رواية حنان الشيخ "انها لندن يا عزيزي" ربما تحفز الدارسين على بحث حضور لندن في الادب العربي الحديث. فالعاصمة البريطانية مزار شبه موسمي لشخصيات سياسية واقتصادية وثقافية عربيةظ. ويمكن ملاحظة روايتين سبقتا رواية حنان الشيخ، اولاهما صدرت في باريس عام 1855 في عنوان "الساق على الساق فيما هو الفارياق" للنهضوي اللبناني احمد فارس الشدياق، وهي رواية على رغم عدم انضباطها في المصطلح، ما اضطر مترجمها الى الفرنسية رينه خوام الى حذف فصول منها تنحو باتجاه اللغة او التاريخ ليستقيم إهابُها كرواية. في عمل الشدياق فصل عن لندن في اربعينات القرن التاسع عشر يصف الناس والمساكن والشوارع مركّزاً على الطبقة المتوسطة وما دونها، ويبدو وصفه واقعياً حياً، يفوق في حساسيته احياناً فصول تشارلز ديكنز عن البيئة نفسها، على الأقل في الجمع بين الدقة والسخرية الذي اشتهرت به كتابات الشدياق. الرواية الثانية هي "يوسف الانكليزي" للزميل ربيع جابر، حيث مقاطع مديدة من سيرة بطلها في لندن، تصف المكان وأهله وأفكارهم وتفاصيل احتكاك الشاب اللبناني الجبلي ربيب البعثات التبشيرية بهذه البيئة، الى ان يتزوج وينجب ويموت ابنه بصورة مفاجئة تؤدي الى فقده زوجته ايضاً. كأن الزواج والانجاب كرمزي انتماء واقامة لم يكتب لهما الاستمرار. ولن نتناول سائر فصول الرواية في جبل لبنان وبيروت ولندن فهي تستحق كلاماً مستفيضاً، لأن "يوسف الانكليزي" من بين روايات قليلة تعتمد على الارشيف، نجحت في احياء مرحلة وترميزها، كما كان شأن رواية كنيزة مراد الصادرة عام 1987 في فرنسا تحت عنوان "من طرف الاميرة الميتة". لكن فصول رواية ربيع جابر عن لندن تعتبر مقاربة للاتصال العربي - الانكليزي المستحيل الذي يتسبب بايجاد انسان عربي معلّق، كما حال الكثير من المثقفين المعلقين بين شرق وغرب والمراهنين على ثقافة انسانية مشتركة، ثقافة هي من باب الاحلام السعيدة لا غير. وقبل ان تكتب حنان الشيخ روايتها "انها لندن يا عزيزي" كثفت اتصالها بالوسط الثقافي البريطاني وكتبت مسرحيتين عرضتا في مسارح لندنية طليعية، الاولى عن يوميات سيدتين لاجئتين من الحرب في بلدهما لبنان، والمسرحية الثانية عن فتاة مغربية تعمل بصورة غير شرعية في فندق وتسعى الى الزواج من شاب مواطن لتتأهل للاقامة الدائمة ونيل الجنسية. والمسرحيتان يجمع بينهما، فضلاً عن تجربة الهجرة العربية اليوم، العناية بالمرأة المهاجرة بالذات. والمرأة المهاجرة قوام رواية "انها لندن يا عزيزي" حيث تندرج في اعمال سابقة لحنان الشيخ تقدم وجوهاً من مغامرة عيش المرأة العربية المعاصرة. فالرواية تلامس تفاصيل الانتقال الصعبة من حال الهجرة الى حال الاندراج في جالية عربية مقيمة. وعن الوضع المعلق للجالية العربية ترسمه حنان الشيخ روائياً بشيء من الاضحاك والتشويق، والكاريكاتورية أحياناً، لأنه معلق بين الغربة والإقامة. ثلاثة ابطال في الرواية: امرأتان ورجل اعتاد ان يرتدي ثياب النساء في حرب لبنان كي يحتمي بوضع المرأة الضعيفة ثم انساق الى قدره في المثلية. هكذا الرواية تعرض لحال مهاجرات ومهاجرين يحاولون الحصول على عيشهم. رواية حنان الشيخ عن لندن رواية المقيم لا العابر، واذا نقلت الى الانكليزية فقد تندرج في أدب متعدد الثقافات يَسِمُ النشر الانكليزي منذ سنوات، ويؤسس لأدب عالمي يعتمد على احاسيس الجاليات الواقفة في منزلة وسط بين ماض لن يعود وحاضر يشبه الوهم.