تدفع بحوالي 200 ألف شخص الى سوق العمل سنوياً، بما يعني بطالة عالية يُقدّر عدد العاطلين في سن الشباب من حَمَلة الشهادات - معاهد متوسطة وجامعات - بحوالي 700 ألف عاطل وتزايد في الفقر. - وجود نظام من الحماية العالمية للصناعة لا يتيح الفرصة للمنافسة، وبالتالي يساهم في تدني الانتاجية ورفع الكلفة. هذا بالاضافة الى النقائض التي اشرنا اليها في القطاعين العام والخاص، واهمها الافتقار الى الديناميكية والى التقنية الحديثة. - بيروقراطية مفرطة في الادارة مع تفشي الفساد. وعندما يطرح الاقتصادي سكر السؤال الجوهري: من اين يبدأ الاصلاح الاقتصادي؟ يجيب بأنه لا بد من وضع تصور لمستقبل سورية الاقتصادي في ضوء مواردها الطبيعية والبشرية وموقعها من جهة، وفي ضوء الاستحقاقات الملحّة من جهة ثانية: الشراكة العربية - العربية مشروع منطقة التجارة الحرة والشراكة السورية - الاوروبية، ومنظمة التجارة العالمية غات. ويشدد على ضرورة ان تحدد سورية الاطار النظري للاقتصاد الذي تريده، ومن دون هذا التحديد سيستمر التخبّط وستأتي الاصلاحات ناقصة او متناقضة. وهذا يعني بالتالي ان تحدد الدولة لنفسها دوراً جديداً، دوراً مختلفاً عن دورها السابق، يركز على التنمية البشرية والتقنية، وتعزيز المنافسة في السوق. فسورية بحاجة الى فكر اقتصادي جديد يعتبر الدولة الاقتصاد المخطط الذي تهمين عليه الدولة والسوق الاقتصاد الحر مكمّلين احدهما للآخر وليس واحدهما بديل الآخر. وينبّه المؤلف الى مخاطر ومصاعب السياسة الاقتصادية الجديدة لاعتبارات سياسية واجتماعية. واولى هذه المصاعب محاربة "المنتفعين" سواء من هم في السلطة او في القطاعين العام والخاص. ولهذا لا بد لتنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي من توافر عدة شروط منها: وضوح الخلفية الفكرية وراء برنامج الاصلاح، والتبني السياسي له على اعلى مستوى، ومشاركة المجتمع المدني في اعداده، وتوفر الفريق المتجانس في اعداده وتطبيقه. من الواضح، من خلال الواقع الموضوعي، ان برنامج الاصلاح الاقتصادي ما يزال في اطار النوايا وعدد من الاقتراحات. وبمعنى آخر، لم يتم التوصل بعد الى خطة اصلاح اقتصادي متكاملة ومبرمجة تنطلق من استراتيجية واضحة. وفي هذا الصدد يحاول المؤلف ان يرسم أطراً عامة وسريعة للاصلاح الاقتصادي لا ترقى الى مستوى خطة شاملة بالطبع، لكنها مجرد عناصر في خطوة مثل اصلاح القطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع المصرفي، والاصلاح الاقتصادي وارتباطه بكل من العدالة الاجتماعية وبمحاربة الفساد بشكل خاص. وفي ما يتعلق بالاصلاح الاقتصادي وعلاقته بالمجتمع المدني وهذه نقطة مهمة وايجابية تنبّه اليها المؤلف، خلافاً للكثيرين من الاقتصاديين الذين تحدثوا عن الاصلاح وكأنه هيكل يبنى من علٍ من دون ان يكون للمجتمع المدني، اي مجتمع الممارسة السياسية الحرة، علاقة به!، فهو يؤكد ان الدولة لا تستطيع ان تضطلع بمفردها ببرنامج للنهوض الاقتصادي من دون القطاع الخاص والمجتمع المدني معاً. وهو يلمح ضمناً الى ان الدولة ارتكبت خطأً فادحاً في الماضي بتهميشها المجتمع المدني، وهو التهميش الذي خلق نوعاً من اتكالية المواطن على الدولة، اتكالية في التفكير كما في العطاء، واضعف شعوره بالمواطنة. وانها لمفارقة، كما يقول المؤلف، ان تهاجر العقول ورؤوس الاموال العربية، في الوقت الذي تستقبل فيه اسرائيل العقول والخبرات من المشرق والمغرب! ان في إلحاح المؤلف على احياء المجتمع المدني مغزى عميقا لا يمكن ان يفوت القارئ اللبيب، وهو ان الاصلاح الاقتصادي لا يمكن ان يتحقق ما لم يواكبه، او حتى يسبقه، اصلاح سياسي.