} في 25 تشرين الثاني نوفمبر 1916، التقى جبران وميخائيل نعيمة وعبد المسيح حداد وسواهم من أعضاء "الرابطة القلمية" في منزل الشاعر نسيب عريضة المشرف على الهدسن من أحد مرتفعات نيويورك. كان موضوع اللقاء تأسيس مجلة "الفنون" العتيدة التي غدت منبراً للرابطة القلمية في مرحلتها الأولى، كما كانت جريدة "السائح" في المحلة الثانية من حياة تلك الجمعية الأدبية النيويوركية الشهيرة. لكن صاحب "الفنون" الشاعر نسيب عريضة استغل المناسبة، فأجرى مقابلة مع عميد الرابطة جبران خليل جبران ومع أحد أبرز أركانها ميخائيل نعيمة، ربما لنشرهما في مجلته العتيدة. ومع ان شيخ الصحافيين الشوام في مصر سليم سركيس كان دشّن المقابلات الصحافية التي سماها "مفاوضات" حينذاك في مجلته "مرآة الحسناء" الصادرة في التسعينات من القرن التاسع عشر، فإن عدم رواج هذا اللون في الصحافة العربية، حال دون نشر المقابلتين المهمتين والطريفتين في "الفنون". ولعل فرادة المقابلة في الدوريات العربية آنذاك من ناحية الأجوبة المختصرة والشخصية كأن يقتصر بعضها على كلمة واحدة هي التي غيّبت المحاورتين الأدبيتين الجميلتين عن صفحات "الفنون". تميّزت مقابلة جبران بالشمول والاختصار وكثرة الأسئلة والأجوبة وتمحورت على الجانب الشخصي وحملت الكثير من العفوية. ولم تخل من مفاجآت كأن يضع الفنان الشرقي المجهول الذي غنّى النهوند الى جانب مبدع السمفونية التاسعة بيتهوفن. وتبرز في أكثر من جواب نزعة جبران الريفية البشراوية: حبّه للسنديانة وبخور مريم ورائحة الحطب في الموقد. وفي المقابلة مع نعيمة، نجد القليل من نقاط الاتفاق مع جبران من مثل تفضيله جبل لبنان للعيش فيه، والكثير من نقاط الاختلاف. فهو يفضّل اسم ليلى لا سلمى، ويتمنى أن يكون أفلاطون لو لم يكن ميخائيل نعيمة، ويحبّ الفجر واللون اللازوردي والالماس. وتعكس بعض أجوبته أفكاره ونفسيته التي برزت في ما بعد، خصوصاً ميله الى الفلسفات الهندية وعشقه لجبل صنين وانشداده الى الأدب الروسي. وهنا النص الكامل للمقابلتين اللتين يحلو لنسيب عريضة تسميتهما ب"الاعترافين" نقلاً عن دفتره الخاص المحفوظ في أرشيف جريدة "الهدى" النيويوركية لمؤسسها نعوم مكرزل. وأطرف ما يميّز هذين الحوارين أنهما أجريا على طريقة الاستجواب السريع الذي لا يدع لمن توجّه اليه الأسئلة أن يفكر طويلاً بالأجوبة. وقد يلقي هذان الحواران أضواء على فكر جبران وفكر نعيمة وعلى الاختلاف الواضح بينهما. جان داية