} تناولت الحلقة الرابعة الأسباب التي أدت الى انقسام الجماعات المسلحة في الجزائر واعلان حرب اغتيالات وتصفيات انتهت الى سقوط عشرات الرموز الاسلامية في مناطق سيطرتها. وتتناول حلقة اليوم الشبكات المسلحة للجماعات الاسلامية الجزائرية في بعض الدول العربية والأوروبية، اضافة الى وصف لعملية خطف الطائرة من مطار بومدين الى مرسيليا. يشير تقرير صادر عن وزارة الدفاع الفرنسية الى أن أجهزة الاستخبارات الغربية رصدت عامي 1995 و1996 نشاط عدد من "الأفغان الجزائريين" في عدد من الدول العربية والاوروبية. وكان الأمير الأول ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" عبدالحق لعيادة بادر عام 1993 إلى تعيين رشيد رامدة الملقب ب"أبو فارس" منسقاً للاتصالات مع ناشطي "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الخارج قبل أن يتجه إلى المغرب ليتولى تنسيق العمليات مع الشبكات الأوروبية من وجدة وينتقل إلى فرنسا ومن ثم الى بريطانيا. ويقول عدد من عناصر "الجماعة الاسلامية المسلحة" الذين تخلوا عن حمل السلاح قبل عامين ان "أبو فارس" لعب دوراً في إصدار نشرة "الأنصار" السرية الصادرة في لندن والقريبة من "الجماعة". ويعتقد كثير من المراقبين أن حرية النشاط التي وفرتها الحكومات الأوروبية لعناصر الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية مكنتها خلال السنوات الماضية من التعامل مع الشبكات الدولية المتخصصة في التجارة وتهريب السلاح، مما مكنها من الحصول على رشاشات "عوزي" الإسرائيلية التي تفيد تقارير أمنية أنها كانت متوافرة في شكل كبير في أسواق التهريب الدولية. كما تمكن ناشطو "الإنقاذ" وخصوصاً "الأفغان" من الحصول على كميات كبيرة من المتفجرات والمفخخات مثل مادة السيمتكس الشديدة الانفجار من جمهوريتي تشيخيا وسلوفاكيا. وحاولت السلطات الجزائرية منذ الساعات الأولى لفرار عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة والأوساط القريبة من "الإنقاذ" الى أوروبا عام 1992 ممارسة ضغوط كبيرة على هذه الدول بهدف مساعدتها في اعتقالهم وبالتالي قطع كل إمداد مالي أو لوجيستي يرد من الخارج. ومع رفض الدول الأوروبية المتكرر تسليم عناصر الجماعات المسلحة، بسبب الأحكام الثقيلة التي صدرت في حقهم عن المحاكم الخاصة الجزائرية التي نصبت خصيصاً لمعالجة قضايا الإرهاب، بدأت الديبلوماسية الجزائرية تدرج ضمن اهتماماتها الخارجية قضية محورية هي "القضاء على شبكات إمداد الإرهابيين وتزويدهم السلاح"، التي يعتقد أنها تنشط في أكثر من عاصمة أوروبية. ووفرت غالبية الدول الأوروبية "حرية نسبية" لناشطي الجماعات المسلحة الجزائرية في وقت تكاثرت التهم الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان في شأن انتهاك الحكومة الجزائرية حقوق الإنسان في إدارتها حرب المواجهة ضد الجماعات، وحتى ضلوعها في بعض عمليات القتل، كما تزعم أوساط سياسية وإعلامية فرنسية. وانقسمت هذه الشبكات إلى قسمين: الأول يكتسي طابعاً سياسياً لشرح قضية "الإنقاذ" مثلما كان حال رئيس الهيئة التنفيذية ل"الإنقاذ" في الخارج رابح كبير الذي تمكن من الاستقرار في ألمانيا على رغم الضغوط التي مارستها الحكومة الجزائرية. وهناك قسم آخر من الشبكات هدفه الأساس تزويد عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة التي تنشط في الجزائر الأسلحة والذخيرة وتمكين "الأفغان الجزائريين" من الالتحاق بالجبال لتعزيز صفوفها. وتتولى إدارة هذه الشبكة في الغالب مجموعة من الشباب الذين شاركوا في الحرب الأفغانية، او اعتقدوا بالمنهج التكفيري، حتى وإن كانوا لا يصرحون به. وظهر معظم هؤلاء في فرنساوبريطانيا. وتوزعت الشبكات الأولى ل"الجماعة الإسلامية المسلحة" في أوروبا وبعض بلدان المغرب العربي. كانت غالبية أفراد الشبكات في الخارج تحت سيطرة تيار "الجزأرة" وأهّلتهم وضعيّتهم الاجتماعية ومستواهم الثقافي لتولي قيادة مكاتب هذه الشبكات في الخارج. ومنهم بدأ كل من جمال لونيسي نشاطه في نابولي وأحمد الزاوي في بلجيكا ...الخ. كانت مهمة الشبكات الخلفية التي تشكلت منذ مطلع عام 1992 القيام بعمليات تزويد الجبال السلاح والذخيرة والمتفجرات والأدوية وتزوير الوثائق وتنظيم الهجرة السرية بين الدول الأوروبية خصوصاً في البلقان والمغرب. ووضعت هذه الشبكات بداية تحت تصرف "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة ثم تحولت لمصلحة "الحركة الإسلامية المسلحة" في وقت لاحق ثم "الجيش الإسلامي للإنقاذ" وأحياناً "الجماعة الإسلامية المسلحة". المغرب كان الهدف الأساس لشبكة جمال لونيسي تأسيس "ولاية المغرب" كخط أخير لنقل المعدّات والمساعدات إلى عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة في الجبال. ونظراً إلى أهمية هذا البلد والحدود الواسعة التي يصعب على مصالح الأمن في البلدين مراقبتها تم التركيز أكثر على منطقة وجدة الحدودية. وتمكن لونيسي من تجنيد عدد من قدامى المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي وكانوا مناضلين في السابق في "حركة الشبيبة الإسلامية المغربية" مثل عبدالإله زياد الملقب ب"رشيد" ومحمد زين الدين الملقب ب"سعيد". وكانت مهمتهم خلال 1993 و1994، بحسب ما تذكر بعض المصادر الغربية، تجنيد الإسلاميين الفرنسيين من أصول جزائرية أو مغربية. وفُككت هذه الشبكة من جانب الأمن المغربي بعد قيامها عام 1994 بالهجوم على فندق "أطلس أسني" في مراكش، وهي العملية التي أدت إلى مقتل سائحين إسبانيين لتتبعها عمليات متلاحقة في الأشهر التالية أدت الى تفكيك شبكة جمال لونيسي. لكن ذلك لم يحل دون مواصلة عمليات تزويد عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة الأسلحة، إذ ألقت قوات الدرك الملكي في تشرين الأول أكتوبر 1995 في وجدة الحدودية القبض على شبكة تتكون من 16 شخصاً من بينهم 12 مغربياً وأربعة جزائريين كانوا يتولون نقل الأسلحة الى الجزائر من أوروبا عبر إسبانيا. ليبيا بدأت العمليات الأولى للتوغل الإسلامي لعناصر الجماعات المسلحة مع لجوء مئات من ناشطي "الإنقاذ" إلى ليبيا مباشرة بعد إلغاء الانتخابات التي فازت بها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة. وكان في ليبيا في تلك الفترة عشرات من قدامى المشاركين في الحرب الأفغانية الذين لم يترددوا في الانتقال إلى الجزائر منذ عام 1993 لدعم "الجماعة الاسلامية المسلحة". وفي عام 1995 ظهر بعض التنظيمات المسلحة الليبية مثل "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" و"جماعة أنصار الله" الذين تأثروا بأدبيات "الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر. وبرز ذلك بوضوح في إعلان أمير التنظيم أبو بكر الشريف في 18 تشرين الأول 1995 أن مقاتلي "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجزائرية "هم إخواننا وأفكارهم هي أيضاً أفكارنا". وبدءاً من عام 1996 واجه الزعيم الليبي معمر القذافي مخاطر تهديدات عناصر الجماعات المسلحة الجزائرية، وتمكنت الأجهزة الليبية من رصد تحركات بعضهم على التراب الليبي، وخصوصاً في منطقة غدامس الحدودية التي كانوا يتسللون عبرها الى الجزائر. ومنذ ربيع 1996 بدأت السلطات الليبية مواجهة حقيقية مع عناصر الجماعات المسلحة، الذين وصفتهم ب"الزنادقة"، حين استهدفوا أعوان الأمن واللجان الثورية في عمليات تمت في المناطق الحضرية وكمائن خارج المدن، وخلفت في ظرف قصير، بحسب ما تذكر تقارير غربية، عشرات القتلى، بينهم خمسة ضباط من قبيلة الزعيم الليبي. مكتب الخرطوم يقع المكتب في حي الرياض وكان يضم نحو 40 عنصراً مسلحاً جزائرياً وتولى إدارته بين 1993 و1994 حجاب مسعود الملقب ب"أبو الليث" وهو من قدامى "الأفغان" قبل أن ينهي جمال زيتوني مهمته في كانون الأول ديسمبر 1994 حين استبدل به رشيد رامدة "أبو فارس" الذي اعتقلته السلطات البريطانية لاحقاً لتورطه في التفجيرات التي هزت فرنسا عام 1995. وانتقل حجاب مسعود بعد ذلك إلى اليمن قبل أن يعود إلى الجزائر ويلتحق بمعقل "الجماعة الاسلامية المسلحة" بحسب شهادة عدد من "التائبين" من "الجماعة"، من بينهم بن يحيى عبدالفتاح الذي قال إن عناصر من "الجماعة" في منطقة بوقرة جنوب العاصمة قتلوا حجاب عندما حاول الفرار من التنظيم ليسلم نفسه الى قوات الأمن. وخلال عامي 1995 و1996 تولى إدارة المكتب شواكري عبدالقادر الملقب ب"أبو خالد" إلى حين عودته إلى الجزائر. وبعده تولى عبدالفتاح، وهو من مواليد منطقة وهران في الغرب الجزائري، شؤون المكتب إلى حين انتقاله إلى لندن متخفياً باسم جديد هو قاسم مفتاح، وتولى مسؤولية مكتب الخرطوم بعده المدعو أبو المعالي دركي سابق وهو من مواليد مدينة مستغانم في الغرب الجزائري. وتمت الاتصالات بين عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة التي تنشط في الجزائر وبين عناصر المكتب عبر مجموعة أخرى كانت تقصد سورية لاستيراد الملابس، وكان بعض هذه الموارد يحول الى عناصر التنظيم. ويعترف بن يونس فوزي الملقب ب"أبو الأسود" وعبدالفتاح، وهو من عناصر مجموعة مسلحة تمكنت قوات الأمن من تفكيكها، بوجود شبكة تهريب لناشطي "الأفغان الجزائريين" الموجودين في أفغانستان عبر كل من السودان وليبيا. وفي التفاصيل يذكر المتحدث أسماء ناشطي الجماعة الجزائرية في ليبيا، ويقيم بعضهم في منطقة تدعى الكورفة وفي بنغازي، مؤكداً أن عودته من أفغانستان إلى الجزائر عام 1995 تمت بوثائق مزورة أصدرت في ولاية البيض 600 كلم جنوب غرب باسم تواتي مصطفى. مكتب صنعاء يتكون من نحو 40 عنصراً غالبيتهم من ولاية الأغواط 600 كلم جنوباً بقيادة المدعو عبداللطيف من منطقة تيارت. ومن مهمات هذا المكتب ضمان عودة عناصر الجماعات المسلحة إلى الجزائر وجمع الأموال وتلقي المناشير التحريضية وتوزيعها وإنتاج أشرطة فيديو حول الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية. فرنسا تشير وثيقة صادرة عن المديرية المركزية للاستعلامات العامة الفرنسية في تشرين الثاني نوفمبر 1995 إلى "الاحترافية المتصاعدة للأصوليين الجزائريين الموجودين في فرنسا من خلال التخزين القصير الأجل للأسلحة وبروز مؤسسات وهمية ومهمات متخصصة لكل واحد وبروز أنشطة التغلغل من الخارج والتزود بالوثائق الإدارية وشبكات الوثائق المزورة". ويعكس ذلك بحسب مصادر غربية النمو السريع لشبكات "الجماعة الاسلامية المسلحة" في الخارج التي حاولت منذ 1992 بناء قواعدها على الأراضي الفرنسية في شكل مشابه إلى حد كبير ل"المنظمة الخاصة" للجناح العسكري ل"حزب الشعب الجزائري" تنظيم "حركة انتصار الحريات الديموقراطية" التي تأسست في 1950 لدعم المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي قبل أن تحل عام 1953. وكان الهدف من "ولاية فرنسا"، كما جرى تداولها في أوساط "الجماعة الاسلامية المسلحة"، ضمان الدعم الضروري للأعمال المسلحة في الجزائر. وكانت قيادة أركان هذه الولاية في مرسيليا جنوب فرنسا التي تضم 32 مسجداً ومصلى، بينها 10 تحت تأثير المتطرفين الجزائريين. وتعد مدينة مرسيليا من المواقع الاستراتيجية التي راهنت عليها "الجماعة الاسلامية المسلحة" نظراً إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي القريب من إيطاليا وسويسرا. ولاحظت الأجهزة الأمنية منذ عام 1994 تنامي تأثير "الجماعة الاسلامية المسلحة" الجزائرية في سكان هذه المدينة الساحلية من خلال: - منع بيع المشروبات الكحولية في المحال التجارية ومطاعم الأحياء المغاربية. - تزايد المنتديات والندوات السياسية - الدينية للشباب المغاربي أو المتحدر من أصل مغاربي. وكانت غالبية هذه الأنشطة تعقد ليلاً وفي مجموعات صغيرة تلتقي سراً، قبل أن ينتقل عدد من هؤلاء الناشطين إلى أفغانستان لاستكمال "التربية الجهادية". وكانت مرسيليا المعبر الأساس للأموال والأسلحة نحو الجبال الجزائرية، لذلك جرى تجنيب هذه المدينة سلسلة الاعتداءات المسلحة التي نفذتها "الجماعة الاسلامية المسلحة" بين حزيران يونيو وتشرين الأول 1995. بريطانيا تعد بريطانيا من الدول التي كانت محل انتقاد السلطات الجزائرية، بسبب، ما تعتبره، تساهلها في منح اللجوء السياسي وترك المعارضين يقومون بنشاطهم شرط ألا يخالفوا القانون. ومن بين العناصر التي تطالب السلطات الجزائرية بتسلمها لعيدي عكاشة الملقب ب"حسام" الملاحق بتهمة الانتماء إلى تنظيم "الفداء"، وينتمي حالياً إلى شبكة "الجماعة السلفية" في بريطانيا مع المدعو خليفي علي وبوطمين محمد اللذين يعدان من "النواة الصلبة" التي تحيط بالعقل المفكر للتنظيم عمر أبو عمر الملقب ب"أبو قتادة الفلسطيني". ومن الوجوه النشطة في بريطانيا أيضاً بوجمعة بونوة المعروف ب"عبدالله انس"، وهو أحد قدامى المحاربين في افغانستان وصهر الشيخ عبدالله عزام الذي كان يؤوي "الأفغان العرب" وعرف بصِلاته المميزة مع وزير الدفاع الأفغاني السابق القائد احمد شاه مسعود. ويوجد في لندن عضو مجلس شورى "جبهة الإنقاذ" الطيار السابق قمر الدين خربان الذي يعتقد أن له صلات قوية مع تنظيم "القاعدة" وزار باكستان مرات عدة على رغم ان مهماته الأولى مطلع التسعينات كانت تتمثل في شرح قضية الإنقاذ في الجزائر وحشد التأييد بحسب الرواية التي كان يرددها محفوظ نحناح الذي يعتقد أنه ممثل تنظيم "الإخوان المسلمين" في الجزائر. وتعتقد الدوائر الأمنية أن هؤلاء اشتغلوا بامرة "أبو قتادة الفلسطيني" ومصطفى كامل الملقب ب"أبو حمزة المصري" الذي اشرف على نشرة "الأنصار" القريبة من "الجماعة الاسلامية المسلحة" التي وفرت التغطية الدينية والشرعية للأعمال التي ترتكبها في الجزائر منذ سنوات. غداً: الشبكات الاسلامية في أوروبا والعالم.