ربما كان العائق الرئيسي أمام التصور الأميركي لبناء الجيش الأفغاني هو غياب الكتلة البشرية الأساسية في أفغانستان، أي البشتون، عن عملية البناء هذه. إن أقوى كتلتين سكانيتين في أفغانستان من الناحية العددية هما البشتون والطاجيك. وإذ يشكل البشتون نحو 42 في المئة من السكان، يشكل الطاجيك 25 في المئة فقط. وهنا تكمن صعوبتان كبيرتان أمام فريق أوباما على الصعيدين السياسي والعسكري. سياسياً بشكل الطاجيك السلطة الفعلية في حكومة كارزاي في كابل، حيث لا يؤدي القادة البشتون دوراً يذكر. أما عسكرياً فإن الجيش الأفغاني الحالي قائم على العصبية الطاجيكية حيث يشكل الطاجيك 41 في المئة من إجمال القوات المسلحة وسبعين في المئة من قادة الألوية. وهنا تكمن المفارقة مع الساحة العراقية حيث نجح الأميركيون في اقامة توازن بين العصبيات الغالبة سكانياً وعدديا ًًمن جهة والعصبيات المهيمنة في السلطة والجيش، من جهة اخرى. بينما لم ينجح الأميركيون في تحقيق مثل هذا التوازن بين العصبيات السكانية الأفغانية والبنى السياسية والعسكرية التي انشؤوها خلال السنوات الثماني المنصرمة منذ احتلالهم أفغانستان عام2001. والعلاقات المتوترة الظاهرة حالياً بين العصبيتين الرئيستين، البشتون والطاجيك، ليست وليدة عدم التوازن الحالي في السلطة والجيش، بل ان عدم التوازن هذا ليس إلا أنعكاس لفترة الصراع المرير السابقة على الغزو الأميركي والتي جاء الغزو ليكرسها واقعاً سياسياً لصالح الطرف الطاجيكي الذي كان الطرف المهزوم في الحرب الأهلية الدموية بين الطالبان من البشتون والتحالف الشمالي بقيادة الطاجيك. امتدت هذه الحرب طيلة التسعينات وانتهت بانتصار الطالبان وفرض سلطتهم على انقاض التحالف الشمالي. حتى اذا جاء الأميركيون عام 2001 عمدوا الى إعادة انعاش جثة التحالف الشمالي وجعلوه مطية لعملياتهم العسكرية والنظام الهلامي الذي انشؤوه في كابل. فالصراع الحالي بين الطالبان وحكومة كارزاي المدعومة من الطاجيك ليست إلا استمرار للحرب الاهلية المدمرة بين هاتين القوميتين مع فرق التواجد العسكري الاميركي الذي يجهد لحسم المعركة لمصلحة أنصاره من الطاجيك والتحالف الشمالي. من هنا يجري ارسال القوات الاميركية الجديدة الى منطقتي البشتون الرئيسيتين هلمند وقندهار بهدف إحداث اختراق لهيمنة طالبان على تلك المناطق. وتعمد الخطة الأمركية الى تطعيم قوات الجيش الحكومي بعناصر بشتونية عبر زيادة ملحوظة في مرتبات الجنود بهدف اغراء شباب البشتون مادياً بالانضمام الى القوات الحكومية. لكن من المستبعد ان تأتي هذه السياسة أكلها وذلك لسببين اثنين، الأول هو العداء المتأصل والمستمر منذ الحرب الأهلية في التسعينات بين القوميتين. اما الثاني فهو مبادرة الطالبان الى مجاراة الاغراءات الأميركية في ما تدفعه الحركة من رواتب لمقاتليها حيث لم يعد العنصر المادي ذا شأن في موازين القوى المحلية في تلك المقاطتعين. اما التكتيك العسكري المنتظر اتباعه من قبل الطالبان في مواجهة القوة النارية الهائلة للجيش الأميركي، فعبر عنه الجنرال روديوف قائد الجيش السوفياتي الذي قاتل الأفغان لمدة عشر سنوات انتهت بانسحابه من أفغانستان عام 1989 وخسارة اكثر من خمسة عشر ألف جندي سوفياتي. فقد قال رودينوف معلقاً على خطة اوباما الجديدة في مقابلة اجريت معه حديثاً في جريدة «الفايننشال تايمز»: «لقد تمت تجربة كل الخطط في السابق دون نتيجة. كانت الحرب في كل سنواتها العشر تدور في حلقة مفرغة. كنا نأتي الى منطقة، فيغادرها المقاتلون الأفغان. حتى اذا ما انتقلنا الى منطقة اخرى، عادوا الى الأولى». هذا التقييم للجانب العسكري من خطة اوباما الجديدة من قبل الجنرال الروسي قد لا يكون متجرداً، لكنه يكتسب الصدقية كون «الجيش السوفياتي الاربعون» الذي قاده في أفغانستان يناهز المئة وعشرين ألف جندي، وهو أعلى من الرقم الأقصى لعدد الجنود الأميركيين الذي تلحظه خطة أوباما الجديدة، أي مئة وأحد عشر ألف جندي. تلك هي، باختصار، العقبات التي تقف أمام الركن الأول في هذه الخطة، أي إعادة بناء أجهزة الدولة والجيش الأفغانيين استناداً إلى القوة النارية المتفوقة للقوات الأطلسية. لكن الركن الثاني من خطة أوباما الجديدة ليس أوفر حظاً من الأول. يقوم التصور الأميركي على دور كبير وفاعل لجيش وحكومة باكستان في محاصرة الطالبان بين فكي كماشة في المناطق الحدودية بين أفغانستانوباكستان. وقد يبدو للوهلة الأولى ان هذا الأمر جار على قدم وساق في المعارك الشرسة التي يخوضها الجيش الباكستاني منذ اشهر في وادي سوات، وفي الاسابيع الماضية في منطقة وزيرستان الحدودية. لكن كبار محللي كلية الأركان الحربية في مدينة كويتا الباكستانية، مركز إحدى أهم القواعد القواعد العسكرية في البلاد، يلقون ظلالاً كثيفة من الشك حول ارجحية التصور الأميركي. فحركة طالبان الباكستانية ليست كتلة متماسكة ولا تحكمها قيادة مركزية سياسية وعسكرية واحدة، بل عدة تجمعات قبلية وعشائرية ذات ولاءات سياسية مختلفة. في باكستان اليوم ثلاث حركات تطلق على نفسها اسم طالبان، بينما يخوض الجيش الباكستاني حربه الشرسة في جنوب وزيرستان ضد واحدة منها فقط، هي طالبان قبيلة محسود التي قارعها سابقاً في وادي سوات والمسؤولة عن التفجيرات اليومية في المدن الباكستانية. في المنطقة نفسها، أي جنوب وزيرستان، يقود الملا نظير جماعة لطالبان تعتبر نفسها حليفاً للحكومة المركزية ولا تؤيد سياسة آل محسود. وفي شمال وزيرسان يوجد تيار ثالث من طالبان بقيادة حافظ غول بهادور، لا يعتبر نفسه معنياً بالمعارك التي تجري في الجنوب، كونه لم يكن له أي عداء او اشتباك سابق مع الجيش او الحكومة الباكستانيين. اما المواجهةالاميركية الرئيسة فهي مع حركة طالبان أفغانستان بقيادة الملا عمر وسراج الدين حقاني اللذين تعتقد الاستخبارات الأميركية أنهما مختفيان في مدينة كويتا ذاتها! وقدعمل الملا عمر جاهداً على كسب ود السلطة في باكستان عبر النأي بنفسه عن طالبان آل محسود. وها هو يوسف احمد الناطق الرسمي باسم الملا عمر مطمئناً الحكومة الباكستانية : «نحن نقاتل قوى الاحتلال في أفغانستان وليس لدينا اي نية سياسية للتدخل في امور اي دولة أخرى. إن الولاياتالمتحدة وقوى اخرى اعتدت على ارضنا وحربنا ليست موجهة الا ضد هؤلاء المعتدين. ان ما يجري في باكستان ليس شأننا». وأخيراً، ثمة عداوة استراتيجية مشتركة ضد الهند تجمع بين طالبان الأفغانية وباكستان، ألا وهي الصراع الدفين مع الهند التي خاض الباكستانيون ضدها ثلاث حروب كبيرة والتي يعتبرها الجيش الباكستاني التهديد الإستراتيجي الأول لبلاده. ولا ينظر القادة العسكريون الباكستانيون بعين الرضا الى العلاقات المتنامية بين حكومة كارزاي والهند، الأمر الذي يفسر في نظر البعض الاتهامات الأميركية لبعض مواقع السلطة والجيش في باكستان بالتعاطف الضمني مع طالبان الملا عمر وحقاني وتقديم تسهيلات ميدانية لمقاتليهما. ربما كانت كلمات جنادي زاتيف، قائد وحدة النخبة في القوات السوفياتية أبان احتلالها أفغانستان، التعبير الموفق عما ينتظر خطة اوباما الجديدة من عاقبة: «ان ارسال مزيد من الجنود يعني بكل بساطة مزيداً من القتلى. عندها سيتساءل المواطنون الاميركيون والبريطانيون عن حق: لماذا يموت أبناؤنا هناك؟ ويأتيهم الجواب: للحفاظ على حامد كارزاي في السلطة. لا أعتقد أن هذا الجواب سيرضيهم». * كاتب لبناني