تصدر قريباً في مدريد ترجمة اسبانية للمجموعة القصصية "أكنس الشمس عن السطوح" للكاتبة اللبنانية حنان الشيخ. وكانت الكاتبة موضع حفاوة أخيراً في مدريد إذ دعتها مؤسسة "مديكوديل موندو" الى إحياء لقاء أدبي تحدثت فيه عن تجربتها الأدبية. والمجموعة القصصية نفسها كانت صدرت في ترجمة فرنسية عن دار أكت سود في عنوان "مقبرة الأحلام". اختارت الكاتبة اللبنانية حنان الشيخ الهروب نحو المنفى للتخفف من أوزار الذكريات. يمكن أن نعتبر مجموعتها الجديدة "مقبرة الأحلام" عربون محبة لذكرى الأم. إذا كانت حنان الشيخ تمسك مصيرها بين يديها، فالفضل في ذلك يعود من دون شك الى أمها. تلك المرأة المسلمة من جنوبلبنان التي تزوجت رغماًً عنها وهي لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها، وهي كان عليها أن تهرب من البيت لتلتحق في سرية بالرجل الذي تحب. في قصتها "ريش الملائكة" تتحدث حنان عن هذا الهروب وخاصة ما نتج من هذه المغامرة التي حدثت في مجتمع يعتبر التقاليد أكثر أهمية أحياناًًًًًً من الحق في الحرية: "أعرف أن ذلك الحب كان قوياً جداً وعنيفاً، لأن أمي كانت لديها الجرأة لتفعل ما لم تكن تستطيع فعله أي امرأة في مجتمع مبني على تقديس التقاليد. تركتني أمي وعمري خمس سنوات". حاول الجميع اتهامها بينما هي كانت تبدأ حياتها من جديد في رفقة الرجل الذي أحبته، وأنجبت منه خمسة أطفال. تتحدث حنان الشيخ برقة عن أحداث أليمة. تتحدث كما تكتب. تحكي عن أشياء عنيفة من دون أن تتغير لغتها أو يرتفع صوتها. إنها تتذكر جيداً تلك الفترة حين كان الجميع يشيرون بأصابعهم نحو الأم الهاربة. لهذا قررت أن تخصص لتلك الأم كتاباً بأكمله:"مقبرة الأحلام". تقول حنان الشيخ: "إن أمي فخورة بي، لكنها لا تستطيع أن تقرأ، في الوقت الذي كان أبوها معلماً. ظلت علاقتنا سطحية لوقت طويل. الآن عندما شرعت أكتب عنها أستطيع أن أرى حجم الشجاعة التي كانت لديها. كانت مناضلة نسائية قبل أن تعرف النساء الأوروبيات الحركة النسائية، كانت مجرد شيعية من جنوبلبنان!". تكتب حنان الشيخ بالعربية وتعيش في لندن منذ 15 عاماً. نشرت 7 روايات ومجموعتين قصصيتين. في فرنسا تمت ترجمة أربع من رواياتها ولا يزال القارىء الفرنسي يتذكر كتبها التي تتحدث عن الشذوذ الجنسي في المجتمعات المغلقة وعن العلاقة المتوترة بين الرجل والمرأة في هذه المجتمعات. المواضيع نفسها نجدها في "مقبرة الأحلام". إنها قصص حزينة ومن دون مخرج. والكتاب يعيد الاعتبار إلى نوع من النساء استعملن شراستهن للدفاع عن خصوصيتهن: "الرجل العربي، مهما كان مستواه التعليمي، لا يعترف بالمرأة بوصفها شخصاً". حنان الشيخ نفسها كان عليها أن تواجه عائلتها في الوقت الذي قررت الارتباط بمهندس: "أنا أكتب عن هذه الأحداث لكنني لا أعيشها. تحاورت دائماً مع زوجي، لدينا النظرة نفسها لموقع المرأة العربية الحالي في المجتمعات العربية. ربما لهذا السبب تستمر علاقتنا إلى الآن". كيف ترى امرأة لبنانية تكتب بالعربية منفاها الاختياري؟ - "اخترعت وطناً آخر داخل الوطن المنفى. هذا لا يعني أن فكرة الاستقرار إلى الأبد في بريطانيا تكونت في رأسي. إنني مهتمة بهذا المجتمع. حصلت على الجنسية الانكليزية، أذهب للتصويت، أو أجبر نفسي على التصويت لأنني لا أشعر بنفسي إنكليزية، أنا عربية، من دون شك، من دون التباسات أو تمزقات. في البيت نتحدث العربية والانكليزية. لكنني أعرف أن اللغة هي الهوية. كان من الممكن جداًًً أن أندمج لو كنت أكتب بالانكليزية. بريطانيا مجتمع منغلق على نفسه، الترجمة فيه قليلة. العنصرية حاضرة على رغم كل شيء. لا يعتبرونك هنا مواطناً كامل المواطنة. يضعونك في إطار غريب ويشعرونك بعدم ضرورة مغادرته. يمكن أن نقول إن الانكليز يهتمون بالآخرين، لكن هذا الاهتمام يظل متواضعاً". في قصة "عندما تركت الحياة حياتها" تروي حنان الشيخ كيف أن البطلة "سمر" عندما زارت مدينة فاس في صحبة زوجها الاوروبي اكتشفت قوة الجذور التي تربطها بذاكرتها العربية. فاس بكل ثقلها الحضاري جعلت هذه الشابة الجميلة ذات السنوات الخمس والثلاثين تفكر في لبنان موطنها الأصلي كمكان للعودة، وتحس بالحنين الجارف الى اعادة زرع جذورها من جديد بين أثلام ترابها القديم.