ظهر هذا الكتاب للمرة الاولى عام 1995. وهو من تأليف الصحافية الاسترالية جيرالدين بروكس التي فازت بجائزة افضل مراسلة لصحيفة "وول ستريت جورنال" وهي من اهم صحف المال والاقتصاد في اميركا. وعملت هذه الكاتبة مراسلة صحافية في الشرق الاوسط لمدة ست سنوات، ما اتاح لها الفرصة كي تحتك بالمجتمعات العربية. وعنوان هذا الكتاب الاساسي: "تسعة اجزاء للرغبة: العالم الخفي للمرأة المسلمة". "Nine parts of Disire, the hi dden world of Islamic woman" وهذا العنوان مشتق من قول لعلي بن ابي طالب سمعته المؤلفة من احد رجال الدين الايرانيين: "ان الله خلق عشر رغبات اودع تسعاً منها لدى المرأة". والطبعة العربية الاولى هي بعنوان: "الانوثة الاسلامية"، في ما يأتي عرض لها: ان احدى قنوات المناقشة في الصراع الثقافي الجديد هي الاسلام والمسلمون والعرب، ذلك ان الحضارة الاسلامية تمثّل تحدياً او احد التحديات في الغرب. وعندما امتد النقاش الثقافي الجديد ليتناول موضوع المرأة المسلمة، اصبحت الكتابات حولها غزيرة خصوصاً في الغرب. وبعضها يُكتب بخفة شديدة فتضيع منه الحقائق، وبعضها بخبث شديد فيصب كتاباته على السلبيات ويتجاهل الايجابيات. وننظر نحن الى الموضوع برمته كعرب ومسلمين اما قابل او رافض دون مناقشته. ولكن علينا الا نتعجل ونعي هذه الكتابات قبل تمحيصها، ومهما قيل فيها، فإنها تؤثر تأثيراً كبيراً في الرأي العام الغربي الذي تقدّسه الديموقراطية الغربية وتعتبره الحكم الاخير في هذه القضايا. ولكن لماذا المرأة المسلمة؟ لأنها تمثّل عقدة وازدواجية في ذهن الرجل العربي. وهي معيار لاختبار دعاوى التقدم التي يُطلقها، وواقع التخلف الذي يعيش فيه، ولأن جسدها اصبح الحجة المعاصرة التي يأخذها البعض لاثبات ضلالة وجاهلية المجتمع الذي نعيش فيه ولأننا جميعاً ننظر اليها ومن معايير اقل ما يقال عنها انها غير معقولة. فالمرأة في نظر القانون العام الذي يحكمنا جميعاً هي انسان كامل، من المفروض ان يتساوى مع الرجل في حق التعليم والتوظف والترقي، والممارسة السياسية. وهي ايضاً مؤهلة لكل المناصب فهي وزيرة او مديرة جامعة او محامية او قاضية. والقانون يجعلها كاملة في مواجهة الرجل الكامل. لكن الامر ليس كذلك في قانون الاحوال الشخصية. فهي نصف انسان، لا تسافر من دون اذن زوجها ولا يعتد بشهادتها في كثير من الاحوال وطلاقها في يد زوجها وليس في يد قاض عادل يزن امورها ويراعي ظروفها. وبحسب العادات والتقاليد فهي كائن غير موجود تقريباً محرمة على العيون ومحرومة من التفاعل مع العالم الخارجي ومن المستحسن ان تختفي. واذا كان لا بد لها من ان تسير في الشارع فمن الافضل ان تتحول الى خيمة سوداء. وهكذا يوجد في عالمنا العربي في وقت واحد امرأة كاملة، وأخرى منكسرة، وثالثة مختفية. وفكرة الكتاب الذي يتكون من اثني عشر فصلاً، الى جانب المقدمة والخاتمة، هي اضاءة الجانب المعتم، كما تراه المؤلفة، في حياة المرأة المسلمة الحديثة. وتضع الكاتبة قصص كتابها في صورة صحافية محببة للقراءة وسريعة الهضم. وهذا ما يجعل القارئ الغربي يقبل هذه الصورة من دون مناقشته، وربما من دون تفكير. لذا فإن الكتاب يساهم في رسم صورة ما للمرأة المسلمة ليست بالضرورة، حتى لا تأخذنا العاطفة، مرسومة بألوان خاطئة او بحروف عدائية، ولكنها في نظر البعض ناقصة الرسم او انتقائية. وتقول الكاتبة انها كانت تحمل للشرق صورة مختلفة قبل ان تصل اليه: "امرأة في ثياب بيضاء وعيون بندقية لأهل فارس". وبعدما قضت في القاهرة فترة عام، وجدت ان الحياة مملة. فقد تفوق زوجها عليها على رغم انه كان ترك عمله الاصلي ليلحق بها فعمل صحافياً حراً يكتب لجرائد ومجلات عدة في اميركا. وكانت الابواب مفتوحة امامه كرجل في مجتمع شرقي، اما هي فقد ظلت الابواب شبه مغلقة في وجهها. وتقول: "ذهبت الى الشرق من اجل البحث عن المغامرة، وليس من اجل الاستماع الى اكاذيب مملة في مكاتب بعض صغار المسؤولين عن الاعلام. لقد كان الحديث مع الناس العاديين هو هدفي، ولكن الحديث معهم اما انه كان مدعاة للحرج او فرصة من قبل البعض لاختبار الفرضية القائلة ان كل السيدات الغربيات سهلات المنال. ولكن الذي فتح عيني على مشروع جديد ومثير هو "سارة" مساعدتي المصرية في المكتب، النشيطة والحيوية خريجة الجامعة الاميركية. وتصف الكاتبة سارة بصفات ايجابية شكلاً ومضموناً. شعرها، ملابسها، طريقة زينتها. فهي "تقارب المرأة الغربية في النشاط وتوقد الذهن". وتضيف المؤلفة: "لمدة عام، كنت محتارة في عملي الجديد حتى جاء يوم فتحت لي سارة طريقاً جديداً للتفكير. ففي الايام الاولى من رمضان، فتحت المكتب لأجد امامي سارة محجبة: اختفت ملامحها وتغيّرت ملابسها وخلا وجهها من المساحيق... وكنت اعتقد حتى هذا الوقت ان العودة الى الاسلام هي اختيار المضطرين من الفقراء، لكن سارة لم تكن فقيرة ولا مضطرة". ومضت المعلومات تتداخل عند الكاتبة فتقرر: "ان قبول سارة بالحجاب يعني قبولاً أن تكون نصف شاهدة، وان تقبل حياة بيتية من حق زوجها فيها ان يضربها ان هي عصت اي امر من اوامره، ويمكن ان يشركها زوجها مع ثلاث زوجات اخريات، ويطلقها متى اراد، ويحتفظ بحضانة اولادها من دون ان تحتج". وتسترسل الكاتبة في مثل هذه المقولات لتأخذنا في رحلة تاريخية عن الحجاب، كيف بدأ؟ وما هي احكامه؟ ولماذا يختلف لدى المرأة المسلمة في مكان وزمان الى مكان وزمان آخر. فالمرأة المسلمة في باكستان يختلف حجابها عن المرأة المسلمة في الجزيرة العربية. وبعدها، تتحدث عن زياراتها لايران وكيف لبست "الشادور" من اجل ان تقوم بوظيفتها خير قيام، وكيف شاهدت شرائح من ممثلي النساء المسلمات من مناطق عدة في العالم الاسلامي كن في زيارة الى ايران، وتصف شعورهن وآمالهن وآلامهن. وحتى لا يستنتج القارئ ان هذا الكتاب هو مجرد قصص قد يختلط فيها الخيال مع الواقع، فإن الكاتبة تطرح قضايا جادة علينا ان ننظر اليها باهتمام بالغ، فهي عندما تتحدث عن ختان البنات تأخذ الامر على محمل الجد وتصف ما شهدته، وهي مع الاسف تعطي انطباعاً ان هذه العادة لها علاقة بالاسلام. وهذا انطباع غير صحيح، ولن يجدي نفينا له، او رفض الاعتراف بوجوده في بعض البيئات، لأن مقاومته تحتاج الى جهود كل المهتمين بقضية المرأة في تلك البلاد والتي تُمارس فيها هذه العادة حتى ولو كانت في حدود ضيقة. وتناقش الكاتبة موضوعاً آخر اكثر اهمية وما زال يمارس في بعض البلاد الاسلامية الا وهو زواج المتعة. وتذهب بعد ذلك للحديث المطوّل والتاريخي عن "زواج المتعة" وهو قد يكون مطبقاً في بعض البلدان الاسلامية، وقد يكون له معارضة نسائية ورجالية على حد سواء، ولكنه بالتأكيد موضوع يثير الاهتمام في الغرب، وربما الاستغراب ايضاً. وتعلّق المؤلفة: "قرأت شخصية سي السيد في قصة نجيب محفوظ الشهيرة ولكنني لم اعرف ان هناك تطابقاً بين شخصية السي سيد وشخصيات ما زالت تعيش حتى هذا اليوم ترى المرأة بهذه النظرة نفسها". ومن القضايا الاخرى الجادة التي تناقشها المؤلفة هي "جرائم الشرف" وتتابع هذه الظاهرة في مدن وقرى الشرق الاوسط، وترى ان المرأة في بعض المجتمعات العربية والاسلامية تموت حزينة خوفاً من "الاشاعات" لا القتل. والى جانب القضايا الرئيسية التي طرحتها المؤلفة فإن موضوع دراستها هو المرأة المسلمة العربية، والى حد ما الايرانية مع اشارات قليلة للمرأة التركية والباكستانية او حتى الاندونيسية مثلاً وجميعهن مسلمات. وهي تُسقط بشكل غير علمي تاريخ بعض النساء المسلمات على واقع الحال اليوم، وهو امتداد للفهم الغربي عن الحضارة والثقافة وعلى انها شيء ثابت لا يتغير مع الزمن وذلك ضد المنطق العلمي. وتشير المؤلفة ايضاً الى الكثير من مكاسب المرأة المسلمة الحديثة في بعض البلدان، كأن تقبل في سلك الشرطة مثلاً وتقوم بالتدريبات العسكرية وان تشارك حتى في القتال. وهناك فصل مخصص عن "ألعاب المرأة المسلمة" وفصل عن حجاب الفنانات في مصر والذي تناقش فيه ارتداء سهير البابلي للحجاب مع مجموعة اخرى من اهل الفن من النساء في مصر، ثم تتطرأ الكاتبة الى ذكر حادثة مقتل الكاتب فرج فودة في القاهرة. وقد تكون المؤلفة قد اخطأت او اصابت. ولكن الخطأ الاساسي يكمن في داخلنا نحن. فلا يتوقف الامر عند عدم فهم الاسلام وعلاقته بالمجتمع بالنسبة للمثقف العربي، ولكننا بتصرفاتنا المتهورة نضيف الكثير من اهتزاز الصورة بفهمنا السطحي لقشور الدين، وخصوصاً لشؤون المرأة وقضاياها. ومن خلال تقليب صفحات هذا الكتاب، يتبين لنا انه من الخطأ النظر الى الاسلام من خلال عيون غير خبيرة، ومن الخطأ النظر اليه على الورق، او من خلال بعض الوقائع المنتقاة. فالمفكرون والمسلمون العظام كالغزالي وابن رشد وابن عربي وغيرهم، ناقشوا الكثير من هذه الاطروحات ووصلوا بها الى احكام منطقية. واعطى الاسلام للمرأة الكثير من الحريات، وكانت قبل ذلك مقيّدة. وعلينا جميعاً العمل للتفريق بين الثقافة السائدة والتقاليد المحلية لهذا الجتمع او ذاك، وبين مبادئ الاسلام العظيم. الكتاب من اصدار "دار الكنوز الادبية" وترجمته الى العربية براعم سليمان