تشهد الأوساط الاقتصادية في مصر جدلاً في شأن بنود المشروع الجديد لتعديل قانون المصارف الذي أنجزته الحكومة، وأحالته الى اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم لإبداء المشورة في الوقت الذي قامت بتسريب عدد من بنوده لشغل الأوساط المصرفية عن تداعيات التراجع عن قرارات 19 تشرين الثاني نوفمبر التي أقرها محافظ البنك المركزي ولم تنفذ. واذا كانت قرارات تقييد الاستيراد شهدت التراجع عنها، وبالتالي تخلص كل من الحكومة و"البنك المركزي" من الضغوط البالغة التي مارسها رجال الاعمال والتنظيمات التابعة ما أدى الى وقف سريانها، إلا أن السوق المصرفية لم تهدأ بعدما أكد المصرف المركزي للمصارف تراجعه عن ضخ أي كميات من الدولارات اليها لسد حالة النقص الشديد في العملة الاميركية. وأدى هذ الوقف بدوره الى توقف المصارف تماماً عن فتح الاعتمادات المستندية. وعلى رغم محاولات بعض المصارف، والعامة منها خصوصاً، الضغط على إدارة "المركزي" للتوصل الى اتفاق يقضي بتغطية الأرصدة المكشوفة لديها بالدولار، والاكتفاء بالامتناع عن الطلبات الجديدة وحدها، إلا أن "المركزي" لم يستجب حتى الآن، ولا يبدو أنه يفكر في الاستجابة حالياً. وكشف مصدر رفيع في اتحاد المصارف ل "الحياة" ان امتناع ا"لمركزي" عن تغطية الحسابات الدولارية المكشوفة، المترتبة على قيام المصارف في فترة سابقة بتلبية طلبات العملاء لفتح الاعتماد أو شراء الدولار، يعود الى تراكم اجمالي هذه الأرصدة وتجاوزها عتبة 800 مليون دولار حسب التقديرات الرسمية، ونحو 4،1 بليون دولار حسب التقديرات الخاصة في المصارف. ويرجع المصرفيون هذه الزيادة الى تنامي الحسابات المكشوفة في مصارف القطاع العام الاربعة التي تراوح بين 200 مليون و250 مليون دولار في كل مصرف، بخلاف الحسابات المكشوفة في مصارف القطاع الخاص، مثل هذا الوضع يجعل المصارف المصرية في مأزق صعب نظراً إلى تراجع النشاط فيها، على رغم الغاء قرارات تقييد الاستيراد. ويقول المصرفيون إن هذه القرارات حسب الوضع الراهن تبدو وكأنها لم تكن، كما أن "المركزي"، بامتناعه عن تغطية تلك الحسابات، يزيد من الضغوط عليها. المصارف وحذر مصرفي بارز من ان استمرار "البنك المركزي" في رفضه التدخل لتغطية تلك الحسابات، سواء كلياً أو جزئياً، سيضر بأموال المودعين لدى هذه المصارف، لأن هذه الأخيرة لا يمكنها ان تتحمل وحدها تبعات قرارات "البنك المركزي" السابقة بالاستجابة غير المشروطة وعرض ما في حوزتها من دولارات للجمهور. وتسبب هذا الأمر في انكشاف الارصدة الى هذا الحد. ولفت المصرفي الى أن المصارف المصرية ستكون مضطرة الى اظهار ذلك في القوائم المالية ربع السنوية التي تلتزم بالإفصاح الكامل عنها وهو ما يضعها في مواجهة مأزق جديد. الدولار من جهة أخرى واصل الدولار اختفاءه في الاسواق المصرية باستثناء تعاملات عارضة وباسعار يتم تداولها في العادة فوق السعر الرسمي الذي يتم تجاوزه. وسجل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق غير الرسمية 457 قرشاً للدولار الواحد في اشارة واضحة الى أن التزام شركات الصرافة بعدم تجاوز السعر الرسمي بات فارغاً من أي معنى، طالما أنها تلجأ الى شرائه بأسعار تزيد، في المتوسط، عن السعر الرسمي ب 23 قرشاً للدولار الواحد، وهي تعتبر أن عجز الدولة عن توفير الدولار وامتناعها عن تغطية المصارف التابعة لها سيسمح بتدبير الدولار لمن يحتاج إليه حسب آليات العرض والطلب، الأمر الذي يشير الى تزايد احتمالات عودة سعر صرف الدولار الى الارتفاع خلال الأيام المقبلة.