كتب محمد صلاح ولا يزال في "الحياة" عن "العائدون"... من أفغانستان، من البوسنة، من ألبانيا، من جنوب افريقيا، ومن كل مكان. دخل في أعماق هذه القصة التي تخترق حياة جيل كامل من شباب مصر والعرب والمسلمين، أصبح يعرف الجميع، كأنه واحد منهم، لكنه ليس منهم. وفي أول كتبه "وقائع سنوات الجهاد... رحلة الأفغان العرب" يقدم رواية لما هو بالتأكيد بداية الدراما الأفغانية - العربية، التي أشعلت لشدّها شبه حرب عالمية، بل ما هو أخطر من حرب عالمية. إذ أصبح تاريخ 11 أيلول سبتمبر عنواناً يقول "الاميركيون" ويردده الآخرون، أن العالم كان شيئاً قبله وسيكون شيئاً آخر بعده. يقلب صلاح في صفحات عشرين عاماً ونيف، ويروي الأحداث كما يمكن أن يقصها أي جالس في مقهى سياسي، بيسر وتماسك، وحيادية. كانت هذه الوقائع تجرى تحت قشرة التعتيم الإعلامي على كل ما هو غير رسمي، مع أنها كانت تنخر في جذور كل ما هو رسمي، حتى كادت الواجهة الملونة تنهاراً مراراً. حدث هذا، ولا يزال ممكن الحدوث. وبالوثائق وشهادات من شاركوا في الرحلة كشف الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان، إلى اختيار النزاع الأفغاني وأرض أفغانستان انتماء وتجربة وحياة... وموتاً. وخلص إلى أنهم كانوا مهيئين للذهاب إلى أي مكان طالما أن أرضهم ومجتمعهم مستعدان لطردهم. "فهم لم يذهبوا في الخفاء، وإنما برعاية أعلى المراجع المحلية والخارجية. ليس في مصر فحسب، وإنما من مختلف بلاد العرب والإسلام. في بعض البلدان منحوا امتيازات، وتمتع ذووهم برعاية خاصة". وأكد أن ذهابهم كان بقرار، أما الإياب فهو قصة أخرى تطلبت أحياناً مطاردات دولية، واتفاقات أمنية، وصفقات تبادل. "رصد الكتاب وقائع من حاربوا وحورب بهم. والذين كانوا نعمة من السماء، ثم اصبحوا نقمة تقض المضاجع". هؤلاء الذين ذهبوا إلى أفغانستان لمواجهة المد الشيوعي، لمقاتلة "الإلحاد" و"الملحدين" السوفيات فأصبحوا "الملتحين" الذين تُرن أجراس الإنذار في أجهزة الأمن لمجرد مرورهم. "كانوا "مجاهدين" وأصبحوا مجرد "أفغان عرب"، بل أصبحوا مشكلة اعتملت وتفاعلت ثم انفجرت بين أيدي صانعيها. كانوا في حرب ضد الشيوعية، اصبحوا في حرب ضد الإسلام. عايشوا بلا وعي ما سمي لاحقاً "نهاية التاريخ"، وها هم يفجرون بلا وعي أيضاً ما قد يسمى "صراع الحضارات". أرجع الكاتب الفضل في تخصصه في متابعة الحركات الإسلامية إلى صحيفة "الحياة" التي يعمل فيها منذ بداية العام 1990، وأقر بأن الصحيفة حرصت على أن تظل دائماً طرفاً محايداً في كل ما يتعلق بالشق الخبري، أي أن طريقة التعاطي مع الأحداث ظلت دائماً موضوعية على رغم كثير من المحاذير والمخاطر. وأشار إلى أنه لفترة طويلة ظلت "الحياة" المصدر الوحيد لمعرفة ما يجرى في مصر وغيرها من الدول العربية على صعيد الصراع الذي تفجر في مطلع التسعينات بين الحركات الأصولية الراديكالية من جهة وبين أنظمة الحكم من الجهة الأخرى. وأشار إلى أن الهجمات في نيويورك وواشنطن والحرب الاميركية ضد افغانستان ودخول الطرفين في معركة "كسر عضم" كانت نقاطاً فاصلة أوجبت صدور الكتاب. "فرحلة "الافغان العرب" التي بدأت قبل سنوات حان الوقت كي تعرف تفاصيلها وتكشف اسرارها". يقع الكتاب في ثمانية فصول يتناول الأول منها الظروف التي ولّدت ظاهرة "الافغان العرب" ونشأة الحركات الأصولية الراديكالية والأجواء التي سادت في عهد الرئيس الراحل انور السادات. وعرض الثاني لنشاط اعضاء جماعة "الاخوان المسلمين" في مدينة بيشاورالباكستانية. وتضمن الثالث نشاط الحركات الراديكالية في باكستانوافغانستان. وتضمن الرابع ما جرى على الاراضي الافغانية ومجيء حركة "طالبان" وخروج أعداد غير قليلة من "الافغان العرب" وتوجههم الى أماكن عدة. وأورد الفصل الخامس الأسس الفكرية التي استند اليها الاصوليون المتشددون في تحويل عملياتهم التي استهدفت انظمة "الحكم في بلادهم إلى استهداف المصالح الاميركية". وخصص السادس لعرض التفاعلات في تنظيم "الجماعة الاسلامية" والاسباب التي دعت قادته الى اعتماد سياسة سلمية وتفادي الدخول في مواجهة مع اميركا. والفصل السابع خصص للحديث عن زعيم جماعة "الجهاد" الدكتور أيمن الظواهري الذي تحول من طبيب ينتمي الى اسرة ذات عراقة في ذلك المجال الى مطارد في جبال افغانستان ودروبها وصحرائها. وفي الفصل الاخير جاء دور اسامة بن لادن لحديث مفصل عنه، تضمن نشأته ومراحل تطور شخصيته وعلاقته المتميزة مع "الافغان العرب" من المصريين. وتضمن الكتاب فصلاً خاصاً حوى وثائق حصل عليها الكاتب على مدى أكثر من عشر سنوات تعكس طريقة تفكير الاصوليين الراديكاليين والأسس التي يستندون إليها في عملياتهم، وبعض الخلافات والتناقضات التي دبت بينهم، والسر وراء العلاقة المتميزة بين بن لادن والظواهري، وتسلسل المراحل التي مرت بها الجماعات المصرية الراديكالية منذ نشأتها في نهاية الستينات وحتى دخول جماعة "الجهاد" في حلف مع تنظيم "القاعدة" تحت لافتة "الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" في شباط فبراير 1998، والاسباب التي طرحوها لاستهداف المصالح الاميركية. وفي الفصل الخاص بأيمن الظواهري اعتبر الكاتب أن زعيم "جماعة الجهاد" سيظل "علامة فارقة في التحولات التي طرأت على نشاط الأصوليين الراديكاليين وتوجهاتهم" ليس فقط لأنه نموذج مختلف تماماً عن غالبية أعضاء التنظيمات الإسلامية الراديكالية الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية متدنية أو متوسطة على أفضل تقدير، ولكن أيضاً لأن مواقفه كانت دائماً وراء نقلات من الوزن الثقيل طرأت على أفكار تلك التنظيمات عموماً و"جماعة الجهاد" خصوصاً. ولفت إلى "أن الظواهري لم يمر بمراحل عدة قبل أن يصبح ناشطاً "جهادياً" وإنما اقتحم في سن صغير ذلك الطريق الذي أوصله إلى ما آل آليه مصيره". فقبل أن يكمل السادسة عشرة كان عضواً في خلية "جهادية" وسافر في منتصف العام 1980 إلى مدينة بيشاور واستطلع الأجواء وعاين على الطبيعة الأوضاع هناك، ثم عاد بعد شهور قليلة ليُقبض عليه عقب اغتيال السادات. وداخل السجن كان المعارض الأول لتولي الشيخ عمر عبدالرحمن زعامة الائتلاف بين تنظيمي "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية"، وظل على موقفه حتى فُضّ التحالف. وبعد خروجه كان في طليعة الإسلاميين المصريين الذين توجهوا إلى أفغانستان إذ أعاد إحياء "جماعة الجهاد" واستقطب أعداداً كبيرة من هؤلاء الذين ذهبوا إلى هناك من دون أن يكونوا اعضاء في تنظيمات بعينها وإنما لمجرد مناصرة المجاهدين الأفغان. ودخل الظواهري في صراعات عنيفة مع بعض معارضيه من قادة التنظيم، لكنه أطاح بهم جميعاً ولم يصمد واحد منهم أمامه وحتى حين استثمر العلاقة الوطيدة بينه وبين اسامة بن لادن التي أوصلت تنظيمه إلى الدخول في مواجهة مع اميركا لم تنجح ضغوط بعض قادة التنظيم في إبعاده بل "إنه حين أبدى رغبة في الاستقالة وترك موقعه كأمير ل"جماعة الجهاد" لم تكتمل الخطوة لأن هؤلاء أنفسهم تراجعوا عن موقعهم بعدما وجدوا أنفسهم دون تنظيم". وأشار الكاتب في الفصل الخاص بأسامة بن لادن إلى أن العلاقة الوطيدة التي ربطت بن لادن أو أبو عبدالله وهو الاسم الذي يناديه به القريبون منه بالأفغان العرب عموماً والمصريين منهم خصوصاً لم تكن خافية على أحد. وقال "حين كان الإعلام الغربي يتساءل عن سر تلك العلاقة وأيهما أثّر في الآخر أكثر، ومدى استفادة كل طرف من ورائها كان بن لادن وزعيم "جماعة الجهاد" الدكتور أيمن الظواهري وآخرون من رموز "الجهاد" المصريين يختبئون بعيداً من أعين الاستخبارات الاميركية وعملائها"، وأشار إلى أن افغانستان "كانت بوتقة انصهر فيها "الأفغان العرب" والحركات الجهادية العربية". لكن كل تنظيم ظل يمارس نشاطه وحده فلم تثبت التحقيقات المصرية مثلاً أن فلسطينياً أو يمنياً أو جزائرياً شارك في عمليات العنف التي وقعت داخل مصر في التسعينات والعكس صحيح، وكانت "الاستثناءات نادرة مثلما حدث في اليمن حين قتل مصري كان يعمل ضمن "جيش عدن - أبين" في معركة مع الشرطة اليمنية حين قامت تلك المنظمة بخطف عدد من الأجانب". ولفت الكتاب إلى أن بن لادن "كان ذهب الى باكستان ثم افغانستان لنصرة المجاهدين من دون أي خبرات سابقة في العمل التنظيمي في حين ظل المصريون الاصوليون أكثر خبرة بمثل تلك الأمور. فالظواهري مثلاً انضم الى خلية جهادية للمرة الأولى العام 1966 أي قبل أن يبلغ السادسة عشرة، وعلى ذلك فإن هؤلاء اثروا بشدة في بن لادن وأفادوه". وحين اسس "القاعدة" اضطلع عدد منهم بمهمات: تجنيد العناصر وتصنيفها وتدريبها وانشاء الشبكات والخلايا العنقودية. افاد "الافغان المصريون" من علاقات اسامة وأمواله لكن العائد بالنسبة له كان ايضاً كبيراً كتلك المقدرات العالية والخبرات الواسعة لم يكن يجدها في آخرين. وأجاب الكتاب عن السؤال الذي يتعلق بأسباب تفادي تنظيم "الجماعة الإسلامية" أي مواجهة مع اميركا على رغم أن التنظيم كان الأكثر فاعلية على ساحة الصراع مع الحكومة خلال عقد التسعينات. وقال: "كان يوم 5 تشرين الأول أكتوبر 1990 بداية مسلسل العنف الديني في عقد التسعينات في مصر حين اغتال اعضاء في الجناح العسكري لتنظيم "الجماعة الإسلامية" رئيس مجلس الشعب البرلمان السابق الدكتور رفعت المحجوب. وسيظل يوم 5 تموز يوليو العام 1997 فاصلاً في تاريخ مصر، ففيه اطلق القادة التاريخيون للتنظيم الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات مبادرة سلمية لوقف العنف من جانب واحد أثارت خلافات بين قادة التنظيم المقيمين في الخارج، لكنها أفضت في النهاية إلى قرار أصدره "مجلس شورى الجماعة" في آذار مارس العام 1999 قضى بإنهاء حالة العنف ووقف العمليات العسكرية داخل البلاد وخارجها وقفاً شاملاً. وستظل المبادرة السلمية أهم تحول في مسيرة "الجماعة الإسلامية" لا يوازيه في الأهمية سوى تحول التنظيم في العام الأخير من عقد السبعينات من مجرد جماعة دعوية تمارس نشاطاً سلمياً شبه علني إلى تنظيم سري كان أول أفعاله اغتيال رئيس البلاد في تشرين الأول العام 1981 بعد ما عقدت الجماعة حلفاً مع "تنظيم الجهاد" كان باكورة اعماله حادثة المنصة، التي كشفت للأجهزة الأمنية أن التنظيم لم يكن فقط مجرد بعض البؤر في الكليات الجامعية والمناطق العشوائية في الأحياء الفقيرة وإنما شبكة تمتد جذورها وفروعها الى غالبية المدن المصرية وتحظى في الصعيد خصوصاً بحضور قوي وانتشار كثيف". وأضاف: "خرجت المبادرة الى النور بعد ولادة عسيرة واحتاج التزام "الجماعة" بها قرارات اخرى مصيرية واجراءات لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع ان تقدم عليها. ويوماً بعد يوم ترسخ حال الهدوء في مصر وبعد ما كان لا يمر اسبوع وربما يوم من دون ان تنطلق رصاصات عناصر التنظيم أو تنفجر قنبلة وضعها أحدهم قاصداً اغتيال وزير او ضابط أو شرطي أو تفجير حافلة سياحية أو قطار أو باخرة، حين كانت مشاهد دماء الضحايا وأشلاء القتلى تحتل مكاناً شبه ثابت في الصفحات الاولى للصحف اليومية، والحديث على الافغان العرب والمصريين منهم سائداً، صار الهدوء غالباً والصمت طاغياً، وانشغل الطرفان الجماعة والحكومة بمعالجة آثار ما جرى والعمل على تفادي الوقوع في اخطاء الماضي". وأشار إلى أنه منذ اطلق القادة السجناء مبادرتهم السلمية "تعرض اصحاب التوجه السلمي في التنظيم لاختبارات صعبة كان أولها مذبحة الأقصر الشهيرة التي وقعت بعد اسابيع قليلة من اطلاق المبادرة، ما اعتبر وقتها رداً عملياً على دعاة وقف العنف من قادة "الجماعة"، وافرزت الحادثة تفاعلات شديدة داخل الجماعة بعد ما تبناها مسؤول مجلس شورى التنظيم وقتها رفاعي أحمد طه ورفضها واعتذر عنها قادة بارزون آخرون بينهم أسامة رشدي لاجئ في هولندا. ودخل الاثنان في معارك كلامية علنية انتهت ببيان اصدره مجلس شورى الجماعة في آذار 1998 أعلن أن قادة التنظيم تجاوزوا خلافاتهم، وأن المجلس يدرس التعاطي بإيجابية مع مبادرة القادة التاريخيين السلمية". وأضاف: "احتاج قادة "الجماعة" الى سنة كاملة حتى صدر قرار إنهاء العنف عصفت بهم خلالها خلافات عنيفة انتهت الى اجراء تغيرات على تشكيل مجلس شورى التنظيم ليحل القيادي البارز مصطفى حمزة محل طه كقائد للجماعة ومسؤول لمجلس الشورى. ولم يكن خافياً أن طه ظل على موقفه معارضاً للتوجه السلمي ولم يتوقف عن إبداء رأيه واصدار بيانات وكتابة مقالات "نارية" سببت كثيراً من اللغط حين كانت وسائل الاعلام الغربية تحسب موقفه على أنه موقف الجماعة. وظهرت الخلافات على السطح مجدداً حين اضطر حمزة المعروف بعزوفه عن التعاطي مع وسائل الاعلام الى الخروج عن صمته ليوضح أن طه يعبر عن نفسه، وأن الجماعة مستمرة في نهجها السلمي. وترسخ موقف حمزة حين طرح القادة السجناء أسساً شرعية دعمت موقفهم. ووجد اصحاب التوجه السلمي انفسهم أمام تحدٍ صعب مرتين، الاول حين قتل قائد الجناح العسكري للتنظيم فريد سالم كيدواني في معركة مع الشرطة، والثاني حين قتل القيادي البارز علاء عبد الرازق بعد ما حل محل كيدواني. إذ استغله المتشددون في التنظيم لضرب المبادرة السلمية على اساس انها لم تحقق شيئاً للجماعة، وأن السلطات لم تتوقف عن مطاردة عناصر التنظيم رغم إنهاء حالة العنف من جانب التنظيم. لكن يبدو أن الرغبة العارمة في الحفاظ على حال الهدوء والبعد عن العمل العسكري نتيجة لقناعة شرعية تسود بين غالبية قادة وعناصر الجماعة خصوصاً وهم يرون كيف تتعاطى الدول الكبرى مع قضية الاصوليين. فبينما كان تنظيم "الجهاد" حاضراً في المحاكمة الاميركية للمتهمين في قضية تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام، كان الحديث عن نشاط "الجماعة الاسلامية" في افغانستان وعلاقتها بتنظيم "القاعدة"، الذي يقوده اسامة بن لادن في قاعة المحكمة عابراً وغير مؤثر في وقائع القضية ونجت الجماعة من محاولات طه لربطها ببن لادن تارة عبر ظهوره معه علناً، وتارة بالهجوم على التوجه السلمي، وهكذا فإن ما أقدم عليه القادة التاريخيون جنّب "الجماعة الإسلامية" مشكلات تتخطى الصراع مع الحكومة المصرية الى حد مواجهة اميركا". وخلص الكتاب إلى أن "الجماعة الاسلامية" ظلت حريصة على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع اميركا وبقيت مواقفها تجاه السياسات الاميركية تصب في اتجاه الهجوم الكلامي والانتقادات والتهديدات التي لم تصل أبداً الى مستوى التنفيذ. وركزت الجماعة نشاطها منذ بداية التسعينات وحتى حادثة الاقصر على الصدام مع الحكومة المصرية. واستفاد عناصر التنظيم كثيراً من خبرات اكتسبوها على الاراضي الافغانية خصوصاً اسلوب "حرب العصابات" الذي يعتمد على الهجوم وجها لوجه ضد الهدف، وبذلك الاسلوب اغتال عناصر الجناح العسكري الكاتب فرج فودة وحاولوا مع الاديب نجيب محفوظ ووزير الاعلام صفوت الشريف والرئيس حسني مبارك نفسه اثناء وجوده في اثيوبيا. لم تعتمد "الجماعة" على العمليات الانتحارية ابداً أو حتى أسلوب التفجير وتنوعت عملياتها اتساقاً مع رغبتها في تحقيق انتشار كثيف على مسرح الأحداث وحين كان عدد من أبرز عناصر الجناح العسكري للجماعة ينفذون محاولة اغتيال مبارك في اديس ابابا كان زملاء لهم يقتلون شرطياً او حتى غفيراً في إحدى محافظات الصعيد. ومثل استهداف التنظيم صناعة السياحة بدءاً من العام 1992 تحولاً نوعياً خطيراً أثر بشدة على الاقتصاد المصري لسنوات لكنه تسبب في افقاد الاسلاميين عموماً و"الجماعة الاسلامية" خصوصاً أي تعاطف من جانب بعض فئات الشعب ممن تأثروا بتلك الحوادث، وجدت "الجماعة" نفسها كثيراً في مواقف تحتاج الى قرارات حاسمة بدءاً من القبض على زعيمها الدكتور عمر عبدالرحمن في اميركا بعد اتهامه في حادثة تفجير مركز التجارة العالمية العام 1993 ومروراً بردود فعل شعبية غاضبة تجاه العمليات ضد السياحة وانتهاء بمبادرة وقف العمليات المسلحة وقرار التنظيم وقف العمليات العسكرية داخل مصر وخارجها، وخصوصاً بعدما تبين ان مسؤول "مجلس شورى" الجماعة "مصطفى حمزة" تبنى ذلك الاتجاه السلمي ودخل في صراع مع المسؤول السابق للمجلس رفاعة احمد طه الذي رفض ذلك التوجه واصر على ان يحصل التنظيم على ثمن قبل اعتماد قرار وقف العمليات. وارتبط اسم حمزة دائماً بأكبر عمليات التنظيم عنفاً حتى إنه صار الوحيد الذي صدر في حقه ثلاثة أحكام بالاعدام اضافة الى حكم آخر بالسجن. قادة الجماعة والقريبون منها أكدوا أن طه الذي تولى مسؤولية "مجلس شورى" التنظيم لسنوات حتى وقعت حادثة الاقصر العام 1997 اضطر بعدها الى الاستقالة، ثم تولى حمزة مكانه وكان الاعتقاد السائد لدى الاوساط السياسية والامنية، وحتى الشعبية، أن حمزة كان يسير في الطريق نفسه الذي يحدده طه ويستند الى تكثيف العمليات العسكرية ضد الحكومة المصرية. وزاد ورود اسم حمزة في لائحة الاتهام في قضية محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في حزيران يونيو العام 1996 في اديس ابابا من قناعة الجميع بأن حمزة لا يقبل بان تتحول استراتيجية التنظيم نحو التهدئة ولأنه لا يتحدث الى الصحافة ولا يتعاطى مع وسائل الاعلام فإن الوقوف على آرائه ومواقفه ظل امراً بالغ الصعوبة. لكن الوقائع بعدها أثبتت أن حمزة استجاب لنداء القادة ووافق على مبادرتهم السلمية وصار من الداعين لها وكان وراء إصدار قرار وقف العمليات المسلحة سواء داخل مصر أو خارجها.