"محمد" شاب مصري يدرس في جامعة اميركية على مقربة من مدينة نيويورك، كانت الامور تسير معه على ما يرام، الى ان بدأ العام الدراسي الجديد الذي تزامن وانقلاب العالم رأساً على عقب، يقال اننا على اعتاب حرب عالمية ثالثة اولى حروب القرن الجديد، وإعادة صياغة للكرة الارضية كما عرفناها. بعد احداث يوم 11 ايلول سبتمبر الماضي في الولاياتالمتحدة الاميركية، تردد محمد في متابعة دروسة في الجامعة خوفاً من التعرض لاعتداء بالقول أو بالفعل. وفي اليوم الذي قرر فيه المجازفة والتوجه الى الجامعة، بدأ يومه بتعرضه للتجاهل من سائق الباص الذي كان اعتاد على ركوبه فلم يتوقف له وفي الجامعة تحاشى غالبية زملائه التحدث معه وانتهى يومه بدرس من سائق سيارة الاجرة التي استقلها - ويبدو أنه استشعر من شكله أنه من الشرق الاوسط - عن بربرية العرب، وعنف الاسلام والتزم محمد الصمت طوال الطريق، ومن يومها لم يبرح البيت الذي يستأجره إلا لشراء مستلزماته الرئيسية، وذلك الى حين الاهتداء الى حل اخير: العودة الى بلده او الاستمرار حيث هو يأمل في هدوء الاوضاع. و"محمد" ليس وحده الذي استيقظ من نومه في هذا اليوم ليجد اميركا مختلفة، وحياة مختلفة، وعنصرية مختلفة. المعهد العربي الاميركي في واشنطن يؤكد أن ما لا يقل عن مئة طالب عربي ومسلم تركوا كلياتهم التي كانوا يدرسون فيها. في واشنطن "دي. سي". مواقع عدة على الانترنت صادرة عن جمعيات ومؤسسات طلابية لعرب يدرسون في اميركا تؤكد أن الطلاب العرب واقعون تحت ضغط العودة الى بلادهم أو التزام الصمت وعدم الظهور علانية. والحق يقال أن جهات رسمية اميركية عدة، لا سيما تلك المتصلة بالتعليم دعت وحثت المعلمين في المدارس والجامعات على مناقشة الاختلافات الدينية بطريقة بناءة، مع انتقاد الافكار والمعتقدات من دون تجريح. وكثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الجزء الخامس من قانون الحقوق المدنية لعام 1964 والذي يمنع التفرقة على أساس الجنس أو اللون أو المنشأ. وعلى رغم هذه الدعوات، وحث كل من يتعرض لمضايقة بسبب العرق أو الدين الى ابلاغ السلطات، إلا أن كثيرين من الطلاب والطالبات العرب في اميركا وعدداً من دول اوروبا مازالوا متخوفين ما دفع البعض للعودة الى بلده، إما لقضاء بعض الوقت مع الاهل للتشاور ولحين اتضاح الموقف في الاسابيع القليلة المقبلة، أو للالتحاق بجامعات اخرى في بلاده أو البلدان المجاورة. وتبدو الجامعة الاميركية في القاهرة البديل رقم واحد للكثيرين من الطلاب العرب فهي تقدم "افضل ما في العالمين" بمعنى أنها تقدم تعليماً اميريكياً ذا مستوى مشهود له بالكفاءة، وذلك في موقع وبيئة عربية خالصة. إدارة الجامعة من جهتها قبلت ثلاثة طلاب مصريين عادوا من الولاياتالمتحدة الاميركية حيث كانوا يدرسون، وذلك في اعقاب الاحداث هناك. ويقول مصدر مسؤول في الجامعة إن هذا القبول كان على سبيل الاستثناء فقط، إذ أن الدراسة كانت قد بدأت في الفصل الدراسي الاول، والذي يطلق عليه "فصل الخريف". ويوضح المصدر أن الجامعة تتبع سياسة خاصة بقبول الاجانب غير المصريين إذ تحتفظ لهم ب 25 في المئة من نسبة الطلاب المقبولين سنوياً، الا ان عدد الطلاب الاجانب الذي يتقدم عادة للالتحاق بالجامعة الاميركية لا يصل الى تلك النسبة وهو حالياً يبلغ 17 في المئة، ويشغل الطلاب العرب وحدهم نسبة 15 في المئة. ويتوقع المصدر حدوث زيادة في أعداد الطلاب المصريين والعرب المتقدمين للالتحاق بالجامعة في الفصل الدراسي الثاني "الربيع" والذي يبدأ في شهر شباط فبراير المقبل، وهم أولئك الطلاب إما العائدون من جامعات اميركية او اوروبية كانوا يدرسون فيها، أو ممن كانوا يخططون للدراسة في الغرب، وعدلوا عن نيتهم لعدم استقرار الاوضاع. الا ان المصدر ينبه الى أن ادارة الجامعة ملتزمة بقبول عدد من الطلاب في حدود امكاناتها، وليس في مقدورها زيادة هذا العدد. ويضيف المصدر: "في حال زيادة عدد الطلاب عن حد معين في الفصل الدراسي، يتم سحب التخصيص المالي المقدم لنا من إدارة الجامعة في اميركا". يذكر أن شائعات سرت - كما هي العادة - عقب التفجيرات الاميركية بأن الجامعة ستغلق ابوابها، وهو ما لم يحدث طبعاً فقد اغلقت ابوابها لبضعة أيام، ثم انتظمت الدراسة مرة اخرى وإن كانت الاجراءات الامنية المتبعة عادة في الدخول صارت اكثر صرامة، كما صدر قرار بمنع دخول العاملين في الاعلام حرم الجامعة، وإن سُمح لهم باجراء مقابلات وحوارات مع مسؤولي الجامعة عبر الهاتف. وعلى رغم التوقعات المبنية على الملاحظات الشخصية بأن الطلاب العرب والمصريين سيحجمون عن فرص الدراسة في اميركا واوروبا، الا ان الواقع - على الاقل حالياً - يشير الى عكس ذلك، المشهد في المجلس البريطاني، في القاهرة، والذي يعد احد ابرز الجهات التي تقدم منحاً دراسية لخريجي الجامعات للحصول على درجات الديبلومات والماجستير والدكتوراه في العلوم المختلفة لا يدل على تغييرات. يقدم المجلس سنوياً مجموعة من المنح المعروفة بChevening swards للطلاب المصريين. وتقول مسؤولة في "المجلس البريطاني" ان احداً من الطلاب المصريين الذين سافروا في ايلول سبتمبر الماضي الى انكلترا لم يعرب عن رغبة في العودة بل ان الاعداد المتقدمة للحصول على المنحة للعام الدراسي المقبل 2002/2003 الى زيادة. وتضيف المسؤولة: "ليس هذا فقط، بل اعلنت جامعة كامبردج عن تقديم ثلاث منح دراسية للطلاب المصريين هذا العام، وكان آخر موعد للتقديم في تموز يوليو الماضي، لكنها عادت ومدت الفترة الى آخر تشرين الاول اكتوبر الحالي". والمجلس البريطاني ليس وحده الذي يعكس هذه الصورة المتفائلة، فبعثة "فولبرايت" في القاهرة من الجهات المعروفة بتقديم المنح كذلك للدارسين المصريين للدراسة في الولاياتالمتحدة الاميركية. وحين سألت "الحياة" مديرة البعثة الدكتورة آن رضوان عن انعكاس الوضع الراهن على تلك المنح، ردت بثقة بالغة وبنبرة ملؤها الحماس "نحن في حاجة إلى تنشيط تلك المنح حالياً أكثر من أي وقت مضى فهذا في مصلحة الجميع، فنحن لا نقدم برنامج تحويل تقنياً، لكننا نمنح الفرصة لفهم ثقافات الآخرين، والتخلص من النماذج النمطية على الجانبين".