مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    صينيون يطوّرون نموذج ذكاء اصطناعي لأغراض عسكرية    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    "الأرصاد": أمطار على منطقة المدينة المنورة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    ضمك يتعادل إيجابياً مع الرياض في دوري روشن للمحترفين    الخليج يتغلب على الرائد برباعية في دوري روشن للمحترفين    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    تن هاج يشكر جماهير مانشستر يونايتد بعد إقالته    الهلال يكتب رقم جديد في تاريخ كرة القدم السعودية    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    سعدون حمود للقدساويين: لا تنسوا أهدافي    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    ضبط إثيوبي في جازان لترويجه (3,742) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    الدفاع المدني: استمرار الأمطار الرعدية على مناطق المملكة حتى الاثنين القادم    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل سفارة جمهورية كوريا بمناسبة اليوم الوطني لبلادها    المملكة تحقق المرتبة 12 عالميًا في إنفاق السياح الدوليين للعام 2023    مجلس السلامة والصحة المهنية يؤكد عدم صحة ما تم تداوله حول ظروف العمل بالمملكة    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    مدير متوسطة حي الروضة بجازان يكرم الطلاب المشاركين في معرض إبداع جازان 2025    عن نشر الكتاب: شؤون وشجون    نقص الصوديوم في الدم يزداد مع ارتفاع الحرارة    الدبلة وخاتم بروميثيوس    صيغة تواصل    الدفاع المدني يحذر من المجازفة بعبور الأودية أثناء هطول الأمطار    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    الأنساق التاريخية والثقافية    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    رحلة في عقل الناخب الأميركي    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    عن فخ نجومية المثقف    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منسق شبكات التفجير في فرنسا نال عشر سنوات سجناً ... بعد وفاته . "لغز طارق": إتهامات وغموض وشهود في "العالم الآخر"
نشر في الحياة يوم 08 - 03 - 1998

حكمت محكمة الجنح في باريس في 18 شباط فبراير الماضي بالسجن عشر سنوات على الجزائري علي توشنت، المعروف باسم "طارق"، لدوره في سلسلة التفجيرات التي شهدتها الاراضي الفرنسية في صيف العام 1995. واذ احاط الغموض أصلاً بقضية "طارق"، فإن السلطات الجزائرية زادتها غموضاً على غموض باعلانها، قبل صدور الحكم عليه بأيام، انها قتلته في 23 آيار مايو العام الماضي لكنها لم تتعرف على هويته سوى الشهر الماضي.
التقت "الحياة" أخيراً في دولة أوروبية شاباً جزائرياً يعرف "طارق" منذ وقت طويل، وكان من الذين حاول الأخير تجنيدهم في فرنسا في شبكات دعم "الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر. في التقرير الآتي تلقي "الحياة"، إستناداً الى أقوال هذا الشاب الجزائري الذي طلب عدم نشر إسمه لاسباب أمنية، بعض الضوء على "طارق"، الجزائري الذي دوّخ أجهزة الامن الفرنسية منذ العام 1993 و"تبخّر" منذ تفجيرات 1995، الى ان ظهر أخيراً في الجزائر... "ميّتاً".
فمن هو "طارق"؟
قصة "طارق"
ترك "طارق" الجزائر الى فرنسا، للمرة الاولى، بعد إضطرابات تشرين الاول اكتوبر 1988. تسجّل لدراسة الهندسة الداخلية في باريس، لأنه - كما قال محدثنا - "لم يكن لديه شيء آخر يفعله". لكن لم تكد تمر سنة على هذه إلاضطرابات حتى بدأت الجزائر تعيش عهد التعددية الحزبية. إذ تأسست الجبهة الاسلامية للانقاذ عام 1989 مستقطبة شريحة واسعة من مؤيدي التيار الاسلامي. وبعد ذلك بسنة، اي في 1990، عاد "طارق" الى بلده وانخرط بشكل واسع في النشاط الديني. إذ كان يتردد بانتظام على حلقات العلم الشرعي في مسجد دار الارقم القريب من منزله في "حي الشرطة" مثلما يطلق عليه عامة الجزائريين. ويُعرف الحي ايضاً باسم حي الرستمية لدى المُعرّبين، او شوفالييه كما يُعرف بين المفرنسين. في ذلك المسجد كان "طارق" يحضر خصوصاً دروس الشيخين أحمد سحنون ومحمد السعيد. وإذا كان ذلك جعلَ "طارق" محسوباً على أقطاب تيار "الجزأرة" الناشطين إنطلاقاً من دار الارقم، فإنه لم يمنعه من المشاركة بنشاط في تجمعات جبهة الانقاذ، الأمر الذي جعله معروفاً على نطاق واسع بين الاسلاميين الذين كانوا يطلقون عليه اسم "سيد علي"، نسبة الى اسمه علي، على ما يبدو.
لكن "طارق" لم يبقَ في الجزائر طويلاً. إذ انتقل مجدداً الى فرنسا بعد أحداث حزيران يونيو 1991 التي شهدت قمعاً دامياً لأنصار "الانقاذ" المعتصمين في بعض ساحات العاصمة، وانتهت باعتقال قادة هذه الجبهة. في باريس أخذ "طارق" اسماً جديداً هو "مُراد عبادي"، وسكن عند شقيقة له تعيش في العاصمة الفرنسية قبل ان يلتحق به شقيقه دحمان.
حياة "طارق" في فرنسا لم تكن مختلفة كثيراً عن حياته في الجزائر. كان من الناشطين الاسلاميين الكثيرين الذين يعملون في فرنسا لمصلحة "الانقاذ". وفي إطار نشاطه الاسلامي كان "طارق" يلقي دروساً في المساجد، مثل مسجد ميرا إمامه الشيخ عبدالباقي صحراوي، والدعوة، وايفري.
العمل المسلح
كان "طارق" من اوائل الذين ايدوا "العمل المسلح" بعد اعلان السلطات الجزائرية وقف الانتخابات وحلّ "الانقاذ" في بداية 1992. وهو باشر فوراً العمل على تنظيم شبكات دعم ل "المجاهدين" في الجزائر، وهو تعبير مطاط كان يشمل في بادئ الامر كل من حمل السلاح ضد الحكم الجزائري.
ويروي الشاب الجزائري ل "الحياة" ان "طارق" كان يقول له ولاسلاميين جزائريين عديدين في تلك الفترة انه يعرف موظفاً في السفارة الجزائرية في باريس اسمه "الخطيب" وأن الاخير "يكره النظام لكنه لا يريد اعلان موقفه علناً لأن ذلك سيسبب قطع مورد رزقه". ويضيف ان تلك العلاقة سببت قطيعة بين "طارق" وبين اسلاميين من منطقته يعيشون في فرنسا، وان "طارق" لم يكتفِ بالاصرار على مواصلة علاقته مع ذلك الشخص بل طوّرها لاحقاً الى مسؤول ارفع مستوى منه يدعى محمود سوامس يُعرف باسم "حبيب".
ويتابع المصدر نفسه ان "طارق" بات يفتخر علناً في تشرين الاول اكتوبر 1992، بعلاقته ب "مسؤول رفيع" في الاستخبارات الجزائرية "يكتم ايمانه" ومستعد لأن يمد "المجاهدين" بمعلومات تساعدهم. وفي هذا الاطار - يقول المصدر- أُعطي "طارق" ملفاً باسماء شخصيات جزائرية ذات اتجاه علماني تتردد على فرنسا. وضم هذا الملف المزعوم، إضافة الى اسماء العلمانيين الجزائريين وارقام هواتفهم، عناوين اصدقاء يترددون عليهم. ومن بين الذين وردت معلومات عنهم في هذا الملف المزعوم سعيد سعدي وخليدة مسعودي وبوجدرة ورشيد ميموني، إضافة الى بعض الضباط الذين يترددون على فرنسا.
ويضيف المصدر ان "طارق" إتصل ببعض الناشطين الاسلاميين في فرنسا عارضاً عليهم لقاء هذا المسؤول الامني الجزائري لمناقشة سُبل التعاون معهم. ويقول - المصدر - انه هو نفسه كان من بين الاشخاص الذين إتصل بهم "طارق" لهذه الغاية وان رده كان انه يعارض "العمل المسلح" أصلاً ولا يرغب في لقاء هذا المسؤول. ويضيف انه ابلغ هذه المعلومات الى اصدقاء له من تيار "الجزأرة" ينشطون في العمل المسلح في الجزائر، وكذلك الى الشيخ عبدالباقي صحراوي في باريس إذ ان "طارق" كان من القريبين منه آنذاك.
ويتابع ان "طارق" كان يتنقل في تلك الفترة أواخر 1992 وبداية 1993 بين دول اوروبية عدة مما اثار تساؤلات بين رفاقه عن كيفية تنقله بهذه السهولة ومن اين يأتي بالاموال لذلك خصوصاً انه كان عاطلاً عن العمل. ويضيف انه تبين للشرطة الفرنسية، لاحقاً، ان "طارق" كان يتنقل بجوازات سفر جزائرية عدة. إذ عثرت لدى دهمها شقة في دار اقامة فواييه "ليلي دروز" في باريس عام 1993 على صوره على جوازات سفر باسماء مختلفة. ولم يُعتقل "طارق" في خلال تلك المداهمة إذ كان قد وجد طريقه الى بلجيكا وقطن حي مولينبك في بروكسيل. وسرعان ما دهمت الشرطة البلجيكية الحي الذي كان يسكن فيه "طارق" واعتقلت العديد من المشتبه بنشاطهم الاسلامي ممن كانوا على صلة به. ونجح "طارق" هذه المرة ايضاً في تفادي الشرطة، وانتقل الى هولندا، لكن لم تمر سوى فترة قصيرة على وجوده هناك حتى اقتفت الشرطة الهولندية أثره وحاولت اعتقاله. وفي هذه المرة ايضاً افلت "طارق" من شباك الشرطة واعتُقل أحد الذين كانوا على اتصال به.
وتابع "طارق" حياته السرية متنقلاً من دولة أوروبية الى أخرى، ساعياً الى شبكات دعم ل "العمل المسلح" في اوساط الشباب، لا سيما الفرنسيين الذين اشهروا اسلامهم او الفرنسيين من اصل جزائري من الجيل الثاني.
ويقول المصدر نفسه ان "طارق" اتصل به مجدداً محاولاً اقناعه بالانضمام الى الشبكات الاسلامية. ويضيف انه سأل "طارق"، خلال لقاء بينهما في ليون في خريف عام 1994، هل لا يزال على علاقة بضابط الامن الجزائري فرد عليه: "هذا لا يعنيك. هذه المرة الاخيرة التي احذرك فيها. اذا اردت ان تعمل معنا حسناً وإلا فأنت انسان متخاذل".
ويوضح ان "طارق" كان يعمل في تلك الفترة على تجنيد الشباب للعمل لمصلحة "الجماعة الاسلامية المسلحة" تحديداً، وليس "الجماعات المسلحة" كانت الوحدة بين الجماعات المسلحة تحت راية "الجماعة الاسلامية المسلحة" قد تمت في آيار مايو 1994. ويشير الى ان "التجنيد" كان يعني جمع الاموال في المساجد ومن التجار العرب في فرنسا والدعاية للعمل المسلح.
ويتابع ان فشل خطف الطائرة الفرنسية من مطار الجزائر في كانون الاول ديسمبر 1994 ومقتل خاطفيها الاربعة على يد فرقة كوماندوس فرنسية في مارسيليا، ترك "صدمة وحزناً في اوساط الشباب الاسلامي الغاضب مما يراه دعماً فرنسياً للحكم الجزائري". ويلمح الى ان بعض الذين جُندوا في فرنسا كانوا من الذين تأثروا بحادثة الطائرة. ويوضح ان "طارق" كان يقول انه يعمل ب "تفويض" من "أمير الجماعة الاسلامية المسلحة" ابو عبدالرحمن أمين جمال زيتوني.
ويذكر المصدر نفسه انه منذ ذلك الوقت بدأت تُسمع في اوساط الاسلاميين تهديدات للفرنسيين، وان الشيخ عبدالباقي صحراوي كان من اول المنددين بها في الحلقات التي كانت تُعقد في "مسجد ميرا". وينقل عن صحراوي قوله "انه يجب ترك فرنسا بعيدة عن مشاكل الجزائر" وانه كان يحذر الشباب من "الاستفزارات والاختراقات"، معتبراً ان الجالية الاسلامية في فرنسا كبيرة وأن أي اعتداء على المصالح الفرنسية سيجعل كل الجالية مستهدفة.
ويضيف المصدر أن "طارق" كان أكمل تجنيد شبكاته قبل منتصف 1995 عندما ظهرت بيانات ل "الجماعة" تهدد فرنسا وتهدر دم بعض ناشطي جبهة الانقاذ صحراوي كان ضمن لائحة من تسعة اشخاص اعلنت "الجماعة" هدر دمهم. ويشير الى ان شبكات "طارق" كانت تمتد من شاس سور رون الى ليل وليون وانها ضمت العديد من الاشخاص مثل علي بن فطوم وادريسي وخالد قلقال وغيرهم من الذين حوكموا في باريس في كانون الاول ديسمبر الماضي وصدرت عليهم احكام بالسجن قبل أيام.
ويتابع انه التقى "طارق" مجدداً في ايفري في اوائل 1995، وان الاخير طلب منه الانتقال الى هولندا لإحضار شاب جزائري لا يملك تأشيرة دخول الى فرنسا. وينقل عن "طارق" انه كان يصف في ذلك الوقت "الانقاذ" بالكفر والشيخ صحراوي بأنه "عميل للفرنسيين" و"يتقاعس عن الجهاد". ويلاحظ ان "طارق" تغيّر في شكل لافت، إذ كان في السابق من القريبين من صحراوي ويؤيد "الانقاذ" ومشاركتها في الانتخابات، وهو أمر بات يرفضه. وينقل عن "طارق" ايضاً ان مسؤولاً جزائرياً "يؤيد الجهاد" قال له ان فرنسا "لا تفهم سوى لغة القوة، لغة الحديد والنار لكي تغيّر موقفها من الجزائر".
ويذكر ان "طارق" لم يحدثه في ذلك الاجتماع عن نيته القيام بتفجيرات في فرنسا، لكن اغتيال الشيخ صحرواي وتفجيرات صيف 1995 حصلت بعد وقت قصير من لقائهما في ايفري.
ويلاحظ ان دور "طارق" في التفجيرات لم يكتشف إلا بعد اعتقال بوعلام بن سعيد الذي تعتقله فرنسا تمهيداً لمحاكمته بتهمة التورط في عمليات التفجير.
وينفي المصدر معرفته بخالد قلقال، العضو في إحدى شبكات "طارق"، الذي قتلته الشرطة خلال مطاردته في ليون عام 1995. لكنه كان يسمع ان خالد قلقال - قبل حصول التفجيرات - كان "متعطشاً للعمل الجهادي". ويشير الى ان عضو "شبكة مساندة الجماعة المسلحة" صافي بورضا حُكم بعشر سنوات امام محكمة الجنح بباريس هذا الشهر هو من قدّم "طارق" الى "خالد".
"طارق" في الجزائر
واستمر "طارق" مختفياً منذ تفجيرات 1995، ولم تنجح جهود الشرطة الفرنسية في اقتفاء اثره منذ ذلك الوقت. لكن الشاب الجزائري نفسه يزعم ان "طارق" انتقل الى الجزائر منذ عام 1996، وان وجوده هناك لم يكن سرياً إذ كان يزور زوجته ووالده باستمرار في حي الرستمية ويتردد على مسجد النور في باب الواد ومسجد الارقم.
ويتابع ان "طارق" حاول في تلك الفترة الاتصال ب "الجبهة الاسلامية للجهاد المسلح" "الفدا"، وهي جماعة مسلحة تُوصف بانها الجناح المسلح لتيار "الجزأرة" وتُتهم بعمليات اغتيال عديدة في العاصمة. ويضيف ان "الفدا" لم تقبل انضمامه اليها بسبب شكوكها فيه على ما يبدو.
وعن مقتل "طارق"، يقول ان اهل الحي الذي يسكن فيه "طارق" تبلغوا بمقتل "طارق" في الخامس من حزيران يونيو عندما جاء رجال بزي مدني الى منزل أهله وطلبوا منهم التعرف الى جثة ابنهم في مستشفى عين النعجة العسكري. ويقول ان حادثة القتل وقعت امام فندق الجزائر سان جورج سابقاً في العاصمة في 27 آيار مايو 1997 عندما اطلق مسلحون النار عليه وعلى رفيق له وليس في 23 آيار مثلما ورد في بيان لاجهزة الامن الجزائرية.
فوارق بين الروايات
اذا كانت هذه هي رواية الشاب الجزائري لقصة "طارق"، فإن ملاحظات عديدة لا بد من إيرادها لأن من شأنها ان تُضعف الرواية أو تؤكد صدقيتها.
الملاحظة الاولى ان معظم "ابطال" القصة باتوا في عداد العالم الآخر. ف "طارق" نفسه توفي، وهو أمر تأكد للشرطة الفرنسية بمقارنة البصمات التي قدمتها الشرطة الجزائرية ل "طارق" بالبصمات التي في حوزتها. أما "الضابط سوامس" فهو أيضاً توفي في الجزائر بمرض عضال السرطان كان يعاني منه. وكانت صحيفة "ذي اوبزرفر" البريطانية نقلت في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر 1997 عن ضابط سابق في الاستخبارات الجزائرية لجأ الى فرنسا ان سوامس "أشرف" على تفجيرات في فرنسا عام 1995. ونفت السلطات الجزائرية بشدة هذا الاتهام، كذلك استبعدت فرنسا صحته. واذا كانت هذه حال الشاهدين الاول والثاني "طارق" و"سوامس"، فإن الشاهد الثالث ليس بأحسن حال. فالشيخ عبدالباقي صحراوي إغتيل في مسجده في باريس قبل قليل من بدء حملة التفجيرات في تموز يوليو 1995. وتقول نشرات وُزّعت في لندن باسم "الجماعة المسلحة" ان هذه الجماعة مسؤولة عن قتل صحراوي والتفجيرات، لكن ذلك لا يمكن ان يُعتبر دليل إتهام قطعياً يأخذ به القانونيون.
الملاحظة الثانية تتعلق بالظهور المزعوم ل "طارق" في الجزائر. وهو ظهور على جانب كبير من الأهمية. لكن فرص تأكيده لم تكن أفضل من فرص تأكيد ما حصل ل "ابطال القصة المتوفين". إذ لم تستطع "الحياة" ان تؤكد خبر ظهور "طارق" في العاصمة الجزائرية من مصدر مستقل.
الملاحظة الثالثة تتعلق بسبب كشف وجود "طارق" في الجزائر بعد اعلان وفاته وليس قبل ذلك. ولا بد من الاقرار هنا بأن اسلاميين جزائريين يؤكدون انهم كانوا يعرفون ان "طارق" في الجزائر وانهم ابلغوا صحافية أجنبية بذلك قبل نحو شهرين ونصف. وأتصلت "الحياة" بهذه الصحافية فأكدت انها أُبلغت قبل فترة بمعلومات عن وجود "طارق" في الجزائر لكن تلك المعلومات كانت تشير الى انه "حي وليس ميتاً".
أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بسعي "طارق" المزعوم الى الاتصال بتيار "الجزأرة" بعد عودته الى الجزائر. ويتناقض كلام الشاب الجزائري ل "الحياة" عن رفض "جماعة الفدا" انضمامه اليها من كلام المصادر الجزائرية الرسمية. إذ ان أجهزة الامن الجزائرية ذكرت، في بيانها الذي تُعلن فيه قتل "طارق" الشهر الماضي، انها قتلته بتاريخ 23 ايار مايو 1997 في فندق بشارع طنجة في العاصمة برفقة أحد اعضاء "الفدا"، وهو شخص قالت اجهزة الامن ان اسمه عزيزة بلال. ولم تكتف المصادر الامنية الجزائرية بهذه الاشارة الى ارتباط "طارق" ب "الفدا"، بل ذهبت الى حد تأكيد ان فراره من فرنسا تم ب "تسهيل" من هذه المجموعة المسلحة بعدما تم تزوير اوراق هوية ل "طارق" باسم "عبدالوهاب".
القضاء الفرنسي
وفي باريس، أكد مصدر قضائي فرنسي مطلع على التحقيق في الاعتداءات الارهابية التي شهدتها فرنسا صيف سنة 1995، ان الشرطة الفرنسية عثرت عام 1993 على جوازات سفر مزورة عليها صورة طارق ولكن باسماء مختلفة. وأضاف المصدر ان توشنت بقي في فرنسا حتى 30 تشرين الأول اكتوبر 1995 عشية الاعتقالات التي شهدتها مدينة ليل، وشملت اعضاء "مجموعة علي بن فطوم" التي تتهمها الشرطة بأنها كانت تعد لعملية ارهابية في سوق شعبية في المدينة.
وتابع ان توشنت تنقل بالفعل بين فرنسا وبلجيكا وهولندا، وانه كان مرتبطاً مباشرة بجمال زيتوني المرتبط بدوره، بحسب المصادر الفرنسية، برشيد رمدا أبو فارس" المعتقل حالياً في بريطانيا. وكانت الشرطة البريطانية اعتقلت رمدا في تشرين الثاني نوفمبر 1995، بناء على طلب فرنسي، ثم اعتقلت في آذار مارس 1996 فرنسياً من أصل جزائري يدعى مصطفى بوطرفة، بناء على طلب فرنسا ايضاً. ويعتقد القضاء الفرنسي ان للرجلين علاقة بتفجيرات 1995. وتم ترحيل بطرفة الى باريس حيث تم وضعه رسمياً تحت التحقيق في التفجيرات توجيه الاتهام في فرنسا لا يتم إلا في المحكمة. ويستأنف رمدا حالياً قراراً بترحيله الى فرنسا.
وتابع المصدر القضائي الفرنسي ان توشنت كان مرتبطاً برمدا من جهة، وبرضوان أبو بصير المسؤول في "الجماعة المسلحة" من جهة اخرى. وأضاف انه عثر على بصمات توشنت في مختلف المخابئ التي داهمتها أجهزة الأمن الفرنسية، خلال حملة التفجيرات مما يؤكد تورطه مباشرة بها. وقال ان لا دليل يؤكد عمل "طارق" لأجهزة الامن الجزائرية وان المعلومات التي يملكها القضاء الفرنسي تؤكد ان شبكة التفجيرات "تعمل لمصلحة الجماعة المسلحة".
أكدّت مصادر مطلعة جزائرية وفرنسية في باريس أن ما رواه صديق علي توشنت عن علاقة توشنت بموظفين في السفارة الجزائرية في باريس من الاخبار التي لا أساس لها.
وذكرت أن "حبيب" كان يعمل في السفارة الجزائرية في باريس وتوفي بمرض سرطان الرئة. وقالت مصادر فرنسية أنه لو كان ذلك حقيقياً فعلاً لكانت الاستخبارات الفرنسية علمت بذلك، اذ انها مطلعة على تحركات الديبلوماسيين الاجانب في باريس. ووصفت هذه الاقوال بأنها عارية عن الصحة وأن توشنت لم يكن على علاقة مع أيّ كان في السفارة الجزائرية في فرنسا وأنه كان ملاحقاً من الشرطة الفرنسية التي كانت لديها بصماته التي عثرت عليها في كل المخابىء التي دهمتها ووجدت فيها وثائق عن تورط الجماعة الاسلامية المسلحة في عمليات الإرهاب في باريس.
وأكدّ مسؤول فرنسي رفيع المستوى ل "الحياة" ان لدى وزارة الداخلية الفرنسية ادّلة واضحة على تورط توشنت والجماعة الاسلامية المسلحة في العمليات الارهابية في فرنسا في 1995.
وفي اي حال، ومهما كانت حقيقة "طارق"، فان ما لا شك فيه ان "طارق" حياً لم يُزده موته إلا غموضاً لا ينهيه إغلاق ملفه قانونياً بالحكم الذي صدر قبل أيام عن محكمة باريس بسجنه غيابياً عشر سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.