أمير تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي والدبلومات الصحية    ترمب يصطحب ولي العهد في جولة داخل البيت الأبيض بعد استقبال مهيب    أمين الطائف يوقع عقد خصخصة رقابة الحفريات ضمن فعاليات معرض سيتي سكيب العالمي    مُحافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لجمعية مراكز الأحياء بمنطقة مكة المكرمة    جمعية روماتيزم تحصل على الموافقة الأولية للعمل خارج المملكة من مركز الملك سلمان للإغاثة    ترمب يستقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض    ولي العهد يصل إلى البيت الأبيض والرئيس الأميركي في مقدمة مستقبليه    + 500 مليار دولار التجارة البينية بين السعودية وأمريكا آخر 10 أعوام    ريمار العقارية تكشف عن هويتها الجديدة وتستعرض أحدث مشاريعها خلال مشاركتها في "سيتي سكيب الرياض 2025"    المنتخب السعودي للتايكوندو يحصد الذهب في بطولة قطر الدولية    سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعا 47 نقطة بسيولة تجاوزت 4 مليارات ريال    مجلس الوزراء: زيارة ولي العهد لأمريكا تأتي لتعزيز العلاقات والشراكة الاستراتيجية    نائب أمير القصيم يطّلع على أبرز الجهود الميدانية والتوعوية لهيئة الأمر بالمعروف في موسم الحج العام الماضي    استخراج حصوة بحجم كرة التنس من مقيم يمني بمستشفى جازان العام    أمير تبوك يستقبل سفير جمهورية بولندا لدى المملكة    بديل بونو يًسعد إنزاغي    تشكيل منتخب السعودية المتوقع أمام الجزائر    يوسف المناعي مع العلا.. تحدٍ جديد ل "مهندس الصعود"    التحكيم التجاري خيار استراتيجي لتخفيف العبء على المحاكم الخليجية    صندوق الاستثمارات يعلن ضخ 200 ألف وحدة سكنية و90 ألف غرفة فندقية    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    لينكدإن تطلق مبادرة "رؤيتي 2030" الرقمية لتمكين الشباب السعودي وتعزيز أدوارهم ضمن رؤية المملكة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة عسير تقبض على شخصين لترويجهما (7) كيلو جرامات من نبات القات المخدر    بنك الخليج الدولي السعودية شريك استراتيجي للبطولة السعودية الدولية للجولف 2025م    القيادة تهنئ رئيس جمهورية لاتفيا بذكرى استقلال بلاده    مفردات من قلب الجنوب    جامعة الملك سعود تنظم فعالية اليوم العالمي للطلبة الدوليين    مقتل فتاة بهجوم روسي في شرق أوكرانيا    دولة فلسطين ترحب بالقرار الأممي بشأن غزة    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    وصول الطائرة السعودية ال73 لإغاثة الشعب الفلسطيني    طالب بدعم الأبحاث العلمية.. الشورى يوافق على نظام براءات الاختراع    «الزائر الغامض» يقترب من الأرض    «التحالف الإسلامي» يطلق برنامجاً لمحاربة تمويل الإرهاب بالنيجر    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    شيرين رضا تنضم إلى فريق «وننسى اللي كان»    إثراء يعيد رسم المشهد الإبداعي بالسعودية    بعد خروجه من حسابات كونسيساو.. الاتحاد ينوي إعارة «سيميتش» في الشتوية    العقل والآلة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    انتشار ظاهرة الاحتيال المالي    الزهري الخلقي في أمريكا    الجوال يتصدر مسببات حوادث المرور في الباحة    التجار النجديون في البحرين    العيش بدهشة مرتين    بحيرة طمية    «التخصصي» يعيد بناء شريان أورطي بطُعم من «قلب البقر»    الضمير الأخلاقي أهم مهارات المعالج النفسي    السعودية تعيد كتابة فصول مواجهة السكري    ورحل صاحب صنائع المعروف    المفتي يستقبل وزير الحج والعمرة    «الإعلام» تودع «أيام الثقافة المصرية» بحضور كبير..    حياتنا صنيعة أفكارنا    أمير القصيم: محافظة عيون الجواء تشهد نموًا متسارعًا في كافة القطاعات    ماسك يتحدى أفضل الجراحين البشر    المرأة روح المجتمع ونبضه    فيصل بن بندر يطَّلع على تقرير «غرفة الرياض».. ويعزي الشثري    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغنيات جديدة بين الماضي الجميل و"حاضر" زياد الرحباني . صوت فيروز المتجدد يجمع بين أصالة الطرب وإيقاعات العصر
نشر في الحياة يوم 24 - 05 - 1999

قد تبدو الأغنيات الثماني للوهلة الأولى غير منسجمة تمام الانسجام تبعاً لاختلاف القصائد والكلمات أوّلاً ثم لاختلاف الألحان وأجوائها: فالشعر الغزليّ القديم يختلف عمّا يكتب زياد الرحباني من "قصائد" هي في حقيقتها قصائد يوميّة وواقعية جداً وغير شعريّة ربما. أمّا الألحان التي استوحاها الفنان السوري محمد محسن من التراث المقامي الأصيل بحثاً عن مناخٍ طربي خفيف وناعم فهي بدورها تختلف عن ألحان الرحباني الابن التي شاءها شرقية بامتياز وطربية بامتياز أيضاً ولكن طبعاً عبر مفهومه الخاصّ للطابع الشرقي والطرب وهو مفهوم متطوّر وجديد لا يتخلّى عن البساطة الساحرة حتى وان أمعن في اللعبة الماهرة للتوزيع والتأليف. غير أنّ صوت فيروز بدا قادراً كلّ القدرة على الجمع بين المناخين اللذين ضمّتهما اسطوانتها الجديدة وعنوانها غاية في الطرافة "مش كاين هيك تكون" إنتاج ريلاكس إن 1999، أي بين الطرب الأصيل القائم على القصيدة الغزلية والطرب "الرحباني" نسبة الى زياد الرحباني القائم على الطرافة والألفة سواء في ألحانه الشرقية المتجدّدة أم في الكلمات التي تنتمي الى المعجم اليومي للعشق. وربما وحده صوت فيروز قادر على أن يؤالف بين هذين المناخين اللذين يصعب عادة أن يلتقيا في عمل واحد بل هو وحده القادر على وسم الألحان والأغاني بما يُسمّى "طابعاً" صوتياً خاصّاً فإذا به في الأغنيات الطربية الأصيلة يطوّع العُرَب ويتأصل داخل الإيقاعات الشرقية مرتقياً بالطرب نفسه الى مصاف الأداء الراقي والبسيط في الحين نفسه، الساحر والأليف، المدهش والشعبيّ. أمّا في أغنيات زياد فهو يتغاوى ويتفنن في أداء الحالات "الغرامية" التي شاء الرحباني أن يعبّر عنها عبر الكلمات والألحان. وفي المناخين كليهما بدا صوت فيروز فتياً وكأنّه في مقتبل ربيعه بل غدا متجدداً باستمرار في شفافيته وسحره، وفي متانته ورقّته.
شاءت السيدة فيروز اسطوانتها الجديدة تحية الى عاصي "الغائب الحاضر" كما يقال فهي استهلتها بأغنية زياد "سلّملي عليه" وعمادها معطيات "التخت" الشرقي ثمّ أعقبتها قصيدة "جاءت معذّبتي" كما ألقاها عاصي بصوته سابقاً ثمّ بصوت فيروز تغنّيها للمرة الأولى. ومن يسمع "سلّملي عليه" ويسمع من بعدها صوت عاصي سرعان ما يتخيّل أن الشخص المقصود في الأغنية الأولى هو نفسه عاصي لكن الشخص هنا قد يكون وقد يكون سواه على الرغم من أن الأغنية تتذكّر في ختامها "المذهب" و"الكوبليه" المقطع الغنائي وكأنّ "الشخص" ليس غريباً عن عالم الغناء والموسيقى.
وعودة الى الأغنيات التي لحّنها محمد محسن انطلاقاً من بعض القصائد الغزلية القديمة يكتشف المستمع أن جوّها ليس غريباً عن "الموشحات" و"القصائد" الرحبانية التي أدّتها فيروز في السبعينات وجاء صوت عاصي الذي ضمّته تلك الأعمال ليرسّخ ذلك الجوّ الرحباني بامتياز. ولم يكن اختيار فيروز أصلاً للفنان السوري كي يلحّن لها القصائد هذه إلا تتويجاً لهذا الجوّ الطربيّ ذي النزعة "الموشّحية" الخفيفة والبسيطة. وينبغي التذكير أنّ محمد محسن كان لحّن للمطربة أغنية "سيّد الهوى" التي أدرجت ضمن تلك "القصائد" و"الموشحات" في السعبينات إلا أنّ اسمه لم يستطع أن يقاوم سطو الرحبانيين فظنّ معظم المستمعين أنّ الأغنية رحبانية شعراً ولحناً. علماً أنّ اسم محمد محسن لم يغب أبداً عن الأغنية في طبقاتها المختلفة. وقد لا تفقد أغنيات محسن من وهجها فيما لو وصفت بالأغنيات الاستعادية فهي تعيد المطربة الى مرحلة السعبينات والى تجربة القصائد والموشحات وفيها برعت فيروز كلّ البراعة وجدّدت عبر صوتها الخاص والعميق أداء هذا اللون الطربي الأصيل. وصوت فيروز في الأغنيات الجديدة بدا متحرّراً تماماً من أسر الزمن، نضراً نضارته الأولى ومشبعاً بالألق واليناع. ويمكن بسهولة ضمّ هذه الأغنيات الى الأغنيات الرحبانية المشابهة لها من دون أن يحصل أي خلل زمنيّ. وليس في مثل هذا الكلام انتقاص من قدرة محمد محسن مقدار ما فيه اعتراف به وبألحانه الأصيلة. وهو عرف أيّ مقامات يختار وأيّ ألحان ليرسم الإطار الموسيقي للصوت الذي طالما أحبه وأصغى اليه وفهمه. وأغنيته السابقة "سيّد الهوى" هي من الأعمال "الكلاسيكية" الراسخة التي لا يتخطاها الزمن وكذلك أغنياته الجديدة: لو تعلمين، جاءت معذّبتي، ولي فؤاد، أحبّ من الأسماء. فهو نسج على منوال "القصائد" الرحبانية الأصيلة من غير أن يقلّدهم بل سعى الى أن يتميّز في ألحانه انطلاقاً من ذائقته وتجربته. وإن بدا استيعابه للصوت الفيروزي مشابهاً للاستيعاب الرحباني له فلأنّ الصوت نفسه يعطي الملحّن مقدار ما يأخذ منه ويسم اللحن مقدار ما يتسم به أيضاً. وهكذا بدت أغنيات محمد محسن كأنّها تشكّل جوّاً استعاديّاً داخل الاسطوانة قابلته أغنيات زياد التي رسّخت جوّاً آخر هو جوّ زياد وفيروز معاً بل جوّ الألحان القادرة فعلاً على الجمع بين الأصالة الشرقية والتجديد، بين التجريب والانتماء الشعبي، بين البساطة والبحث الموسيقي. وفي ألحانه انتقل محسن ببراعة وجمالية بين ايقاعات شتى المصمودي والوحدة والسماعي الثقيل... ومقامات شتى الراست، العجم والحجاز كار... ليؤسس حالة طربية خفيفة وجميلة لا تعرف المبالغة ولا الافتعال وتفسح المجال للصوت كي يعبّر ويعشق ويناجي ويشجو ويتلوّن بالعُرب والعطفات البهية. وكم تبرع فيروز في هذا اللون الطربيّ الذي يغنّي الحبيب ويتغزل به ويتحرّق اليه وينعم بدفئه. ولعلّ صوت الشاعر الذي يناجي حبيبته يتحوّل عبر حنجرة فيروز الى صوت الحبيب، رجلاً كان أم امرأة. فالصوت الفيروزي هو صوت الحبّ في حالته الصافية وبعيداً عن حدود النوع البشريّ.
زياد: الطرافة الجميلة
لم يكن زياد الرحباني غريباً في أغنياته عن الجوّ الشرقيّ والغربي الذي تميّزت به أغنيات محمد محسن بل هو استهلّ الاسطوانة بأغنية شرقية تماماً هي "سلّملي عليه" تنطلق من معطيات "التخت" الشرقي ولكن لا لتقف عنده بل لتتخطّاه الى معطيات موسيقية أخرى. ف"التخت" يكتسب عبر موسيقى زياد وعبر توزيعه خصوصاً أبعاداً جمالية وإيقاعية حديثة وغير مألوفة ولو لم تخلُ من البساطة والألفة الشعبية. هنا تتآزر الآلات الوترية الكمنجات مثلاً وكذلك البزق والإيقاعية وسواها لتخلق جوّاً طربياً انطلاقاً من مقام "البيات". وان اعتمد زياد لعبة "الكوبليه" المقطع و"المذهب" اللازمة فهو لا يقع في رتابة هذه اللعبة إذ يحوّلها الى ما يشبه "الحوارية" الداخليّة أو الخفيّة التي يحققها صوت فيروز بحذاقة وبساطة، فالصوت كأنّما هو يحاور نفسه عبر "المذهب" و"الكوبليه" محاوراً في الحين عينه مَن يستمع اليه. والأغنية تفترض شخصاً تخاطبه فيروز طالبة منه أن يسلّم على شخص آخر غائب ليس هو إلا الحبيب نفسه. أمّا "المخاطب" فهو مجرد شخص وسيط وقد يكون متوهّماً بدوره. أمّا الأغنيات الأخرى فلن تختلف في طرافتها وجمالها الموسيقي وأصالتها وحداثتها أيضاً عن هذه الأغنية. فزياد يعتمد مثلاً في أغنية "مش كاين هيك تكون" جملة ميلودية واحدة ينطلق اللحن منها وينوّع عليها تنويعاً مدهشاً ترسّخه لعبة التوزيع التي تنجح دائماً في خلق نسيج موسيقي متين ومناخ هارمونيّ ساحر. وفي أغنية "اشتقتلك" يعتمد زياد أيضاً ما يشبه اللازمة أو "المذهب" الواحد لينطلق في توزيع موسيقي صعب وجميل جداً. فالإيقاع سريع هنا واللحن لا يأخذ طابع اللحن الجاهز مقدار ما ينطلق من الكلام نفسه، ولعلّ "النوطات" البسيطة المعتمدة تمنح الموسيقى والأغنية طابعاً مزيداً حتى ليبدوا كليهما جديدين تماماً. وفي الأغنيات الأربع التي كتبها ولحّنها وصاغها موسيقياً زياد الرحباني ينمّ صوت فيروز حيناً عن حالٍ طفولية مشبعة بالفرح والبراءة وحيناً عن حال عشقية فيها الكثير من الغوى والعتب وسواهما. وصوتها يختلف في أغنيات زياد عنه في القصائد على الرغم من كونه هو نفسه هنا وهناك، مشرقاً وساحراً ونضراً نضارته الربيعية. لكنّه إداء فيروز المتعدّد والفنّي والقادر على التعبير عن الحالات المختلفة وعلى منح الألحان والكلمات معاني "إضافية" ما كانت لتزخر بها عبر هذا الصوت.
وكعادته يكتب زياد كلمات للأغاني وليس قصائد حتى وان حملت كلماته أوزاناً وقوافٍي. وبدت كلماته تلك مناقضة ككلمات للقصائد التي لحّنها محسن وهي لشعراء عرب قدامى منهم قيس بن الملوّح يعبّرون فيها عن الحب في معانيه السامية والمثالية. أما كلمات زياد فواقعية جداً وخالية من أيّ نزعة شعرية أو همّ لغويّ. كلمات ينجح الرحباني في تركيبها لتوافق أفكاره عن الحب أو موقفه منه. فالحبيبة هنا تخاطب الحبيب مجاهرة: تعاتبه حيناً وتلومه وتؤنّبه في أحيان. ولكنّها تتحسّر معه على الماضي أو تتأفّف من الحاضر وتعرب له مباشرة أن "خلقها ضاق". ولعلّ بعض المحافظين من عشاق فيروز وعاصي ومنصور سوف يُفاجأون مثلما فوجئوا سابقاً في أغنيات زياد الجريئة ببعض المفردات التي لا يعتبرونها "فيروزية" أو "رحبانية" أو شعرية في معنى ما ومنها: الكميون، الصالون، اليانسون وسواها.
إلا أنّ زياد يعرف تماماً كيف يوظّفها ليعبّر عن "واقع" العلاقة بين الرجل والمرأة مبتعداً بهما عن منابت الحبّ المثالي أو الصوفيّ، فالمرأة هنا تخاطب الرجل كما تخاطبه في الحياة وليس شعريّا، واقعياً وليس خيالياً. لكنّ كلمات أغنية مثل "اشتقتلك" تكتسب شعريتها الخاصة أو "اللاشعرية" من تعبيرها عن الشوق الذي تكابده المرأة ومن اصرارها على التعبير عن هذا الشوق الحارق.
أما المفاجأة التي يخبّئها زياد الرحباني لجمهوره فهي المقطوعة الموسيقية "وقمح..." التي ضمّتها الاسطوانة وقد أدرجها في الختام. والمقطوعة هي انجاز موسيقي قائم بذاته وتحتاج ربما الى مقالة خاصة من شدّة غناها وجمالها وروعة توزيعها اضافة الى دخول صوت فيروز "الصامت" فيها دخولاً موسيقياً صرفاً. فإذا الصوت هنا أشبه بالآلة الموسيقية التي تعزف فيروز عليها برهافة كبيرة وإحساس عميق. وتخضع المقطوعة لما يمكن تسميته ب"الحركة" الدرامية المتصاعدة وهي تنطلق من محاورة بين الدفوف والقانون لتنضمّ اليها تباعاً وفي ايقاع متنام آلات أخرى كالناي والكمان والعود وسواها. وتبرز آلة ك"التشيللو" مثلاً تقوم مقام الربابة أو تلعب دورها. وتوحي ايقاعات الدفوف ببعض الأجواء الصوفية الموسيقية لا سيما الموسيقى المولوية التي تتجلّى في المحاورة بينها وبين الناس، وتنمّ المقطوعة بدورها عن براعة زياد وشاعريته شاء أم أبى في فنّ التوزيع: أنغام متآلفة وصوت يدخل اليها دخولاً موسيقياً وبُعدٌ هارموني وآلات تؤدّي منفردةً جملة ميلودية في حال من التناغم الساحر. واللافت في هذه المقطوعة أن الاستماع اليها مرّة تلو مرّة يتيح أمام المستمع اكتشافها أكثر فأكثر واكتشاف أسرارها الموسيقية وهي ليست إلا أسرار الموسيقى التي أسسها زياد الرحباني ورسّخها مؤسساً عبرها ومرسخاً مدرسة جديدة.
لم تخطىء فيروز في الجمع بين "قصائد" محمد محسن وأغنيات زياد الرحباني على الرغم من الاختلاف بين كلاسيكية الأوّل و"ثورية" الثاني. فالجوّ شرقيّ بامتياز ومتدرّج من الطرب الأصيل والخفيف الى الطرب الشعبي فإلى "البلدي" و"الحديث" ولعلّ صوتها السحريّ القادر أصلاً على الجمع بين المتناقضات قادر أيضاً على التوفيق بين مناخين موسيقيين: مناخ كلاسيكي وآخر حديث ومعاصر. هو صوتها دوماً القادر على الغاء المسافات مهما ابتعدت وعلى وقف الزمن مهما تقدّم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.