استضاف برنامج "الشريعة والحياة" الذي تقدمه "قناة الجزيرة" اسبوعياً، الفنانة سهير البابلي التي آثرت ارتداء الحجاب والابتعاد عن حياة التمثيل، لتتحدث الى المشاهدين عن حياتها بعد سنوات من التمرس في حياتها الجديدة. ليس هناك غضاضة في أن تتحدث أي من الفنانات المتحجبات - ولا أقول العائدات الى الاسلام - عن تجربتها قبل الاقتناع بارتداء الحجاب وبعده. ولكن ألم يكن مستحباً أن يستضيفها برنامج آخر غير هذا البرنامج الذي يقدم من خلاله فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، العالم الجليل، فتواه ونصائحه وخصالة تجربته الى المشاهدين في كل مكان؟ أولم يكن من الأفضل أن يحاور السيدة الفاضلة مقدم برامج على دراية أوسع بمجالات العمل الذي كانت ضيفته تقوم به، معظم سنوات عمرها، وألا يكون عارفاً ومتعمقاً فقط في الأمور الدينية؟ شاهدنا سهير البابلي تتلو آيات من الذكر الحكيم وتستشهد بأحاديث للرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، بعضها في موضعه، وبعضها الآخر لا. وربما شجعها ذلك على الادلاء برأي في مسائل فقهية لا قدرة لها عليها، سواء قرأت أم سمعت. وشاهدناها تنظر الى المشاهدين بثقة شارحة لهم كيف تشعر بالسعادة بعد وضعها الحجاب، أكثر مما كانت تشعر قبل أن ترتديه. وربما كان علامة ذلك وضعها الساعة في معصمها اليمنى، وإصرارها على القول من حين الى آخر ان "الجمال والخشوع والخوف" يمكن ان تلتقي في داخل نفس مؤمنة. وسمعناها تقول أكثر من مرة أيضاً "أنا لا أرسم قدري بنفسي" واعترافها بأنها ان لم تندم على ماضيها غير الملوث "لن يكون لتوبتها" نفع أو فائدة. تقول السيدة سهير انها عرضت خدماتها على عدد من الفضائيات العربية، بدءاً بالفضائية المصرية. وشرحت ذلك بقولها "أعمل برامج لتوعية المرأة وتعريفها بدينها وكيف تحافظ على أسرتها وتنشئ أبناءها". لكنها لم تتلق جواباً من أي من هذه الفضائيات! هذه الخدمات تحتاج الى جهد وامكانات لا تتوافر لكل من كن على الصراط المستقيم منذ بداية العهد. فالأمر لا يتطلب فقط قدرة وبراعة على التعامل مع أدوات الاعلام، ولا تفقهاً وتعمقاً في الدين، بل الى جانب ذلك طريقة توجيه الخطاب الى الناس على تنوع مستوياتهم. فما بالنا والأمر جديد جداً، على كل المستويات، على السيدة سهير، ما عدا القدرة على التعامل مع الميكروفون والكاميرا والمهارة في ذلك؟ يضاف الى ذلك ان مثل هذه البرامج لها أهلها الذين لم تخل الساحة منهم أو منهن بعد، بل يمكن القول إن هناك الكثير منهم ومنهن ممن لم يفد منهم الاعلام الفضائي وغير الفضائي في كل العواصم العربية. كيف للسيدة سهير البابلي أن تقنع المرأة المسلمة بوجهة نظرها وهي التي سلمت القياد الى الرجل المسلم من دون أن تشرح وجهة النظر الفقهية في ذلك، علماً ان هذه المسألة محل أخذ ورد منذ مئات السنين الى يومنا هذا، لسبب بسيط أن الغالبية من الرجال يستعملون هذا الحق الذي أقره لهم الشرع على أوجه لا تمت اليه بصلة ويتجبرون به أيما تجبّر. وقد عانت الكثيرات ذلك، أشد المعاناة. وعندما سئلت السيدة سهير عن رأيها في فيلم "المصير" الذي أخرجه يوسف شاهين وكيف انه من وجهة نظر السائل يهاجم الاسلام والمسلمين، لم تُحرج في أن تميل الى هذا الرأي على رغم تعارض هذا الميل مع أبسط المبادئ الاسلامية، لأنها وباعترافها لم تشاهد الفيلم، وطلبت لمخرجه الهداية. هذا الأسلوب لا يناسب الداعيات الى الكلمة الحق! مفهوم السيدة سهير للعمل الاعلامي الذي تحلم به وفق رؤيتها، منطوقاً بحروف كلماتها "يتطلب موازنات كبيرة وعربية حلوة وشغالين حلوين، والبس كويس من غير أن أكون متصوفة". من هنا نعرف لماذا ترفض الفضائيات مجرد التفكير حتى في البدء بمناقشة مثل هذه الأفكار. رددت السيدة سهير كثيراً انها لم تحصل على مقابل عندما تركت التمثيل وارتدت الحجاب، ونحن نصدقها. هي مقيمة، على حد قولها، أغلب شهور العام في المملكة العربية السعودية ولا تذهب الى مصر إلا شهرين في السنة. وهذا أمر يخصها. ولكن ان تبدي استعداداً للذهاب الى التجمعات العربية والاسلامية في دول المهجر لشرح تجربتها لابنائها والدعوة للاسلام بينهم، فهو ما نخالفها فيه لأن ثمة من هم أقدر على ذلك وهي ليست قادرة عليه. واذا كان هناك من تصور لها يخالف هذه الحقيقة فعليها أن تراجع نفسها، لأن صدقها مع نفسها سيجعلها تراها على حقيقتها التي لا زيف فيها حتى لو جلست مرات ومرات على مقعد في "قناة الجزيرة" كما لو كانت تنظّر في ميدان الشريعة والحياة.