بكل تأكيد، كما قيل مراراً، ليست هناك حرب نظيفة. وفي هذه الحرب هناك تبرير جاهز لا يقبل الجدل: اعتداءات 11 ايلول سبتمبر أوقعت آلاف الضحايا، واعتبرت عملاً حربياً لا يُردّ عليه إلا بحرب. لم يقل أحد في العالم ان تلك الاعتداءات كانت عملاً مقبولاً، باستثناء اسامة بن لادن الذي أيدها وباركها. أما حرب الانتقام من افغانستان فُتعامل على أنها خطوة مشروعة ومقبولة، حتى ان أحداً لم يحرك ساكناً للضحايا المدنيين الذين تساقطوا منذ اليوم الأول، وازداد عددهم بسرعة، مع أنهم ليسوا في مواقع عسكرية وليسوا في وضعية قتالية. وليس معروفاً كيف يمكن تبرير قصف مستشفى أو قرية أو تجمع سكاني طالما ان أياً من الرؤوس المطلوب اصطيادها ليس موجوداً فيها. ما زاد هذه الحرب قذارة ان مجرم الحرب ارييل شارون يستغلها الى أقصى حد. بل وجد فيها الظرف المناسب لارتكاب مجازر من دون ان يستهجن أحد أو يستعد لردعه، انه يخوض "حرب زئىفي"، بالروح الزئيفية السوداء، وينتهز الفرصة لاستكمال خطته اللاغية لكل آثار "اتفاقات السلام" في الضفة الغربية. ولا مجال الآن لاقناع أحد في واشنطن بأن ما يفعله شارون هو الارهاب نفسه، فالجواب جاهز ومعقّم لمن يرغب في شرائه: انها حكومة "منتخبة" في اسرائيل تقوم بما تراه مناسباً للحفاظ على أمنها وأمن مواطنيها... ووزرائها. ثمة تشابه، وتلازم، وتزامن، ومحاكاة، بين ما يجري في افغانستان وما يجري في المناطق الفلسطينية، فكلتا الحربين تدور بحجة البحث عن قتلة، وكلتاهما تُخاض بثمن بشري باهظ. ويستطيع أعضاء الادارة الاميركية ان يعبروا عن امتعاضهم من التصرفات الاسرائيلية، وان يمثلوا أدوار الاستياء، لكن شارون هو من يقول كلمته في النهاية. وللمرة الألف يبرهن الاميركيون انهم مستعدون دائماً للضغط على أي مسؤول عربي لفرض رأيهم وموقفهم، لكنهم يعانون من نقطة ضعف ازاء اسرائيل. ولعلهم، في حسابات خفية، اعتبروا ان العربدة الاسرائيلية الحالية مفيدة في حربهم الافغانية. اذ ان اسرائيل تقوم بالدور المرسوم لها أصلاً كجسم سامٍ في وسط العالم العربي. وفي الوقت الذي يعاني العرب قلقاً وحرجاً وضيقاً من هذه الحرب على الارهاب، ليس أفضل من اسرائيل لتخويفهم وارهابهم وزيادة احباطهم. منذ أكثر من اسبوعين والطائرات الاميركية تدك كل ما تعتبره "هدفاً" معادياً في افغانستان، ولم يحدث ما يقلق الطيارين ولا قادتهم. حتى انها تصعب تسميتها "حرباً" اذا كانت الحرب كالسلم تتطلب طرفين. انها حتى الآن اشبه بتمرينات قصف على أهداف ثابتة، وحتى في التمرينات هناك مفاجآت، إلا هذه فلا مفاجآت فيها سوى صواريخ "تنحرف" عن أهدافها... ومنذ اسبوع تخوض اسرائيل حرباً على الفلسطينيين، أو بالأحرى يخوض شارون حرباً لإلغاء السلطة الفلسطينية أقله في الضفة، لإلغاء "وقف النار"، لإلغاء المقاومة والانتفاضة، ولاستعادة وضعية الاحتلال المريحة ل"الرأي العام" الاسرائيلي. وهذه ايضاً لا يمكن ان تسمى حرباً لأن الطرف الآخر لا يملك مواجهتها ولو بأضعف سلاح. كيف يمكن الولاياتالمتحدة ان تخطط لاجتثاث الارهاب من جذوره وهي تفلت الوحش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين ليمارس الارهاب ويعطي نموذجاً لما يمكن ان يكون عليه الارهاب. جذور الارهاب "الشرق الأوسطي" موجودة في عقيدة الجيش الاسرائيلي، وفي مجلس الوزراء الاسرائيلي، وفي الكنيست الاسرائيلية، وفي المستوطنات والمدارس والاحزاب الاسرائيلية. ولعل الولاياتالمتحدة اضاعت فرصة لاقناع العرب عملياً، وليس بالخطابات، بأنها تدرك هذا الجانب من مشكلة الارهاب. ومن الواضح، للاسف، ان هناك في الادارة الاميركية من يعتقد بأن هذا الارهاب الاسرائيلي مطلوب ومقبول وضروري لأهداف "استراتيجية". وبديهي ان مثل هذه الاستراتيجيات مبني على خطأ ثابت: ان اسرائيل موجودة لتجعل من كل أرض عربية ساحة مستباحة، وليس أرض فلسطين فحسب.