قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان بيتر آلوم ل"الحياة" ان المناقشات التي أجراها مع المسؤولين في بيروت أخيرا كانت "واعدة" واكد نجاح الحكومة في تحقيق تقدم على صعيد معالجة المشاكل المالية الخطيرة والتحديات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني. وأدرج آلوم، بين الخطوات الايجابية التي اتخذتها السلطات اللبنانية، تبني مشروع فرض الضرائب على التبغ ومنتجات أخرى في آذار مارس الماضي، وادخال تعديلات على ضريبة الدخل ستوضع قيد التنفيذ مباشرة في حال صادق عليها مجلس النواب وستنعكس ايجاباً على موازنة السنة المقبلة. وستشكل ضريبة المبيعات وضريبة القيمة المضافة، التي قال المسؤولون اللبنانيون انهم يعتزمون تطبيقها خلال فترة 18 شهراً، مصادر دخل مهمة للموازنة. وقال آلوم: "كانت المناقشات واعدة، وتدرك الحكومة اللبنانية طبيعة التحديات التي تواجه الاقتصاد، ونحن سعداء بما تم تطبيقه. ان حجم المشاكل المالية كبير بما يضع علامة استفهام حول قدرة الحكومة على اجراء التعديلات المطلوبة في عام واحد، ولكن الحكومة تدرك الحاجة الى برنامج لسنوات عدة ولهذا فهي تعمل على اعداد خطة خماسية يتوقع اعلانها قريباً". وكانت البعثة توجهت الى لبنان لعقد جولة جديدة من المناقشات السنوية التي يجريها الصندوق الدولي مع الدول الأعضاء بموجب المادة الرابعة. وستعرض البعثة نتائج المناقشات على المجلس التنفيذي في ايلول سبتمبر المقبل. ومن المحتمل نشر ملخص عن المناقشات وتوصيات المجلس التنفيذي في وقت لاحق بموجب سياسة جديدة تبناها الصندوق. وقدرت السلطات اللبنانية نسبة النمو التي حققها الاقتصاد اللبناني في الفترة بين 1996 و1998 بما يراوح بين 2 و3 في المئة. لكن الحكومة فشلت في سداد التزاماتها تجاه عقود الانشاءات في النصف الثاني من 1998 ما انعكس على أداء السنة الجارية وتسبب في تراجع نسبة النمو الاقتصادي. وعلى رغم مصادقة مجلس النواب على سداد المتأخرات الا أن الصندوق الدولي توقع حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي ليصل الى 2 في المئة السنة الجارية. الغارات الاسرائيلية وقال مسؤول الصندوق الدولي "ان عمليات القصف التي استهدفت لبنان الاسبوع الماضي وما أسفرت عنه من نتائج لن تكون عاملاً مساعداً لكن من المؤمل أن تكون آثارها قصيرة الأمد في حال عدم تكرارها". وكان الصندوق الدولي كشف تصوراته عن الأولويات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة اللبنانية في تقرير أصدره سابقاً بعنوان "الرجوع الى المستقبل: اعادة الاعمار والاستقرار في لبنان ما بعد الحرب". واعتبر التقرير مسألة دعم الوضع المالي "الأكثر إلحاحاً بين المسائل التي تواجهها الحكومة في سياستها المالية". وحض التقرير الحكومة على خفض اعتمادها على العائدات الجمركية واعتماد ضريبة مبيعات عامة وتحصيل كلفة الخدمات العامة، كما دعا الى تطبيق اصلاحات مؤسساتية وتنظيمية تساهم في خلق مناخ يمكن القطاع الخاص من ممارسة دوره كمحرك للنمو. واعتمدت توصيات التقرير على تحليل الاستراتيجية التي انتهجتها الحكومة في الفترة من 1991 الى النصف الأول من 1998. وعلى رغم وقوع الفترة المشار اليها في عهد رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الا أن آلوم قال "ان التوصيات تبقى صالحة للحكومة الحالية التي يرأسها السيد سليم الحص". وخلص التحليل الى أن الحكومة اللبنانية اعتمدت حتى حزيران يونيو 1998 استراتيجية ناجحة على أكثر من صعيد وذكر التقرير: "كانت استراتيجية الحكومة ناجحة على اكثر من صعيد على رغم أن تطبيقها جرى في مناخ داخلي صعب تميز بفترات من الغموض السياسي، واطار اقليمي مائع، ومساعدات خارجية محدودة لبرنامج إعادة الاعمار". وشملت النجاحات تحقيق نمو اقتصادي قوي بنسبة سنوية بلغت نحو 9.7 في المئة في الفترة من 1991 الى 1997 ما أدى الى تحسن دخل الفرد بشكل كبير، فضلاً عن خفض معدل التضخم من 100 في المئة عام 1992 الى نحو 5 في المئة في النصف الأول من 1998، ورفع سعر صرف الليرة اللبنانية من 0.544 دولار لكل ألف ليرة في نهاية 1992 الى 0.660 دولار لكل ألف ليرة في نهاية حزيران 1998، وزيادة احتياط العملات الأجنبية في الفترة المذكورة من 1.2 بليون دولار الى زهاء 6.1 بليون دولار، ما يكفي لتمويل الواردات لمدة 10 أشهر، وارتفع الاحتياط الصافي من العملات الأجنبية من 1.2 بليون دولار الى زهاء 3.2 بليون دولار، ما يعادل تمويل الواردات لمدة سبعة أشهر. ولاحظ الصندوق حدوث تطورات ايجابية عدة منذ 1992 بما يدعم فرص انتعاش الاقتصاد اللبناني. ومن بين هذه التطورات اعادة اعمار قسم كبير من البنية التحتية والمشاركة المتزايدة للقطاع الخاص في عملية اعادة الاعمار وكذلك دعم القطاع المالي واجراءات المراقبة المالية وقواعدها فضلا عن تطور اضافي ذي أهمية خاصة لمصالح لبنان وتمثل في نجاح كل من الحكومة والقطاع الخاص في النفاذ الى أسواق المال العالمية. وعن قدرة الحكومة اللبنانية على خفض ثقل الأعباء التي تتحملها موازنتها المالية بسبب عملية اعادة الاعمار أشار الصندوق الدولي في تقريره الى أن الحكومة بذلت محاولة جادة لتحقيق التوازن في موازنة 1998 ونجحت في خفض العجز الاجمالي الى المستوى المقرر في الموازنة وهو 15 في المئة من الناتج المحلي. وأعرب الصندوق الدولي عن اعتقاده أن لبنان يحتاج الى معالجة التباين في توزيع الدخل والفروقات الاجتماعية والاقتصادية القائمة بين منطقة وأخرى بحيث تصبح الاصلاحات الاقتصادية المقترحة مقبولة أكثر سياسياً واجتماعياً. ولفت الى ضرورة اتخاذ خطوات تهدف الى خفض كلفة ممارسة النشاط التجاري في قطاعات عدة مثل نظام المرافىء معرباً عن اعتقاده أن خطوات من هذا النوع، وعلى رغم اقراره بأن النظام التجاري القائم في لبنان هو أكثر انفتاحا من النظم التجارية القائمة في الكثير من الدول الشرق أوسطية، ستساعد على دعم الموازنة وجهود الانتعاش الاقتصادي. وأعطى الصندوق مسألة تخفيف الاعتماد على العائدات الجمركية أهمية خاصة في ضوء اتفاق الشراكة المقترح مع الاتحاد الأوروبي وهدف لبنان في استعادة دوره مركزاً اقليمياً لتجارة البضائع والخدمات في الشرق الأوسط.