تجنبت الخرطوم التعليق على تقارير عن أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ستكشف النقاب غداً عن سياسة جديدة إزاء السودان تدعو إلى ممارسة ضغوط ومنح حوافز مشجعة على اتباع السلام في دارفور وحل الخلافات في جنوب البلاد.ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»عن مسؤولين في الإدارة الأميركية اطلعوا على الخطة الجديدة أن واشنطن ستحض السودان أيضاً على زيادة تعاونه في مكافحة الأرهاب، وستعالج خلافاً داخل البيت الأبيض في شأن كيفية وصف العنف في دارفور، كما ستؤكد واشنطن أن «إبادة جماعية» تحدث هناك، على رغم تصريحات المبعوث الرئاسي سكوت غرايشن التي قال فيها إن السودان «لم يعد متورطاً في عمليات قتل جماعي» في المنطقة. وذكرت الصحيفة أن السياسة الأميركية الجديدة تم التوصل إليها بعد نقاش مطول، وهي تمثل تخفيفاً لموقف أوباما منذ حملته الرئاسية العام الماضي عندما حض على فرض عقوبات أشد وفرض منطقة حظر جوي لمنع الطائرات السودانية من قصف قرى في دارفور. وأضافت أن هذه السياسة ستعلنها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسفيرة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة سوزان رايس وغرايشن. ولفتت إلى أن رايس حضت على انتهاج «خط أشد» مع السودان، في حين دعا غرايشن إلى تخفيف العقوبات الأميركية. لكن السياسة الجديدة لن تجيز لغرايشن التفاوض في شكل مباشر مع الرئيس عمر البشير، كما أنها لا تتضمن خططاً فورية لشطب اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، لكنها ستعطي الخرطوم طريقاً لتحسين العلاقات مع واشنطن إذا بدأت في معالجة المخاوف الأميركية. وتجنبت الخارجية السودانية التعليق على ما صدر من تسريبات عن السياسة الأميركية الجديدة. وقال الناطق باسم الوزارة معاوية عثمان خالد إنها لن تصدر أي تعليق إلا في حال إعلان تلك السياسة في شكل رسمي، لافتاً إلى أن حكومته لن تتعامل مع الأمر حينها حسب ما يقتضي الحال. بيد أن مسؤولاً حكومياً آخر رفيع المستوى لوح بوقف الحوار مع واشنطن في حال صحة هذه التسريبات التي أقرت بوجود «إبادة جماعية» في دارفور ودعت إلى ممارسة ضغوط. وقال المسؤول ل «الحياة» إن تلك التسريبات لم تكن مفاجئة للخرطوم «بل تمثل الموقف الحقيقي للإدارة الاميركية لجهة أنها ظلت تتذرع منذ 15 عاماً بحرب الجنوب ومن بعدها دارفور لوقف تحسين العلاقات». وبدا واثقاً من أن أوباما لن يستطيع رفع اسم السودان عن لائحة الارهاب إلا في حال موافقة الكونغرس على ذلك، «الأمر الذي لن تقبل به جماعات الضغط». لكنه أعرب عن أمله في أن ترى الحكومة من الإدارة الأميركية جدية في اتخاذ خطوات حقيقية نحو تطبيع العلاقات. إلى ذلك، اعتبر وزير الدولة للثقافة أمين حسن عمر رئيس وفد الحكومة إلى محادثات سلام دارفور أن «هناك تغييراً جذرياً وإرادة قوية» من الولاياتالمتحدة لحل أزمة الاقليم. وقال: «لن ندخل في حالة غرام مع الإدارة الأميركية... والحكومة تتعاطى مع السياسة مهما كانت الضغوط التي تتعرّض لها»، لافتاً إلى أن «أميركا اتضح لها أن حل قضية دارفور يتأتى عبر عملية رتق النسيج الاجتماعي بدلاً من الحلول العسكرية». وأشار إلى أن جولة المفاوضات المقبلة بين الحكومة وحركات التمرد المقررة في الدوحة في منتصف الشهر المقبل، ستناقش تمثيل أهل دارفور في المؤسسات الحكومية، وتمثيل الإقليم بنائب الرئيس من عدمه، وإمكان أن تصبح دارفور إقليماً واحداً، وتعويض المتضررين من الحرب، كما ستناقش إقرار اتفاق إطار ووقف الأعمال العدائية. وعزا إرجاء الجولة التي كان مقرراً لها نهاية الشهر الجاري إلى طلب من الوسطاء الدوليين لإطلاعهم على تقرير لجنة حكماء أفريقيا برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي لتضمين توصياته في إطار التفاوض، مشيراً إلى إن التقرير سيعرض نهاية الشهر الجاري في أديس أبابا. واعتبر أن جولات المحادثات السابقة فشلت بسبب عدم وجود شريك من فصائل التمرد، ووصف الشراكة مع «حركة العدل والمساواة» بأنها «غير ذكية وزائفة». وقال إن الحركة جاءت إلى الدوحة في المرة الماضية «لأغراض تعلمها هي». ورأى أنه «ليس من الضروري التوصل إلى اتفاق مع الفصائل كافة»، مبيناً أنه «لن يكون للحكومة موقف مُتعدّد مع كل حركة، وستوقّع في الختام على وثيقة نهائية متفق عليها تمكن الأطراف من التعايش معها». وأضاف أن «حركات التمرد لا تتصرف كما يشاء لها وانما تخضع إلى مدى الضغوط التي تمارسها عليها الجهات المؤثرة». وأكد أن «الوسطاء يمكنهم الضغط على هذه الحركات عبر وسائل عدة». ورجّح نجاح الجولة المقبلة، مؤكداً عزم الوسطاء والمجتمع الدولي ودول الجوار على إحلال السلام في الإقليم عبر جولة مفاوضات ناجحة ونهائية، مشيراً إلى وجود خطوات عملية لتجاوز تلك الحركات في حال عدم مشاركتها. وكشف أن «تنازلات جرت بين تشاد والسودان لتسوية الصراع بينهما»، وقال إنَّ فرنسا دعت الطرفين إلى زيارتها في إطار تسوية الخلاف، وأعربت عن رغبتها في بناء علاقات جيدة بين الدولتين. وتابع: «هناك حراك في الموقف الفرنسي غير بعيد من التنسيق الدولي». على صعيد آخر، قالت الشرطة السودانية أمس إن ثلاثة من أفرادها قتلوا بنيران مجهولين في ولاية جنوب دارفور. وقال مدير شرطة الولاية اللواء فتح الرحمن عثمان إن مسلحين ملثمين قتلوا رجلي شرطة كانا يحرسان مقراً تابعاً لبرنامج الغذاء العالمي في مدينة كاس الخميس، كما قتل شرطي ثالث الجمعة عندما لاحقت الشرطة المسلحين وقتلت اثنين منهم في تبادل لإطلاق النار. وقال مسؤول حكومي ل «الحياة» إن المجموعة المسلحة المهاجمة وجهت نيرانها إلى اثنين من أفراد حراسة مخزن للغذاء في مدينة كأس فجر الخميس فقتلت أحدهما في الحال، واقتادت الآخر إلى مكان بعيد من مقر عمله قبل قتله والفرار من دون معرفة هوياتهم. وكشف أنه في صبيحة اليوم التالي تحرك فريق مشترك من الشرطة والجيش لملاحقة الجناة واشتبك مع المسلحين قرب منطقة جبال أم سرير شمال غربي كاس، ما أدى إلى مقتل أحد أفراد الشرطة، وعاد الفريق من دون القبض على أحد لوعورة المنطقة.