علمت "الحياة" من مصادر اقتصادية دولية أن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي عقد اجتماعاً الأربعاء 17 تشرين الأول اكتوبر الجاري للنظر في تقرير عن الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان اعد قبل شهر. وأطلعت "الحياة" على ما دار في الاجتماع الذي عقد بعد زيارة فريق عمل محدود من الصندوق للبنان. وأظهر النقاش أن جميع اعضاء الصندوق متفقون على أن برنامج الحكومة اللبنانية "طموح"، وفي "الاتجاه الصحيح"، لكنه "غير كافٍ"، لأن مستوى الديون وعبء خدمتها يتطلبان اصلاحات أكثر جذرية. وأوضحت مصادر المجتمعين أن عدداً من الأعضاء شكك في قدرة الحكومة على تنفيذ الاجراءات التي تعهدت ادخالها في برنامجها. أما بالنسبة إلى خفض قيمة الليرة اللبنانية، فيعتقد بعضهم أن الخفض قد يساعد في عملية الاصلاحات، والولايات المتحدة من بين الدول التي تأخذ بهذا الاعتقاد. لكن جميع أعضاء الصندوق يعترفون بأن الخفض سيواجه مشاكل اجتماعية ستكون كلفتها السياسية كبيرة. وأعرب كثيرون من الاعضاء عن قلق ناتج من ان احتمال خفض قيمة الليرة يفرض نفسه نتيجة عوامل السوق في ضوء عجز مستمر وبسبب اعباء الديون. وهذا الاحتمال جعل جميع الدول الأعضاء يحضون الحكومة اللبنانية على بذل جهد أكبر في الاصلاحات، وعلى تعاون أكبر مع الصندوق. لكن أحد الأعضاء أقر بأن إحدى المشاكل تكمن في أن الحكومة اللبنانية لا تريد العمل مع الصندوق، لأنها تتخوف من أن يفرض عليها خفض قيمة الليرة في إطار خطة اصلاحية شاملة. وتساءل مصدر هل يقوم لبنان بعمل كاف للحؤول دون هذا الاستحقاق وأشار إلى مثال تركيا التي لم تكن تريد خفض قيمة عملتها، لكن الأمر فرض نفسه. واعتبر مجلس إدارة الصندوق في تقويمه للوضع في لبنان أن الفترة صعبة جداً، وان فيها تحديات عدة للبلد، لافتاً إلى أن الكرة الآن في ملعب السلطات اللبنانية من خلال التصويت على الموازنة في البرلمان وادخال الضريبة المضافة VAT وحل الخلافات مع شركات الهاتف الخليوي والتقدم في تخصيص مؤسسات القطاع العام. ويتوقع أعضاء صندوق النقد من الحكومة ومجلس النواب أن يقدما على اعطاء اشارات واضحة بالتزام قوي في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. وقالت المصادر ل"الحياة" إن فرنسا والاتحاد الأوروبي واليابان مهتمة جميعاً بأن يكون لبنان مستقراً اقتصادياً وبدعم مسيرة الاصلاحات. وقال المصدر إن اجتماع الصندوق لم يتطرق إلى احتمال عقد مؤتمر لأصدقاء لبنان أو ما يسمى ب"باريس 2"، لأن ليس هناك مبرر لمثل هذا الاجتماع إذا لم يكن نجاحه مؤكداً. وأضاف ان مثل هذا المؤتمر لن ينجح إلا في حال سجلت الدول الأعضاء في الصندوق أن لبنان أحرز تقدماً ملموساً في الاصلاحات. وأوضح إن مجلس إدارة الصندوق يعتبر ان أمام لبنان ثلاثة تحديات عليه أن يواجهها: ضبط العجز، وإعادة اطلاق النمو، واستقرار الديون. ولاحظ المجلس أن معالجة هذه التحديات ترتبط بعدد من الظروف "غير المؤكدة". حاكم مصرف لبنان ورأى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، انه اذا كان هناك اتفاق سياسي فإن تنفيذ القرارات يصبح ممكناً، موضحاً ان خفض المديونية يمكن ان يندرج ضمن برنامج واقعي ومبرمج زمنياً ويؤدي الى الاهداف المطلوبة، اي ان يصبح الوضع المالي أقل ضغطاً على الوضع الاقتصادي. وقال سلامة ل"الحياة"، ان البحث في مجلس ادارة صندوق النقد كان واقعياً في اشارته الى ضرورة وضع برنامج لخفض المديونية، عبر موازنات تخفض العجز تدريجاً، وعبر التخصيص. وأضاف ان "أرقام الخصخصة التي تحدثوا عنها، تشكل قيمة أقل من قيمتها الفعلية" وان هذه الأرقام "غير مبنية على المعطيات التي نعرفها خصوصاً في قطاع الاتصالات". ولفت الى ان مجلس النواب يبحث حالياً في قانون "بي اي تي" وان قانوناً بشأن الكهرباء والهاتف اصبح شبه جاهز، واذا توافر الاتفاق السياسي سيكون في الامكان حل كل هذه الامور خلال السنوات المقبلة من ضمن برنامج متفق عليه ويوضع قيد التنفيذ. ورأى ان "المهم في كل هذا ان هناك مخرجاً للصعوبات التي يواجهها لبنان، من خلال برنامج يخفض العجز ويؤمن مداخيل اضافية، وان الأمر رهن اتفاق المسؤولين السياسيين". وذكر بأن الحكومة "أقدمت بشكل شجاع على مجموعة من القرارات الصعبة مثل خفض الجمارك وزيادة سعر البنزين وغيرها، لأنها كانت موضع توافق سياسي". وكان صندوق النقد الدولي تحدث بإيجابية عن القطاع المصرفي اللبناني، مؤكداً انه احرز تقدماً في مجال مكافحة تبييض الاموال.