منح 60 مواطناً ميدالية الاستحقاق لتبرعهم بالدم 10 مرات    نزوح فلسطيني جديد من خان يونس    لدغات العقارب والثعابين تدخل 15 حالة لطوارئ    ترينديول تطرح المجموعة الأولمبية قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024    بقيمة تقديرية تتجاوز 1,2 مليار ريال سعودي.. «شركة دله الصحية» توقع مذكرة تفاهم لإنشاء مشروع استثماري متعدد الاستخدام    نشاط في الرياح المثيرة للأتربة على معظم مناطق المملكة    الإعصار "بيريل" يشتد ويقترب من جام    الربيعة: اعتماد يوم عالمي للتوائم الملتصقة مناسبة سنوية    100 براند سعودي" تثري أسبوع الموضة في باريس بعرض أزياء حصرية ل11 علامة سعودية    الداعية والشخصية الوهمية لابن حيان    الأمم المتحدة تعتمد يوم 24 نوفمبر من كل عام يوماً عالمياً للتوائم الملتصقة وذلك بمبادرة من المملكة العربية السعودية    بحضور البسامي.. معالجة أممية للجرائم العابرة للحدود    التأثير الغربي    عقلانيون أم نصوصيون    ارتفاع موجودات واستثمارات «المركزي السعودي»    أمانة المدينة المنورة تكثف أعمال صحة البيئة    موجز    235 ألف طن قمح مستورد لتعزيز الأمن الغذائي    إصابة 30 راكبا جراء مطبات هوائية خلال رحلة من إسبانيا إلى أوروجواي    «ميتا» تختبر روبوتات الذكاء على إنستجرام    فعاليات تراثية متنوعة    مغلف بالود    وجوه مستعارة    منظومة العمل    تشييد مركز ثقافي ملحق بمسجد القبلتين.. المساجد التاريخية.. مقصد الزوار بالمدينة    القادسية يغري إيكاردي ب 25 مليون يورو    أمير الشرقية ونائبه يهنئان نادي القرية العليا الرياضي    يحتجز جثة القطة للحصول على أتعابه    نمل تايوان يركب السيارات لنشر مستعمراته    فيتامين دال للوقاية من الأمراض    نائب أمير الجوف يعزي الهيشان في فقيدهم    تورطوا بجرائم الرشوة واستغلال النفوذ.. «إيقاف»: 155 متهماً بالفساد    من يجبر كسر طريق «العبلاء - جرد»؟    «الشورى» يطالب البلديات بتقييم تأجير المواقف على المناطق المركزية    يورو 2024.. البرتغال تتجاوز سلوفينيا بالركلات الترجيحية وتتأهل لربع النهائي    جولة ثانية من المشاورات بين وزير الخارجية ونظيره البنغلاديشي    مصادر ل«عكاظ»: الهلال يدرس تمديد عقد «سالم»    عبدالعزيز بن سلمان: حقول غاز جديدة في الربع الخالي والشرقية    خدمات طبية سعودية لمرضى الغسيل الكلوي في المهرة اليمنية    لا تشابه ولا تكرار    يوردانيسكو: رومانيا بحاجة إلى تقديم مباراة مثالية    جمعية «حياة» تعتمد الهيكل التنظيمي وتعلن منجزاتها    الحليف المتمرد    أمير القصيم: مشروع نادي الطيران بالرس أحد الميز النسبية في برنامج التوزان التنموي    القيادة تهنئ سامانثا موستين بمناسبة أدائها اليمين الدستورية حاكماً عاماً لكومنولث أستراليا    بعد الوداع.. سجل كبير لسلمان الفرج مع الهلال    أمير جازان يتسلم التقرير الربع سنوي للجنة الرئيسية لمراقبة عقارات الدولة    تركي آل الشيخ يعلن عن التعاون مع الدوري الإسباني    ضبط 1,500 رتبة وشعارات عسكرية مخالفة في الرياض    مشروع تطوير مرفق تدوير للمعادن الأول من نوعه في المملكة    مدير الأمن العام يرأس وفد المملكة في قمة الأمم المتحدة لرؤساء الشرطة    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    المفتي العام: يشيد بمنجزات الشؤون الدينية للمسجد الحرام    نائب أمير القصيم يعزي الزويد    الأمير محمد بن سلمان يُعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة الشيخة سهيرة الصباح    807 حجاج يغادرون ميناء جدة الإسلامي إلى ميناء سواكن في السودان    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل المصليات المتنقلة خلال الإجازة الصيفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"على فين" ... الصوت كالموسيقى يحرك المخيلة . "صابرين" الفلسطينية في شريط جديد
نشر في الحياة يوم 03 - 12 - 2001

"صابرين"... ليست تلك البنت التي أنجبتها أمها قبل أشهر عند حاجز اقامه جيش الاحتلال عند أحد مداخل رام الله، وليست تلك التي كانت في الثامنة من عمرها يوم اصابتها في الرأس رصاصة قناص اسرائيلي عندما كانت تلهو على سطح بيتها في الخليل... إنها ذلك الاسم الذي لأنثى في العادة وحملته فرقة فنية للغناء منذ أواخر السبعينات في القدس.
وقُدِّر لهذه الفرقة أن تحوز شهرة واسعة، في المجال الذي يطلق عليه في العادة اسم الأغنية السياسية أو الملتزمة، بين الفلسطينيين عبر صوت كاميليا جبران... الى حد شاع معه أن "صابرين" هو اسم للمغنية وليس للفرقة. واستمر ذلك لسنوات غير قليلة، وكان مفاجئاً عندما شاعت الحقيقة في النصف الأول من التسعينات.
كان واضحاً في الثمانينات أن أغنيات "صابرين" هي قصائد تنتمي الى شعر المقاومة غير الصاخب الذي تنوعت مصادره بتنوع الشعراء، سواء كانت لمحمود درويش أو للراحل عبداللطيف عقل أو تلك التي كتبها الشاعر حسين البرغوثي متعاوناً مع الفرقة ومتضامناً مع رسالتها.
واعتماداً على الذاكرة أكثر من سواها، فالأرجح ان "صابرين" في ذلك الوقت منحت الكلمة أهمية استثنائية بدفع من الظروف المحيطة بمراحل الكفاح الفلسطيني... هل آىة ذلك ان المرء لا يتذكر لحناً، ولو شعبياً قدمته "صابرين" آنذاك، بل يكاد يتذكر كلمات من أغانيها تتصل بشيء آخر غير المقاومة؟ ربما.
خلال التسعينات خرج غير صوت غنائي من فلسطين. ولعل "صابرين" بصوت كاميليا جبران وموسيقى سعيد مراد وأداء أعضاء الفرقة كانت الأوضح في انتزاع حضور فني خالص لذاته خارج المكان.
في حفلتها التي قدمتها في مهرجان جرش الأخير، مثلما في شريطها على فين الذي صدر في القدس في شهر شهد انطلاقة الانتفاضة، تنزع الموسيقى الى البحث عبر اتصالها بأكثر من اتجاه في الموسيقى العربية، كما لو أن هناك تقصداً لبناء جملة موسيقية مركبة تجعلها بنيتها الايقاعية قريبة الى احساس سامعها على رغم ما تنطوي عليه من شيء من الغرابة.
ويبدو سعيد مراد الذي كتب موسيقى أغنيات "على فين" شديد الحساسية والانتقائية في هضم ذلك الجدل الموسيقي الدائر في راهن الموسيقى العربية وما يهب عليها من مؤثرات خارجية واعادة انتاجها وفقاً لروح لا تطرد "السيمفوني" بل تبقيه لكي تبقى الموسيقى ولا تذهب في الريح كالكلام.
في ذلك كله يتوازى صوت كاميليا جبران مع الموسيقى. وليس استثنائياً القول انه صوت مثقف متعدد الطبقات تستطيع صاحبته ان تطوعه للحن تشعر به يسري في دمها أو تتخيله... وفضلاً عن ذلك هو صوت يبحث عن تفرده بين غابة من الأصوات التي تملأ الساحة العربية. ولو افترض المرء أن هذا التوصيف مبالغ به، إلا أنه أكثر قرباً الى احساسه لحظة يصغي الى كاميليا جبران، ومن المهم أن يعرف المرء ان هذه المرأة هي أيضاً عازفة ومؤلفة موسيقية وتتحدر من عائلة تشبه هجرتها الى الموسيقى العربية هجرة الأباطرة السود الى الجاز والبلوز الاميركيين. فقد بعث والدها الياس جبران الحياة في البزق بعد ان مات حقاً في فلسطين.
واذا كانت الموسيقى هي البيان الشعري لفرقة "صابرين" فإن الكلام أي الشعر ذريعته التي ترقى الى التعبير عن مزاج راهن في اختيار القصائد... مزاج أقل ما يمكن وصفه بأنه مزاج خاسر من فرط ما فيه من أمنيات وأحلام، بل وتوق الى الخلاص أيضاً... مزاج لا يدافع عن الحنين وربما أنه مزاج ذلك الشخص الذي أيقن ان لا يوتوبيا قد يحيا فيها فسعى عوضاً عن ذلك الى أن يتعين في الوجود بين كائناته الحية والجامدة فرداً خالصاً وليس سواه.
ومن بين الاغنيات العشر التي تعبر عن هذا المزاج أغنية في سكوت الليل للشاعر المعروف سيد حجاب... ففي ذلك الفضاء الذي يؤسس له صوت كاميليا جبران وما تحفزه الكلمات من تخيل يمكن المرء أن يختلي بنفسه في منطقة عالية من التوحد كما لو أن النفس مرآة:
"صوت في سكوت الليل يناديني
خلّى دموعي تفر من عيني
على فين يا موج الشوق موديني.
الحلم والمجهول وليل الويل وقمر بصوت مرمر بينْدَهْلي
باضُمِّ قلبي وأطير مع المواويل وأتمشى فوق الموج على مهلي.
باحلم يا دنيا بلاش تِصَحّيني
على فين يا موج الشوق موديني".
وهذه القصيدة وسواها، يلاحظ السامع أن كاميليا جبران، إذ لا تقولها بالدارجة المصرية، فإنها لا تطوعها الى دارجة فلسطينية بل تخرج من منطقة عفوية بينهما تبعدها عن التكلف وتجعلها أقرب الى نفسها هي أولاً، وليس الى السامع فحسب.
ويشعر المرء عندما تغني كاميليا جبران في "على فين" كما لو أن الشعر بوح الموسيقى أو صوتها. وتعبر عن ذلك قصيدة أخرى تغنيها "صابرين" في الشريط للشاعر حجاب:
"بحب البحر لما يزوم ويعشق صرخته في الريح
واسح ف موجه شوق مكتوم لناس حرة وحياة بصحيح
واحبه لما يتهادى وادوب لما يوشوشني
ويفرش موجه سجادة في أحلامي تعيشني
مالوش أول ولا آخر قراره طاوي اسراره
ودايماً في الهوى مسافر ولا نهاية لمشواره".
في "على فين" تغني "صابرين"، عدا اغنيتين أخريين لحجاب، للحب أيضاً... حب نبيل ويكاد يكون فردوسياً مثلما جاء في قصائد: كحل، هالكان عندن بيت، سجر البن، ميّالا، سيف، للشاعر اللبناني طلال حيدر مأخوذة من ديوانه آن الأوان وقصيدة للشاعرة فدوى طوقان بعنوان "لحظة".
المزاج هنا في غالبيته ينزاح قليلاً لكنه لا يختلف بل هو راغب في ادراك الحب الرائق والصافي ويدعو اليه:
بيني وبينك
سجر البن
وحب الهال
وزهر النوم
وعرب وصحرا
وغيبة يوم.
لو نقدك كان مدينة
وبالشام العرس
لَرْكَبْ ع الفرس وجِبْلَكْ
مفتاح القدس.
رايح اسرقلك غابة
واسرقلك جان
وعَلِّقْ ع سجر البحر
عقود المرجان".
في أي حال فإن الكلام على الشعر أكثر سهولة من الكلام على الموسيقى... فإذا كان الأول يُصاب بالاحتمال والتأويل في واحد من أوجهه فإن للموسيقى الاحتمالات كلها عندما تحفز المخيلة وتحرك الاحساس بالغامض والمجهول وتترك المرء في منطقة قريبة من الهاوية، هي منطقة القلق وسؤاله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.