سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخرطوم متفائلة بانفراج بعد عداء خلال إدارة كلينتون . النفط والتحولات المحلية والاقليمية وتقرير المصير عوامل حاسمة في تحسين العلاقات السودانية - الأميركية
فتحت الخرطوم ملف علاقاتها مع الولاياتالمتحدة بالحاح في الأيام الماضية أملاً في حدوث تغيير في الموقف الاميركي المتشدد من حكم "الانقاذ" منذ تولى الرئيس عمر البشير السلطة قبل 11 عاما. وشهدت هذه الاعوام تصعيداً أميركياً لم ينجح في احداث تغيير حقيقي في وجهة الحكم السوداني تجاه مسائل تثير قلق واشنطن وتؤثر على سياستها الاقليمية. وبدا التحرك السوداني مبرراً في ظل حلول الجمهوريين بقيادة الرئيس جورج بوش محل ادارة بيل كلينتون التي ناصبت الخرطوم العداء لأسباب عدة، بعضها متعلق بشخصيات المسؤولين عن الملف وبعضها بأحداث ارتبط بها اسم السودان. ويرى معنيون بالملف ان الأمل السوداني مبرر، لكنهم لا يعتقدون بأن واشنطن على ابواب تغيير دراماتيكي في موقفها كما تأمل حكومة الانقاذ. ويقول هؤلاء ان السياسة الاميركية تجاه السودان لن تشهد تغييرا كبيرا، لكنها لن تنفذ بالوتيرة السابقة ذاتها بسبب تحولات في المشهد السياسي المحلي والاقليمي، وغياب الحماس الشخصي الذي ابداه مسؤولون ممالئون لاسرائيل في ادارة كلينتون ابرزهم وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت، ومسؤولة الشؤون الافريقية في الوزارة سوزان رايس والمبعوث الخاص هاري جونستون. وشجعت أسباب عدة وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل على ان يبعث برسالة الى نظيره الأميركي الجديد كولن باول تدعو الى فتح صفحة جديدة وتقترح آليات لتعامل جديد بعد تصفية الخلافات القائمة، وبعضها موضوعي لن تتجاوزه الادراة الاميركية من دون حصول تقدم في شأنه. ومن هذه الأسباب إعلان باول رغبته في مراجعة سياسة العقوبات على الدول، واهتمام اللوبي النفطي المناصر لبوش بالذهب الأسود السوداني، إذ يعتقد على نطاق واسع ان ضوءا اخضر صادراً من واشنطن من شأنه تسريع عملية استخراج كميات كبيرة منه. وزاد من آمال الخرطوم قرار الادارة الجديدة انهاء مهمات جميع المبعوثين الخاصين للرئيس الاميركي واعادة الملفات، ومنها ملف السودان، إلى وزارة الخارجية التي ظلت تتخذ طوال عهد كلينتون مواقف أقل تشدداً من البيت الابيض لكنها لم تكن تملك سلطة القرار الحقيقي. وبدأ التأزم بين السودان واميركا منذ الايام الاولى لحكم البشير من خلال رفض تلقائي اميركي للانقلابات، لكن لم تتبعه قرارات مهمة سوى المنع التلقائي لبعض المساعدات. غير ان العلاقات شرعت في انحدار سريع نحو الازمة منذ وضع ادارة كلينتون السودان على لائحة الدول التي ترعى الارهاب في العام 1993، وبعد وقت قصير من فتح الخرطوم حدودها امام العرب بصورة سمحت بدخول ناشطين سياسيين من المنظمات الفلسطينية والجماعات الاسلامية مزعجين للسياسة الأميركية في المنطقة. وزاد الأمر تعقيداً نتيجة الخطاب الاسلامي الصارخ الصادر عن الخرطوم والذي تسبب في ازعاج شديد لدول مجاورة تعاني صراعات مرتبطة بهذا الخطاب. وزاد التوتر حدة مع محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في اديس ابابا منتصف العام 1995على يد "الجماعة الاسلامية" المصرية التي عاش قياديون فيها في الخرطوم. وسارعت واشنطن الى الضغط من اجل اصدار قراري مجلس الامن 1044 و1054 اللذين فرضا عقوبات دولية على الخرطوم بلغت بها مشاريع عزل الحكم السوداني اقصى مرحلة وصلت اليها. وفرضت واشنطن من جهتها في العام التالي عقوبات تجارية على السودان اضيفت الى العقوبات الديبلوماسية الدولية. وكان أمل واشنطن والمعارضين السودانيين تضييق الخناق على الخرطوم فأقيم حينذاك حلف باسم "طوق امني" يضم خمس دول محيطة بالسودان هي اريتريا واثيوبيا واوغندا والكونغو ورواندا . لكن الحلف الذي علقت عليه آمال كبيرة انفرط بسرعة ولاسباب خارجة عن يد واشنطن، بعدما كاد يمثل الدرة في تاج السياسة الاميركية التي أرادت ان تقصم ظهر الخرطوم. واستمر التصعيد بين الجانبين حتى جاءت الغارة الاميركية على مصنع الادوية السوداني في آب اغسطس 1998 رداً على دور مزعوم للخرطوم في ايواء مشرفين على تفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام. وسحبت واشنطن سفيرها لدى الخرطوم قبل شهر من الغارة بحجة انعدام الأمن في العاصمة السودانية فقطعت بذلك آخر خطوط الاتصال الحية بين الجانبين. وكانت المفارقة ان اللحظة التي كان مفترضاً ان تمثل قمة التصعيد الأميركي تجاه السودان، بدأ العد العكسي لانحسار تأثير الضغوط الاميركية، إذ سرعان ما بدأت دول كثيرة ومنها مجموعة الاتحاد الاوروبي في مراجعة علاقتها مع السودان. وبدأ النظر الى السياسة الاميركية على انها محكومة بانفعال ومواقف افراد اكثر من كونها سياسة رشيدة متوازنة ذات هدف ممكن التحقيق. في غضون ذلك سجلت الخرطوم اختراقاً مهماً بإعلان البدء في تصدير النفط للمرة الاولى في تاريخها على رغم العزلة. ثم برزت بوادر تحسن في علاقاتها الدولية نتيجة عوامل عدة منها مسألة الصراع داخل الحكم السوداني الذي انتهى بإقصاء الزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي. ويتفق المعنيون على ان المطالب الاميركية الصالحة للمناقشة والتي أبدت الخرطوم استعداداً للبحث فيها بهدف عكس مسيرة العلاقات تتلخص في انتهاج سياسة اقليمية معتدلة وتغيير الخطاب الاسلامي المعادي لأميركا، وفتح المجال امام شركات النفط الاميركية لدخول السوق السودانية الواعدة، والجدية في منح جنوب السودان حق تقرير المصير. ويأتي ذلك بعد زوال كثير من نقاط الخلاف بفعل الزمن او نتيجة تطورات اخرى، وأهمها مسألة فتح الحدود امام التنظيمات المغضوب عليها اميركيا، وابعاد رموز مزعجة بارزة مثل اسامة بن لادن وقادة التنظيمات الراديكالية المصرية، وتحسن علاقات الخرطوم مع جاراتها من دول الطوق السابق. ويرى هؤلاء ان الخرطوم قدمت بالفعل تنازلات، إذ أن الخطاب السياسي للخرطوم شهد تغييراً، كما ان الاتصالات بدأت فعلاً مع شركات اميركية راغبة في دخول السوق النفطية السودانية. وتعلق الخرطوم آمالاً على تحقيق اختراق في العلاقات في المرحلة المقبلة. ويبدو ان الاختبار الاول في الموقف الاميركي سيبرز في الشهر المقبل اثناء اجتماعات مجموعة "الهيئة الحكومية لمكافحة الجفاف والتنمية في شرق افريقيا" أصدقاء ايغاد، وهي مجموعة الدول الغربية التي تدعم المبادرة. وينتظر ان يتخذ الاجتماع المقرر في روما الشهر المقبل موقفاً من المبادرة نتيجة فشلها طوال خمس سنوات في حل مشكلة الجنوب. وينتظر المعنيون ايضا تعيين بديل رايس الذي ينتظر اعلانه الشهر المقبل، مما يعطي مؤشراً آخر على الوجهة التي ستتخذها مسيرة العلاقات. وتتكتم الخرطوم على فحوى الاقتراحات التي بعث بها اسماعيل الى باول. وتقول مصادر مطلعة ان جوهر الاقتراحات هو دعوة الى حوار جاد لتسوية الخلافات، وإشارة الى ان بوسع واشنطن لعب دور أكبر في تسوية المشكلة السودانية بعد معالجة الخلافات.