يعتبر الأوروبيون أنهم التزموا مقتضيات الشراكة مع البلدان العربية ورصدوا خمسة بلايين يورو لبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط خلال الأعوام الخمسة الماضية لقاء انخراطها في مسار برشلونة. وإذا ما قارنا بين حجم الاعتمادات المخصصة ل"الشركاء" العرب وتلك التي مُنحت لبلدان أوروبا الوسطى والشرقية، والمقدرة ب15 بليون يورو، ندرك أن حظ أهل الضفة الجنوبية للمتوسط لا يتجاوز ثُلث حظ الأوروبيين الشرقيين. بل إن صحيفة "دي زايت" الألمانية المعروفة بجديتها كشفت منذ فترة عن وثائق أكدت أن الاتحاد الأوروبي خصص 80 بليون يورو لتكريس الادماج التدريجي للشرق الأوروبي في اقتصادات الاتحاد قبل العام ألفين وأربعة. وعلى رغم أن "البنك الأوروبي للاستثمار" يمنح ما يعادل بليون يورو سنوياً لبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، فإن الهوة تبقى دائماً كبيرة قياساً على ما يخصص لأوروبا الشرقية. مع ذلك كثيراً ما يُشبّه الأوروبيون مساعداتهم وتعهداتهم المالية تجاه العرب والمتوسطيين باليد الممدودة للجنوب عبر المتوسط الذي يتحول، بفعل تلك الحركة "الإنسانية"، من حاجز بين الحضارات إلى جسر يربط بينها. لكن العكس هو الصحيح، فعجز اقتصادات العرب والمتوسطيين الجنوبيين عموماً مع الاتحاد الأوروبي يقدر بأربعة وثلاثين بليون يورو في السنة، وعليه يمكن القول إن الجنوب هو الذي يمد يد المساعدة للشمال ليستمر ازدهاره! كانت الأهداف الأوروبية المعلنة في بيان برشلونة ترمي لدعم جهود التنمية في بلدان الجنوب، إلا أن حصاد التجربة الواقعية التي تشارف على انهاء عامها السادس الشهر المقبل يعطي الدليل على تقصير كبير في تكريس تلك التعهدات المعلنة على رغم انشاء آلية "ميدا" لتمويل المشاريع في قطاع التربية والصناعة والبنية الأساسية والصحة... وشكا العرب من عبء الجهاز البيروقراطي في بروكسيل ودوره في تعطيل انتقال المساعدات المالية والقروض من الضفة الشمالية إلى الضفة الجنوبية، إلا أن هذا السبب "الفني" يخفي غابة من الرؤى والمواقف المشحونة بالحذر والريبة من البلدان العربية والعالم الإسلامي عموماً. والنتيجة الواضحة هي أن البلدان المتوسطية الجنوبية هي التي تساهم في تنمية الاقتصاد الأوروبي وتسريع اندماجه وتماسكه وليس العكس، إضافة إلى أن البنية الجديدة للشراكة عززت الترابط العمودي بين الاتحاد الأوروبي والاقتصادات العربية على حساب التكامل الافقي. فالإطار المتاح مستقبلاً لمثل هذا التكامل بات يمر من خلال التعامل مع الاتحاد، وهو ما جعل البلدان العربية الأربعة التي وقعت على اتفاقات شراكة مع الاتحاد الأقدر على تحقيق بعض التقدم في اجتراح منطقة للتجارة الحرة، فيما ظل مشروع منطقة التجارة الحرة العربية حبراً على ورق. طبعاً لا يمكن توجيه اللوم إلى الأوروبيين وحدهم على كونهم يركزون على الاستفادة القصوى من الميزات الاقتصادية التي منحتهم إياها اتفاقات الشراكة ويتلكأون بتنفيذ الجوانب الأخرى، فاللوم يقع أيضاً على العرب أنفسهم، لأن منطق المنافسة والبحث عن مغانم منفصلة سيطر على التعاطي العربي مع مشروع الشراكة المتوسطية، ولم توضع أي رؤية أو خطة جماعية لمجابهة استحقاق انضمام عشرة أعضاء أوروبيين جدد إلى الاتحاد في السنة ألفين وأربعة، وانعكاساته السلبية المتوقعة في المصالح العربية، إن على صعيد العمالة أو الاستثمار أو المبادلات التجارية. وتلتقي هواجس العرب في هذا المجال مع هواجس تركيا التي تتعرض لضغوط أوروبية ترمي لإرجاء قبول عضويتها في الاتحاد إلى ما بعد السنة الفين وعشرة. وعلى رغم أن مشاكل الأتراك مع أوروبا تختلف عن مشاكل العرب، فإن وجود خطة عربية للتعاطي مع الاتحاد سيسهل التنسيق وتقريب المصالح بغية تحسين شروط التفاوض العربية والتركية مع الأوروبيين.