على رغم أن خطاب وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أول من أمس، لم يتضمن موقفاً إسرائيلياً رسمياً عن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم إنما أشار إلى أن غالبية الإسرائيليين تؤيد قيام دولة فلسطينية، واصل اليمين الإسرائيلي انفلاته في التحريض على بيريز وارتفعت أصوات عدد من الوزراء تطالب رئيس الحكومة ارييل شارون بخلعه من منصبه، في وقت انشغل وزراء الحكومة عن حزب "العمل" في البحث عن حلول للمشاكل التي تعصف بالحزب وتهدد وجوده، في حين لم يطلق أي منهم تصريحاً داعماً لموقف عجوز الحزب بيريز. وتوقفت وسائل الإعلام العبرية أمس عند حقيقة اذعان بيريز لرئيس حكومته واجراء تعديل على نص الخطاب في الجمعية العامة، إذ تحدثت الصيغة الأولى التي وضعها بيريز عن أن "غالبية الجمهور في إسرائيل تدعم الموقف القائل إن لا حل للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني من دون إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل"، لكن مدير مكتب شارون سارع إلى مهاتفة بيريز والاملاء عليه بإضافة جملة تقول إن ما يقوله لا يعكس السياسة الرسمية لحكومة إسرائيل لكنه يحظى بتأييد غالبية الإسرائيليين. واعترف بيريز أنه اضطر إلى إضافة هذا التحفظ تحت ضغط تصريحات عدد من وزراء اليمين وقادته. وتابع: "لو كنت في حكومة تدعم غالبية وزرائها مواقفي لكان خطابي مغايراً". ونفى بيريز، رداً على سؤال للإذاعة العبرية، ان يكون شعر بالمهانة حيال إرغامه على تعديل صيغة الخطاب ورد على عموم قاد ةاليمين بالقول إنه يبحث عن مخرج للطريق المسدود. وتحدى "اليمين الوقح" بأن يقدم مشروعاً سياسياً بديلاً، مشيراً إلى أن البديل يمكن أن يؤدي إلى جعل إسرائيل دولة ثنائية القومية ذات غالبية عربية. وقال: "علينا أن ننقذ مستقبلنا ولا نفسح المجال أمام الكسل الفكري أو التهرب السياسي بخلق وضع لدينا كما الحال في لبنان". ونفت مصادر قريبة من شارون ما تناقلته وسائل الإعلام العبرية من أن بيريز اطلع رئيس الحكومة مسبقاً على مضمون خطابه، وأن الأخير منحه الضوء الأخضر لإلقائه. وأبلغت هذه المصادر الإذاعة العبرية أمس أن شارون حين تحدث قبل أكثر من شهر عن استعداده لإقامة دولة فلسطينية، إنما عنى أولاً أن تقام الدولة بموافقة إسرائيل وبالتنسيق معها، وأن ذلك سيتم فقط بعد الانتهاء من المفاوضات السياسية التي تضمن "أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح تسيطر إسرائيل على حدودها ومعابرها وتبقي غور الأردن ومناطق محاذية للخط الأخضر تحت سيطرتها، وأن تبقى القدس الموحدة وفي قلبها جبل الهيكل الحرم القدسي الشريف عاصمة أبدية لإسرائيل". وانضم الوزير تساهي هنغبي ليكود إلى زميله المتطرف بيني الون في مطالبة شارون بإقالة بيريز "وهو أقل ما يمكن المطالبة به" على حد قوله. وأضاف انه من غير المعقول أن يدلي وزير الخارجية بتصريحات ترفضها الحكومة التي يجلس فيها "وقد تحدث بيريز باسم الخائبين من اتفاقات أوسلو التي انهارت منذ أكثر من عام ولم يعد يؤمن بها سواه". واعتبر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو حديث شارون وبيريز عن دولة فلسطينية خطأ تكتيكياً وجوهرياً وهو عملياً منح مكافأة للفلسطينيين على ممارستهم "الإرهاب". ودعا شارون إلى التعامل مع السلطة الفلسطينية على غرار تعامل الرئيس جورج بوش مع حركة "طالبان". وفي مقابل ذلك، قالت النائبة اليسارية زهافا غلؤون ميرتس إن حقيقة ان هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها وزير خارجية إسرائيلي على منبر دولي عن إقامة دولة فلسطينية لا تعني لها شيئاً "لأن حديث بيريز كان عمومياً وضبابياً وهو، كما شارون، يلجأ إلى اطلاق ساتر دخاني ليس وراءه سوى عبارات مبهمة". وقال زميلها يوسي سريد إنه ليس من مهام وزير خارجية تحليل المزاج العام، إنما التعبير عن مواقف حكومته "وإذا لم يفعل بيريز ذلك، فإنني استغرب ماذا يفعل في حكومة كهذه".