} لا يزال موضوع من يحكم أفغانستان أمراً على قدر كبير من الاهمية في تتويج العمل العسكري الذي يقوم التحالف على الارهاب، بحل سياسي. فاستقرار افغانستان منوط بعمل سياسي داخلي صعب وعسير، مصدر صعوبته كثرة الأقوام الافغانيين وضعف بنيتهم السياسية، ودور الجيران الاقليميين في منازعاتهم تحالف الشمال الافغاني، المؤلف من مجموعات سياسية وقبلية ومناطقية وحتى طائفية، يستعجل الحسم والسيطرة على اكبر مساحة ممكنة من افغانستان، على رغم فقدانه زعيمه التاريخي الذائع الصيت والشهرة والكفاية احمد شاه مسعود - الطاجيكي الانتماء القبلي - بعد اغتياله في 9/9/2001. ومحمد ظاهر شاه ملك افغانستان السابق اكثر من تصريحاته واطلالاته في اجهزة الاعلام، وهو المقل. وأعلن انه على استعداد للعودة الى افغانستان، بعد ازاحة طالبان عن السلطة، وتأليف حكومة موقتة تجمع ممثلين عن القوى والتنظيمات السياسية والقبلية ورجال الدين، من دون عودة الملكية. "المهم تخليص شعبي من المحنة، واخراجه من متاهة الاقتتال". فهل ثمة قوى اخرى فاعلة وقادرة في افغانستان يمكنها ان تساعد على تجاوز المحنة، وتقديم بدائل ولو محدودة، بعد مرحلة طالبان وحكمها؟ قوى مشلولة هناك الشيوعيون الذين حكموا ما يزيد على عشر سنوات. وهم تفرقوا ايدي سبأ، فمنهم من قُتل، ومنهم من غيّر ولاءه، ومنهم من هاجر او اختفى في مخابئ العمل، عمل سري قليل الاثر. وهذا فضلاً عن اختفاء سندهم الاول الاتحاد السوفياتي السابق. والمنظمات الاسلامية الاخرى التي ترأستها شخصيات لمعت، ولعبت ادواراً في مراحل سابقة، كقلب الدين حكمتيار، وعبد رب الرسول سياف ومحمد يونس خالص ومحمد نبوي محمدي وسيد احمد جيلاني، وصبغة الله مجددي وغيرهم، هؤلاء جميعهم جردتهم طالبان من قوتهم، واستوعبت كثيرين من انصارهم في صفوفها، وجففت ينابيع مددهم البشري وامدادهم المالي والتسليحي تقريباً، وساتوعب ابن لادن، وتنظيم "القاعدة"، هجرات مئات الشبان العرب وغيرهم. وهؤلاء كانوا، وما زالوا يخرجون غضاباً من بلدانهم، بعد ان كاد يقتلهم اليأس من توفير عمل او حتى لقمة شريفة. والتحالف الدولي الجديد آخذ ومجد في البحث عن بديل لطالبان، خصوصاً ان حليفها الاساس، ومطلقها من عقالها، والداعم لها عسكرياً، اي باكستان الرسمية اصطفت مع الحلفاء، وستكون لسعاتها وضرباتها وخزانة الاسرار التي تملكها الافعل في كشف ما يمكن ان تكون طالبان خبأته في بطون كهوف الجبال، وفي سراديب المدن والقرى وتحصيناتها، فما هي عناصر القوة والضعف في الاحتمالين البديلين اللذين تعمل عليهما بعض قوى التحالف الدولي المضاد لطالبان؟ تحالف أقليات تحالف الشمال لديه دولة معلنة، وحكومة مشكّلة ومعترف بها من جانب دول عدة. لكنها غير قوية وغير فاعلة. فهي محصورة في مواقع شمالية قريبة من حدود طاجيكستان وأوزبكستان. الطاجيك والاوزبك هما اقليتان من النسيج الإثني في افغانستان. وتقدر بعض المصادر ان الطاجيك يمثلون حوالى 20 في المئة من سكان البلاد، ومنهم احمد شاه مسعود، والرئىس برهان الدين رباني. في حين ان الاوزبك يقدرون بأقل من 10 في المئة، ومنهم الجنرال عبدالرشيد دوستم، الذي لعب دوراً مهماً في احتلال كابول في نهاية الثمانينات، ووفر الفرصة لدخول احمد شاه مسعود اليها، وطرد حكومة نجيب الله منها، ولكنه أُخرج من كابول لاحقاً، وطاردته طالبان حتى مدينة مزار شريف الشمالية التي هرب منها عام 1997 وانتقل ليعيش في تركيا. وها هو اليوم يحاول استعادة المدينة الشمالية الكبيرة. أما الهزارة فهم شيعة افغانستان. وتقدر المصادر عددهم بأكثر من 10 في المئة من السكان وهم في غالبيتهم، يسكنون في وسط البلاد، والأبرز من بينهم هو حزب الوحدة الاسلامي - وهو تجمع يتكون من تنظيمات عدة - الذي تلقى ضربة قاصمة، بقتل طالبان زعيمه، عبدالعلي مزاري، ومجموعة كبيرة من كوادره في اثناء احتلالها مزار شريف، وبين القتلى ثمانية من الديبلوماسيين الايرانيين كانوا في المدينة. وتقدر بعض المصادر ان عدد قوات تحالف الشمال العاملة تبلغ حوالى 15 ألف رجل، في حين يبلغ عدد افراد "الميليشيات" التابعة له حوالى 40 ألف رجل. ومقتل هذا التحالف كون قواته موزعة على جهات كثيرة. ورجله القوي، احمد شاه مسعود، اغتيل. ومن الصعب ايجاد بديل له جامع، تتوافق عليه اطراف الشمال في مدة محدودة. ومن سلبيات هذا التحالف ان بعض اطرافه غير مرغوب فيها من غالبية الافغان الباشتون، وهي القبائل الاكثر عدداً في البلاد - ما يزيد على 40 في المئة من عدد السكان - وتسكن في وسط البلاد وجنوبها، ولها امتدادات وقرابات في باكستان. وممارسات بعض قادة الشمال في السنوات الاولى بعيد الانتصار، والقضاء على حكومة نجيب الله، كانت غير مُرضية. فبعضهم تحول الى لصوص وقُطاع طرق ومهربين و"مافيات" وقتلة، وخاضوا حروب احياء ومناطق صغيرة لتثبيت نفوذهم. فجاءت حركة طالبان، وطردتهم، واستولت على مناطق نفوذهم. وكثيرون من الافغان استقبلوا طالبان بالترحيب لأنها وفرت لهم الأمن. ولكن تشددها وتخلفها ابعدا عنها الحلفاء، ودفعا الناس الى الانفضاض من حولها. واذا كان تحالف الشمال الافغاني له روابط بروسيا والهند وتركيا وايران، فضلاً عن طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان، لكن باكستان، العامل المهم في المنطقة، تقف ضد التحالف ولا توافق على ان يلعب دوراً مهماً في الحاضر او المستقبل. وأقصى ما يمكن تحالف الاقليات هذا ان يحوزه في اية تسوية مستقبلية لأمور السلطة والسلطان في البلاد هو ان يكون جزءاً من كل، ويحصل على بعض المواقع، وتتسنم بعض قياداته وزارات وادارات محدودة وربما ثانوية. الملك... من قرن سابق! أما الملك السابق محمد ظاهر شاه فهو من مواليد 1914، اي انه بلغ حوالى 87 سنة. وهذا من الامور السلبية التي ربما تعطل التوجه لاعتماده لاعباً اساسياً في سلطة مقبلة، على رغم ان تاريخه يحتوي على نقاط ايجابية تزكيه، وتجعله الاكثر قبولاً من فسيفساء الاثنيات والقوى في افغانستان. ومرحلة حُكمه الطويلة تثير حنيناً لدى كثيرين ممن عاشوا تلك الحقبة، على رغم مضي 28 سنة من عيشه في المنفى القسري الايطالي. وما زال بعض الافغان يذكرون لمحمد ظاهر شاه الذي نودي به ملكاً في 1933 بعد اغتيال والده مباشرة، انه اعلن دستوراً للبلاد في 1964، وسن قوانين تنظم انتخابات عامة لبرلمان تمثيلي منتخب وصحافة حرة. وهو، بانتهاجه سياسة معتدلة ومحايدة بين الشرق والغرب، اوجد وزناً محترماً للبلاد، وتلقى مساعدات من الطرفين ساعدت في انجاز بعض مشروعات الطرق والري والزراعة وتحسين خدمات التعليم والطبابة وخدمات اخرى في عهده. ووفرت حكومته المركزية يومذاك امناً وأماناً ما زالا حلماً لدى كثيرين من الافغان في هذه الايام. وهذا يزكي ورقته بعد بدء العمليات العسكرية. ولتحالف الشمال الافغاني اتصالات بالملك السابق، وآخرها لقاء وزير خارجية التحالف، الدكتور عبدالله عبدالله معه، وهو لا يمانع في ترتيب عودته الى البلاد بعد الاطاحة بطالبان، ويقف شطر من الباشتون منه موقف محايداً. ويؤكد الملك انه لا يريد العودة ملكاً متوجاً. فهو يرغب في العودة الى البلاد ليقود سلطة موقتة وانتقالية تُرسي الامور في البداية، ويشارك فيها ممثلون للقبائل ورجال الدين والقوى السياسية والمنظمات الاخرى، ليقرر بعدها ممثلو الشعب الافغاني بواسطة انتخابات حرة ونزيهة ما يختارونه، ملكية ام جمهورية، ومن يختارون؟ وفي كل الاحوال ينبغي الا تبقى افغانستان رهينة، او حجر شطرنج في ملعب القوى التي تتصارع وتتناطح في المنطقة. وجزء من الحل هو استتباب سلطة شرعية في سدة حكم البلد الممزق.